الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

جمال المحافظ: في الذكرى 60 لـ SNPM .. من أجل تنظيم للصحافيين في القرن 21

جمال المحافظ: في الذكرى 60 لـ SNPM .. من أجل تنظيم للصحافيين في القرن 21 د/جمال المحافظ

بعد سلسلة من المقالات التي خصنا بها الكاتب والصحفي جمال المحافظ الباحث في القانون العام والعلاقات الدولية بمناسبة احتفال النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالذكرى 60 لميلادها وذلك في إطار مشروع واسع لتوثيق تاريخ الصحافة والصحفيين والوقائع الإعلامية ومواصلة مرافعاته من أجل الاهتمام بالإعلام، وإدارجه في الحقل الأكاديمي والبحث العلمي.

الأوراق السابقة، توقف فيها الزميل جمال المحافظ بالخصوص، عند أهم المحطات والانشغالات التي رافقت مسار نقابة الصحافة التي تأسست في 25 يناير 1963، وذلك ارتباطا بالسياقات العامة والتحولات التي عرفها المشهد الاعلامي.

وفيما يلي الجزء الأخير من هذا المقالات الذي يتضمن أسئلة ومقترحات استشرافية يطرحها جمال المحافظ بهدف لتطوير الأداء النقابي في الاعلام والارتقاء به.

 

لاشك أن ثمّة ارتباطا جدليا بين التجليات النقابية والسياقات والتحولات السياسية لمغرب ما بين 1963 و1984، والذي لم يكن في حقيقة الأمر، إلا انعكاسا للمتغيرات السياسية والإعلامية، التي وسَمت كل مرحلة من مراحل تطور النقابة الوطنية للصحافة المغربية.

وكان لهذه السياقات العامة أثرٌ عميق على مسار وتحول النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي كان ميلادها إفرازا طبيعيا للتأثيرات التي عرفها بلد خرج لتوّه من مرحلة الحماية، وبدأ يشقّ طريق التحرر من تبعات الفترة الاستعمارية.

وسيطر الهاجس السياسي على فترة التأسيس حيث أبرز التحليل الزمني لأداء النقابة، أنه إذا كانت الحركة الوطنية، قد أخفقت في بداية الاستقلال في المحافظة على وحدتها في اطار هيئة سياسة واحدة، فإن أحد نجاحات الأحزاب المكونة لها، التمكن من تجاوز خلافاتها وصراعاتها السياسية، وتختار التكتل، مما جعلها تهتدي سنة 1963 إلى تأسيس نقابة للصحافة وليس للصحافيين.

نقابة لصحافة أحزاب المعارضة

وإذا كانت نقابة الصحافة قد تأسست بهدف معلن، يتمثل في مواجهة بقايا الصحافة الاستعمارية الفرنسية، ممثلة في صحافة "ماس"، فإن الأهداف المضمرة وغير المباشرة، كانت ترمي في حقيقة الأمر الى جعل هذه المنظمة أداة في الصراع السياسي لمغرب الستينيات، الذي كان فيه العمل الصحفي موجها أساسا، نحو خدمة التوجه السياسي والعمل الحزبي المعارض والترويج لأفكاره .

وفي هذا الصدد، اعتمدت النقابة في مرحلة التأسيس، على ما يبدو صيغة برغماتية، تنطلق على ما يظهر، من فكرة أنّ الخصم المشترك، لا يمكن أن تقاومه صحيفة بمعزل عن الصحف الأخرى، وهي الصيغة المقبولة التي دفعت " خصوم الأمس" إلى التوافق على تأسيس نقابة للصحافة. فعلى طول المرحلة الممتدة ما بين 1963 و1984، تمثلت المهام المستعجلة للنقابة الوطنية للصحافة المغربية في الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير، لكن مع غياب شبه تام للجانب المهني ووضعية المحررين (الصحفيين)، الذين كان ينظر إليهم في هذه الفترة كمناضلين.

وهكذا تلخصت انشغالات النقابة في المطالبة بالإصلاح السياسي، وضمان الحقوق الجماعية، وهذا ما اتضح جليا في أدبياتها ومواقفها وبياناتها الصادرة عن أنشطتها خلال هذه الفترة. وظل مفهوم العمل النقابي في الميدان الصحفي، تبعا لذلك، الغائب الأكبر في أداء النقابة، وهذا ما يمكن تلمّسه، أيضا من اختيار تسميتها بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية ، وليس نقابة الصحفيين.

صحافة "الأحزاب الإدارية " في النقابة

وخلال هذه المرحلة، ظلت نقابة الصحافة قناة لتمرير الخطاب السياسي المعارض، ولم تشكل في هذه اللحظات التاريخية، إطارا مهنيا للتعبير عن تطلعات الصحفيين. مما يجعل التساؤل مشروعا حول هل كان تأسيس النقابة رد فعل على ما كان يعتمل في الوسط الصحفي لتأطير الحقل الإعلامى، أم كان مجرد خلق ذراع للحركة الوطنية خاصة حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أثناء تحولها الى المعارضة، منذ بداية الستينات، وفي المقابل آلية للتوافق والتنسيق بين الحزبين بعد صرا شرس دام نحو أربع سنوات.

وفي المقابل تمكنت النقابة خلال هذه المرحلة من المحافظة على وحدتها التنظيمية، رغم تعددية الجسم الصحفي وتحولات المشهد السياسي، وهو ما ميزها عن بقية الهيئات النقابية التي تأسست في إطار الأحادية، وتحولت إلى التعددية، تأثرا بالانشقاقات المتتالية للأحزاب السياسية.

إن تطوّر الممارسة السياسية بالمغرب، مابين 1984 إلى غاية سنة 1993، أتاح الفرصة لتطوير هياكل نقابة الصحافة، بانضمام إلى الصحف المؤسسة، غالبية الصحف من بينها صحافة الأحزاب التي كانت جرائد المعارضة تصفها ب"الإدارية "، من بين الخلاصات المركزية. وأضفى هذا التعدد تنوعا على النقابة ساهم بشكل ما، في إغناء صفتها التعددية، وبروز قضايا ومطالب مهنية جديدة، أفرزها التطور السياسي والاجتماعي والثقافي للبلاد. إلا أن النقابة على الرغم من ذلك حافظت مع ذلك، على هيكلتها كتنظيم فوقي يضم " الصحفيين المديرين" فقط إلى حدود سنة 1993.

بيد أن النقابة عرفت وإلى حدود الجمع العام الثاني في ماي 1993، تطورا وأكبر تحوّل في بنيتها، ترجم في التعديلات التي طالت قانونها الأساسي، الذي أضحى بموجبه الصحافيون، يشكلون ثلثي الأجهزة المقررة، والثلث الآخر لممثلي المقاولات الصحافية، وتمّ وفِق ذلك تشكيل غرفتين في حظيرتها:غرفة لمديري الصحف، مقابلها غرفة أخرى للصحفيين.

الإستقلالية تحت المحك

ورغم التطور الحاصل على مستوى بنيات نقابة الصحافة، فإنّ الانتقادات كانت غالبا ما توجه لها خلال المرحلة الممتدة مابين 1963 و1984، بكونها حافظت على تبعيتها وارتهانها لتوجهات أحزاب سياسية ومعبرة عن آرائها في الوقت الذى أصبح الاستقلال التنظيمي للنقابات مطروحا، باعتباره مؤشرا للديمقراطية ومبدءا أساسيا، الغاية منه، منع الأحزاب من أن يكون لها ذيل نقابي، ومن شأنه أن يحول نقابة الصحافة جزءا موازيا لهذه الأحزاب .

كما أن الجمع بين المهام القيادية بالحزب وبنقابة الصحافة، من شأنه أن يؤثر على استقلالية الفعل النقابي الصحافي ودمقرطته، وتفقد النقابة بالتالي القدرة على ترجمة التطلعات الحقيقية للصحفيين ولأسرة الصحافة، على الرغم من أنه بحكم طبيعة الإعلام، أن يكون هناك تبادلا للتأثير والتأثر بين نقابة الصحافة والمحيط السياسي والاجتماعي والثقافي، بحكم عوامل عدة، منها أن الصحافة المغربية ارتبطت على طول تاريخها، وارتهنت بالنظام السياسي من جهة، وبالعمل الحزبي من جهة أخرى.

ويبدو في هذا الصدد، أن الخلافات والصراعات الداخلية التي عرفتها بعض لأحزاب المشاركة في حكومة التناوب التوافقي، خاصة الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي قاد هذه التجربة، أرخى في تلك المرحلة بظلاله، على موقف النقابة من هذه الحكومة التي تأثرت وانعكس على مواقفها من النقابة .

فمنذ سنة 2000، تمكنت نقابة الصحافة وعبر مسار طويل، أن تتحول إلى تنظيم للصحافيين، وأن تحافظ في نفس الوقت، على وحدتها، بعد أن حققت انتقالا سلسلا على مستوى بنيتها التنظيمية خاصة بعد التحول في قيادتها من الصحفيين المديرين منذ التأسيس سنة 1963 وإلى غاية سنة 1993 التي أصبحت فيها تمثيلية الصحفيين واقعا في هذا التنظيم الصحفي التاريخي.

من ثقافة المواجهة إلى ثقافة المشاركة

فهذه السياقات السياسية والاجتماعية، أثر وبشكلٍ عميق على منسوب أداء النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وفي بلورة مواقفها من تحوّلات المشهد الإعلامي والسياسي، وهو ما مهّد لانتقال النقابة من ثقافة الصدام والمواجهة إلى ثقافة المشاركة. وبالرغم من تبنيها لثقافة المشاركة، كخيار واستراتيجية، فإنّ الاصطدام مع ذلك استمر في بعض المحطات منها إبان التعديلات التي طالت قانون الصحافة، والتضييق الذي يمس ّبين الفينة و الأخرى، الصحافة و الصحفيين.

إلا أن نقابة الصحافة، تمكنت من تعزيز حضورها، كمخاطب مقبول لدى الدولة في قضايا الصحافة والإعلام مركزيا، غير أن أداءها على مستوى مؤسسات الإعلام العمومي والصحافة الجهوية والخاصة، لم يرق إلى تطلعات الصحافيين. وإذا كان هناك نوعا من التطور الملحوظ في أداء النقابة على المستوى المركزي، غير أن هذا لم يمنع من ملاحظة ضعف واضح، في التواصل ما بينها، وبين العديد من مكونات الجسم الصحفي والإعلامي، خاصة منهم غير المنخرطين في النقابــة من العاملين بالصحافة المستقلة الصادرة باللغة الفرنسية والمعتمدة، فضلا عن الإشكالية الجمع بين المسؤولية الحزبية والمسؤولية النقابية الصحافية التي مازالت مطروحة، وتأثير ذلك على مواقف وتوجهات نقابة الصحافة، وهو ما يطرح التساؤل حول حدود التماس مابين الالتزام الحزبي، والاستقلالية المهنية.

أجيال جديدة من الانشغال

وإذا كانت النقابة أيضا، قد بادرت إلى الاهتمام بأجيال جديدة في قضايا الصحافة والإعلام من قبيل أخلاقيات المهنة ودمقرطة وسائل الإعلام خاصة العمومية، بجعلها تشتغل وفق مبادئ المرفق العام والنوع الاجتماعي في الإعلام والتكوين، إلا أن هذه المبادرات اتسمت بطابع مناسباتي ظرفي.

النقابة بين دينامية حركة 20 فبراير ومستجدات الدستور

فعوضا عن إعطاء أهمية أكبر للانخراط في الديناميات الإعلامية المجتمعية ومساهمتها كطرف أساسي في فعاليات الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع سنة 2010، فإن نقابة الصحافة، ركزت على علاقتها مع الحكومة خاصة وزارة الاتصال، والاكتفاء بردود الفعل على ما يطرح في الساحة الإعلامية، خاصة ما يتعلق بقوانين الصحافة مع تراجع ملحوظ في إبداع مبادرات كفيلة بتعزيز قيم التضامن والتآزر بين الجسم الصحفي، والرفع من مستوى الأداء المهني وضمان الاستقلالية .

وبالرغم من الدينامية التي خلقها الحراك الشبابي في 20 فبراير 2011 والمستجدات التي أتى بها دستور في هذه السنة في مجال الإعلام، فإن تجاوب وأداء النقابة مع هذا التحول الدستوري، على ما يبدو أنه لم يرق إلى الآمال العريضة التي كانت معقودة على نقابة للصحافة الإعلام الذي كان له دور حاسم في هذا الحراك والذي كان من المفروض أن يشكل مناسبة وفرصة لها لتجذير دورها، حتى تكون أكثر تأثيرا في السياسات العمومية في القطاع.

وبخصوص الآليات المعتمدة من لدن نقابة الصحافة لتمرير مواقفها، والتعبير عن آراءها من مختلف القضايا المرتبطة بعملها، فلازالت هذه المنظمة، تركز على الوسائل التقليدية في مقدمتها إعطاء اهتمام أكبر لإصدار البلاغات والبيانات، في الوقت الذي يعد تطور نقابة الصحافة، يرتبط أشد الإرتباط بمدى تمكن الإعلام المغربي من فرض استقلاليته المهنية الفعلية عن كافة أشكال التأثير السياسي والحزبي والاقتصادي والمالي، وتعزيز التضامن ما بين الصحفيين والترافع من أجل نوسيع هوامش حرية الصحافة والتعبير.

من الصراع الى التكيف

وبينت التجارب المقارنة والأحداث الوطنية والدولية في هذا الصدد، أن منع أو امتناع الإعلام عن القيام بهذا الدور يعني تعطيل الانتقال الديمقراطي والتغيير المجتمعي .

وبصفة عامة يلاحظ أن العلاقة بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والفاعلين السياسيين من دولة وأحزاب ونقابات – وكما هو الشأن بالنسبة لهذين الطرفين الأخيرين– اتسمت بطابع الخصومة والصراع أحيانا والتكيف والاندماج وأحيانا أخرى الانصهار في النسق السياسي. وتميزت هذه العلاقة عموما بتوترات طبعتها لحظات تراوحت بين الصراع والانفراج، مما أدى إلى خلط شديد ما بين الصحافي والسياسي إلى درجة يصبح معها من الصعوبة بمكان، التمييز بين الحقلين السياسي والإعلامي، وتلمس نقط الالتقاء والتباعد بينهما وخصوصية كل طرف منهما.

غير أن الاشكال المطروح في هل الصحفيين نساء ورجال السلطة الرابعة مازالوا في حاجة القرن الواحد والعشرين إلى تنظيم نقابي شبيه بما هو معمزل به لدى العمال والأجراء، خاصة في ظل السياقات والتحولات الراهنة؟ السؤال يظل مشرعا على كل الاحتمالات لطبيعة وخصوصية التنظيم الصحفي ونوعية الأداء الإعلامي.