الأربعاء 24 إبريل 2024
مجتمع

صور مأساوية في زمن الغلاء الفاحش تنبئ بوضع اجتماعي كارثي لا يبشر بالخير

صور مأساوية في زمن الغلاء الفاحش تنبئ بوضع اجتماعي كارثي لا يبشر بالخير صورة متاريس من الحجارة لطقع الطريق بسبب الأزمة الاجتماعية

في جولة روتينية خلال الأسبوع الثاني من شهر فبراير 2023، بين تخوم مناطق الرحامنة وعبدة ودكالة وأحمر، انتصبت أمامي صورا مأساوية أبطالها نساء ورجال بسطاء قادتهم الظروف لامتهان "التسول" بطرق مختلفة، وشاهدت جحافل من القاصرين والأطفال يستجدون الناس للحصول على لقمة العيش. وشعرت بأن هناك فجوة خطيرة بين من يدبر شأن المواطنين الذين لم تعد لديهم القدرة على مواجهة شبح الجوع.

مع ارتفاع منسوب غلاء الأسعار الذي طال كل الأشياء الضرورية في حياة الناس، خرجت جحافل من الأطفال (متمدرسين ومشردين) للتسول بطرق مختلفة في الشارع العام وداخل محطات نقل المسافرين، وبفضاءات المقاهي المتخصصة في تقديم الأطعمة، دون الحديث عن اجتياح الأسواق الأسبوعية من طرف نساء ورجال يجوبون "الرْحَابِي" ومرافق مختلف السلع، من أجل استجداء الناس والظفر بما يجود به سخاء المتبضعين.

مشاهد مؤلمة لقاصرين وأطفال بألبسة متسخة منتعلين نعال بلاستيكية، يتسولون هنا وهناك بأمر من أمهاتهم وآبائهم، متأبطين علب من مناديل "كلينيكس" كوسيلة لاستجداء الناس، في حين أن مكانهم الطبيعي هو المدرسة. أما البعض من النساء فقد اخترن "التسول" ببيع أشياء تافهة لزبناء المقاهي كمدخل لفتح نقاش عن واقع الحال (أب يعاني من مرض مزمن طريح الفراش، أو ابن معاق، أو ملف من ملفات الوضع الاجتماعي المتأزم...).

في الشارع العام ببعض المناطق، وأمام المقاهي يحاصرك حرفي يصنع محتويات متنوعة من الدوم أو ما شابه ذلك، ويستعطف الزبناء بعيون دامعة، متوسلا اقتناء منتوج صناعته التقليدية، فتشعر وكأنك في ورطة بفعل بوار تلك السلعة التي كانت إلى وقت قريب تعتبر من أساسيات "بَارُوكْ" زيارة تلك المنطقة الهامشية التي تعاني الحرمان.

"والله حْتَى عَيْبْ وُعَارْ هَاذْ الشِّي الِّلي طَارِي أُو وَاقَعْ فِي لَبْلَادْ. قَلْبَكْ يَتْقَطَّعْ مَلِّي يْمَدْ لِيكْ رَجَلْ أَوْ امْرَأَةْ يَدَهَا بِحَشْمَةْ وَحَيَاءْ طَمْعًا فِي دَرْهَمْ أَوْ دِرْهَمَيْنَ بَاشْ يْطَعْمُوا وْلَادْهُمْ". يحكي متقاعد بسيط بلسان واقع الحال في زمن التشدق بحكومة الكفاءات التي بشرت المواطنين بنعيم الدولة الاجتماعية.

واستطرد نفس المتحدث الذي أرغد وأزبد في وجه أحد بائعي الخضر بحجة غلاء محتويات القفة الأسبوعية قائلا: "كَنْشَدْ 60 ألف رْيالْ فِي التَّقَاعُدْ دْيَالِي. أُو مَا قْدَرْتْشْ نْوَفَّرْ لِيَّا حْتَى سَرْوَالْ يْدَفِّينِي مَنْ الْبَرْدْ فِي هَاذْ الطَّقْسْ الْبَارَدْ. كِي غَيْدِيرْ هَاذْ الْمُوَاطِنْ الْمَسْكِينْ الِّلي مَا عَنْدْ بَابَاهْ حْتَى مَدْخُولْ بَاشْ يَتْقَضَّى لَوْلِيدَاتُو؟ وَاشْ هَاذِي هِيَ الْحُكُومَةْ تَاعْ الشَّعْبْ؟".

جحافل المتسولين خريجي مؤسسة حكومة الكفاءات تشهد على تنكر معالي الرئيس ووزرائه لوعودهم وبرامجهم أثناء حملتهم الانتخابية السابقة، والدليل تدني القدرة الشرائية، وارتفاع منسوب الهشاشة الاجتماعية بشكل رهيب، مقابل الحرمان من أبسط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية...والأخطر من ذلك أن تجار الأسواق الأسبوعية اكتووا بدورهم بنار أثمنة الخضر في سوق الجملة بفعل المضاربين والسماسرة، ولم يعد بمقدورهم مواجهة البسطاء من الناس الذين يجوبون ممرات مرافق التبضع دون لمس كل أنواع الخضروات التي كانت تؤثث موائدهم، أما الإقتراب من اللحوم فذلك ضرب من الخيال.

في هذا السياق قال أحد بائعي الخضر "مُولْ الْمَانْضَةْ الشَّهْرِيَةْ مَا بْقَاشْ قَادَرْ عْلَى الَغْلَا... إِيوَا فِينْ غَادِي يَعْطِي رَاسُو الْمَسْكِينْ الِّلي كَيَخْدَمْ فِي تَبَنَّايْتْ. أُو كَيْتْسَنَى فِي الْمُوقَفْ شِي بْرِيكُولْ بَاشْ يَرْبَحْ 50 درهم فِي النْهَارْ؟ رَاهْ الظُّلْمْ بِعَيْنِيهْ. مَا عُمَّرْنَا شَفْنَا بْحَالْ هَاذْ الْحُكُومَةْ الله يَسْتَرْ الْحَالَةْ".

أما في رحبة البهائم والمواشي لا حديث إلا عن غلاء تسعيرة الصَّنْكْ وانهيار ثمن رؤوس أغنام لكسيبة التي تحتاج للعلف والكلأ والأعشاب في زمن الغلاء والجفاف الذي ضرب بعض المناطق مثل (أحمر والرحامنة وعبدة ودكالة..) حيث أوضح أحد لَفْرَاقْشِيَةْ بالقول: "لَبْهِيمَةْ الْيُومْ خَاصْهَا الْعَلْفْ بَاشْ تَسْمَانْ، أُو لَغْلَا مَا خَلَّا الْكَسَّابْ الْمَسْكِينْ حْتَى حَاجَةْ بَاشْ يْسَايَرْ أُو يْمَشِّي لِيَّامْ مْعَ بْهَيْمَاتُو...فِينْ يَعْطِي رَاسُو هَاذْ الْمَسْكِينْ؟".

وحكى لجريدة "أنفاس بريس" أحد الفلاحين أن قريبه نقل للسوق الأسبوعي بمنطقة عبدة 25 رأس من الغنم كلفته 200,00 درهم لصاحب المركبة، وأدى عند مدخل رحبة البهائم 15,00 درهم للرأس كرسم لـ "مُولْ الصَّنْكْ" أي ما مجموعه 350,00 درهم، لكنه صدم بأثمنة السوق البخسة جدا، ففضل إعادة رؤوس الأغنام للدوار بعد أن خسر ما مجموعه 550,00 درهم في انتظار الذي يأتي ولا يأتي.

لقد استفحلت هذه الصور المأساوية بشكل مهول مع أزمة غلاء الأسعار بدون حسيب أو رقيب، وبدت تلوح في الأفق بعد الأنباء عن نشاط حركة النشل واعتراض سبيل الناس والسرقة، ووضع متاريس الحجارة في الطرقات كما وقع بالقرب من قرية سيدي أحمد في الطريق المؤدية لجماعة الخوالقة بإقليم اليوسفية نحو مراكش، حيث تم اعتراض سبيل سيارة إسعاف تابعة لقطاع الفوسفاط، وتدخل عناصر الدرك الملكي لمعالجة الملف أمنيا.