الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

علي ماء العينين: غلاء الأسعار.. الحقيقة والأسرار

علي ماء العينين: غلاء الأسعار.. الحقيقة والأسرار د/علي ماء العينين
تنبيه: لست خبيرا اقتصاديا، لكن لي وجهة نظر فيما يقع :
الأزمات تخلق حالة احتقان اجتماعي يترجم الى مظاهرات واحتجاجات ومختلف التعابير لرفض الأزمة ومواجهة تداعياتها...
في المغرب ظهرت ردود فعل عن الأزمة لا يمكن التنبأ بنتائجها، نحن اليوم أمام حالة احتقان نفسي، مواطنون مغلوب على أمرهم، وصلت الأسعار سقفا فاق التوقعات، ودون سابق إشعار.
لقد تفهم المغاربة الزيادات في كل المواد المرتبطة بنقل البضائع بسبب غلاء المحروقات نتيجة الأزمة العالمية، كما كان المغاربة يستعدون لرفع الدعم عن بعض المواد كالغاز الموجه للاستعمال المنزلي، ورغم أن الزيادات ستتجاوز الضعف إلا أن الاشعار القبلي بشهور جعل المواطن يقبل ويتفهم.
لكن ما لا يستوعبه المواطنون هو هذه الزيادات الصاروخية التي مست موادا تعتبر اساس المائدة المغربية، من لحوم بيضاء وحمراء وأسماك وخضر وفواكه وزيت المائدة، وحتى المياه المعلبة و المياه الغازية، وبعدها الشاي والسكر والحليب ومشتقاته ...
وسط هذه الأزمة، لا يجد المواطن في الخطاب الرسمي ولا حتى في التحليلات الاقتصادية والمتابعات الصحفية ما يفسر هذا الوضع، ولا حديث عن أية إجراءات استعجالية لمواجهة هذا الغلاء الفاحش...
وأحيانا يجب أن يكون أي إجراء يتخذ محسوبا ومدروسا، فمثلا، الزيادة الزهيدة التي استفاد منها المتقاعدون والتي لم تتجاوز المائة درهم، أحس المواطن ان الحكومة بهذه الزيادة كأنها تستخف بمشاعر المواطن.
كما أن فتح الباب لاستيراد الابقار الموجهة للذبح يبدو مجرد إجراء مؤقت لمواجهة غلاء رمضان، والدولة على بعد شهور قليلة عن عيد الاضحى لا تقدم أي جواب لما ستكون عليه الأثمنة على ضوء الزيادات الحالية،
يوميا تتزايد نسب فقدان مناصب الشغل بالمغرب، و ذلك بسبب تأثر المقاولات بتقلبات السوق العالمية، وتزايد نسبة التضخم محليا رغم صمود العملة الوطنية .
أما نسب البطالة في صفوف حاملي الشهادات فيكفي استعراض عدد المتقدمين لاجتياز الامتحانات كما هو الحال في امتحان المحاماة و الأعوان القضائيين، ليتأكد لأي متتبع أن السوق المغربية عاجزة عن ربط حاجياتها بطبيعة الشواهد الجامعية، التي لم تعد مقياسا لولوج سوق الشغل، فالسوق اليوم تتجه لتعميم التقنيات التكنولوجيه الحديثة، منا يجعل من خريجي الشعب الأدبية و القانونية مجرد شواهد لا تصلح الا للتعاقد في قطاع التعليم.
قبل عشرين سنة، كان المغرب يعيش الجفاف، واقتصاده متذبذب، وغير مستقر، ساعتها لم تكن تملك البلاد مقومات اقتصاد تنافسي سوى في قطاع الخضر والفواكه والأسماك، أما الفوسفاط فهذا قطاع مبهم لا احد يعرف خباياه ولا مداخيله ولا طرق صرفها .
اليوم يفترض ان بلادنا أنعشت اقتصادها بقطاعات حيوية مثل الطاقات المتجددة، وصناعة السيارات، وتزايد الطلب على الفوسفاط، والاكتشافات الغازية بعدة مناطق، ناهيك عن تزايد الاحتياط من العملة الصعبة بسبب تزايد تحويلات الجالية المغربية بالخارج..
كما أن الدولة في حكومة بنكيران، اتخذت أصعب القرارات الاقتصادية التي اعطت لميزانية الدولة حصانة بعد الغاء صندوق المقاصة، واعتماد الحكامة في تدبير العديد من القطاعات ...
كما أن المغرب انفتح على السوق الأفريقية، التي فتحت للاقتصاد الوطني مجالا للانتعاش والتوسع وزيادة الموارد خاصة في العملة الصعبة،
النظام الضريبي المغربي اعتمد منطق التعميم ليشمل قطاعات كانت معفية، والأرقام المتداولة مثلا في الضريبة المفروضة في القطاع الصحي تتحدث عن مداخيل جد مهمة. وكذلك الحال في القطاع الفلاحي والآن بقطاع العدل.
يمكن القول اننا لم نعد دولة سائرة في طريق النمو، وأننا بمعايير الاقتصاد الدولي، فنحن دولة نامية، باقتصاد تنافسي متوازن بين صادراته ووارداته، متعدد الأسواق، ومستقر في عملته واحتياطه من الذهب والعملة الصعبة.
فمن أين تأتي هذه الأزمة؟ ما الذي يجعل الدجاج صديق الفقراء يرتفع ثمنه بهذا الشكل غير المفهوم؟
ولا يمكن القول إن غلاء الاعلاف والتنقل هما السبب في هذا الغلاء ؟!!!!
وماذا عن اللحوم الحمراء؟ كيف للأسعار أن ترتفع في كل الانواع من أغنام وأبقار وحتى لحم الإبل؟
منذ ثلاثة أشهر والتساقطات المطرية تعرف تفاوتات من منطقة إلى أخرى، وهو ما يعني أن بلادنا لا تعيش جفافا بالمفهوم المعتاد، عندما تمر سنة كاملة بلا تساقطات، وان بلادنا تساقطاتها قليلة مقارنة بالمعدل الوطني في السنوات الماطرة...
في الدول التي تحكمها حكومات ليبرالية، يكون طبيعيا إزدياد جشع الاقتصاد المتوحش الذي لا يلتفت للاعتبارات الوطنية و لا الاجتماعية، ويكون فيه القوي يأكل الضعيف..
لكن في حالة المغرب، فهذه حكومة مكونة من أحزاب وطنية، وتسمى بحكومة صاحب الجلالة، مما يعني ان ضوابط الاقتصاد لا تخضع لهوى الحكومة ولا المقاولات ورساميل الشركات الكبرى، بل محكومة بتوجهات وطنية ترعاها الدولة بمختلف مكوناتها.
فلماذا هذا الغلاء الغير مفهوم؟ هل هو آلية جبانة للحد من نسب التضخم؟ وبالتالي جمع السيولة من الأسواق؟
اموال الفقراء التي يصرفونها على موائدهم تصرف في العربات المجرورة و في محلات بيع الدجاج، واللحوم في الاسواق الأسبوعي، وهذه كلها قطاعات غير مهيكلة لا يشملها نظام الضرائب في عملية التسويق ...
الحديث يطول، وفي المحصلة، كل أزمة اقتصادية لها اجراءات وحلول والمواطن لم يراها ولم يلمس أثرها على حياته اليومية..
أما عندما ينتفض الشعب، ويخرج الفقراء الى الشارع، لا أحد يتنبأ ماذا سيحدث، ففي المظاهرات كل لما هجر له، قد تجد بين المتظاهرين متهورا واحدا يجر الحشود بحماستهم الى ما لا تحمد عقباه...
فهل تعتبرون؟