كان موعد أبناء حي يعقوب المنصور الاحباس / النوايل سابقا، وبالخصوص زنقة البحر، يوم الاربعاء 25 يناير 2023 مع توديع شجرة (كاوتشوية) عمرت لأكثر من أربعين سنة، اتخذت من جدار نادي الطفولة الشعبية وزاوية بزنقة البحر مكانا لها، جلبها المدعو قيد حياته باهشوم آيت الشرق نبتة صغيرة من عند المرحوم بن عثمان من الزنقة 12 ورعاها وظل يراقبها من منزله من الزاوية الأخرى يطل عليها وينتبه لحالتها، ووضع بجانبها جرة ماء (خابية) لإرواء عطش العابرين، وتطوع أبناء الحي برعايتها رعاية مشتركة جماعية تضامنية ، بغرس أغراس مختلفة بجانبها تعويضا لسياج نادي الطفولة الذي كان يملأ الرصيف كله قبل ترصيصه وبناء جدار واقي للنادي.   

وتركت تحت رعاية كل الأجيال الذين عاشوا وتعاقبوا على الحي، أبناء الطفولة الشعبية يجدون في ظلها مكانا لانتظار لم الشمل قبل الانطلاق الى أي فضاء للعب سواء شاطئ البحر للصيد أولعب الكرة أو للاستراحة..

مي فاطمة (حارسة النادي) رحمها الله ورحم الله زوجها الحارس الاصلي تحضر المسمن في غرفتها وتعرضه تحت ظلال الشجرة للبيع..

الشجرة شاهدة على تسليم وتسلم رسائل شفوية أو كتابية غرامية وغيرها بين يافعين وشباب الحي بغفلة من أوليائهم..

الشجرة كبرت وأدخلت بين أغصانها عمود كهرباء أول ثم ثان، كانا يضيئان الطريق فأصبحا قنديلين ينبهان المارة والجالسون تحتها ليلا انهم عند منعطف وعليهم مهما حلت الجلسة الانصراف..

بعض أبناء الحي قام تحت ضلالها بركن طاولة للأكلات السريعة والخفيفة، وبعضهم استغل المكان لبيع خضراوات..

صارت لدى العديد من الذين ولدوا وهي قائمة رمزا ومؤشرا..

واليوم وعند بدء عملية ازاحتها لتسهيل اكتمال اشغال البناء التي ستحول نادي الطفولة الى مركزا سوسيوتربوي الأول من نوعه وحجمه، حيث سيضم أكبر مركز استقبال شبابي في الرباط، سيستعمل كمركز لتكوين الأطر التربوية ومخيما للأطفال.. وروضا أطفال وخزانة ومركز تواصل متعدد التخصصات الإلكترونية والإعلامية وناديا للتنشيط التربوي للأطفال والشباب في أوقات فراغهم ومركزا للدعم التربوي مساهمة من الحركة في محاربة الهدر المدرسي..؛ بدأت أفواج الذين استمتعوا بها وهم قاصدون مآربهم الى التسوق أو الحمام أو الجوطية، نساء ورجالا، شيبا وشبابا ..يتوقفون ويتذكرون ويترحمون، وأجمعوا كلهم على أن التغيير الحالي سيشهد تطورا في الحي الذي استفاد معظم أبنائه إن لم نقل كلهم من مختلف الأجيال، من فضاء الطفولة حتى عندما كان فقط فضاء بدون بنيات ومنشئات ولكنه فضاء آمن يودع به الأولياء أبنائهم بثقة لأنهم سيقضون وقتا في رعاية تربوية وآمنة يومي الجمعة والأحد ثم يوم الأربعاء بعد حصص الدراسة ثم طيلة الأسبوع بعد حصص الدراسة سواء النظام الكندي لنصف يوم أو نظام الافواج بساعات متحركة من السابعة والنصف الى السادسة عشية حيث كان الوقت الحر ( الفارغ) مضاعف لأبناء الحي فغالبية الآباء والامهات في شغلهم طيلة اليوم،

وتوقف معظمهم يحسب عمر الشجرة وكم كان عمره بالنسبة لكبار السن عندما بدئ في رعايتها، ويتذكرون من كان يقوم بذلك، ويسترجعون ذكريات وذكريات أطفال وشباب عاشوا معها وتظللوا بظلها وتوقفوا تحت أوراقها ريثما تمر سحابة ممطرة، فأوراقها الكبيرة وتداخلها تسمح بتحاشي البلل المؤكد.. وكلهم يعترفون بسنهم الحالي ويحسبون متى غادروا ومتى صار فلان الى رحمة الله ومتى تزوج علان أو متى ازداد فلان ليحسبوا سن الشجرة وكم قضوا أمامها جلوسا ومرورا ومعرفة بها..

ومنذ بدء صوت المنشار الكهربائي لعامل البلدية حمدون وزملائه، هرب وحام حول الشجرة سرب من ثلاث أزواج يمام مسبح / كروان (نوع من الحمام) وقام بدورات متعددة فغالبا ما كان يتخذ من الشجرة عشا له، وأخذ زوج منهم يتنقل على اسطح المنازل القريبة ويعود الى أن يحط على أقرب خط هاتف يمر قرب الشجرة ثم يطير مرة أخرى الى سطح البناية الجديدة للطفولة، بل وينزل على بعض اغصان الشجرة قبل قطعها ويستمر هكذا الى أن سقطت كل الاغصان( وقد بحثنا ولم نجد صغارا لهم ولا عشا) ولكن هناك في نخلة قريبة صغار داخل عشهم، وزارهم آباؤهم مرات ومرات مع استمرار عملية القطع...

كانت لحظات جميلة ومؤثرة مع عمال بلدية المنصور وهم يقومون بعملهم بنشاط وحيوية ويمر السكان ويتمنون لهم الصحة والعافية ويدعون للحركة بطول العمر والسؤدد والنجاح...

تحية لكل أبناء الحركة أينما كانوا، سيبقى نادي المنصور شاهدا على حركة للعمل التربوي التطوعي الجاد تتطور باستمرار وسط بيئتها الطبيعية وحيها التأسيسي العظيم.

شجرة المطاط مأخوذ من الانترنيت