الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: البرلمان الأوروبي وهواية الابتزاز بلعب الأوراق المحروقة

يونس التايب: البرلمان الأوروبي وهواية الابتزاز بلعب الأوراق المحروقة يونس التايب
كان حريا بأعضاء البرلمان الأوروبي أن يهتموا بواقع الشعوب التي يمثلونها، عوض لعب أدوار غير تلك التي لأجلها أحدثت تلك المؤسسة التي ينتمون إليها.
على سبيل المثال، كان ممكنا للبرلمان الأوروبي أن يركز على إخراج تدابير سياسية واقتصادية لتخفيف آثار أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار على الوضع المعيشي للمواطنين الأوروبيين الذين تدهورت قدرتهم الشرائية، وتقديم اقتراحات لمفوضية الاتحاد الأوروبي لانقاد ميزانيات الدول الأوروبية التي تعاني من عجز في الميزانية العمومية بلغ مستويات غير مسبوقة بأثر اجتماعي خطير على الخدمات وأنظمة الحماية الاجتماعية وصناديق التقاعد.
كما كان ممكنا أن يشتغل النواب على مبادرة ديبلوماسية لإقناع الأطراف المعنية بوقف الحرب في أوكرانيا، خدمة للسلام وتجنيب القارة العجوز مصائب اتساع العنف واحتمال حدوث اصطدام نووي بين روسيا والحلف الأطلسي، سيكون كارثيا بكل المقاييس. وكان ممكنا، أيضا، أن يهتم البرلمانيون الأوروبيون بإشكالية صعود الفكر العنصري اليميني المتطرف، وتطبيع عدد من المجتمعات الأوروبية ووسائل الإعلام، الرسمي والخاص، مع الفكر الفاشيستي الذي أدخل أوروبا في الحرب العالمية الثانية في الثلاثينيات من القرن العشرين.
لكن، عوض الاجتهاد في تلك الاتجاهات التي تحظى بأولوية لدى شعوب أوروبا، ارتأى السادة النواب أن يجعلوا من المغرب قضيتهم الأولى، ونصبوا أنفسهم ملائكة تحمي حرية التعبير وتسهر على احترام حرية الصحفيين وحقوق الإنسان في بلادنا. طبعا، يحق لنا أن نتساءل لماذا التركيز على المغرب بالضبط ؟ ولماذا استهدافه الآن؟ ومن تحرك وراء الستار لإثارة الملف؟ وبأية خلفيات يجري ما نراه وما نسمعه؟
ولنفترض جدلا، وجدلا فقط، أن هنالك مواضيع يمكن للنواب الأوروبيين النبش فيها وانتقاد المغرب بسببها، هل تستحق بلادنا أن تكون أولوية مقارنة مع ما هو عليه الوضع في دول أخرى؟ هل يجوز اعتبار وضع حرية الإعلام ووضع حقوق الإنسان في المغرب، أسوأ من وضعية الإعلام والحرية وحقوق الإنسان في عدد من دول العالم، في أوروبا وإفريقيا وآسيا؟ وهل الوضع في البلد الجار الشرقي أفضل؟ أم هو الغاز الثمين جدا، الذي يعتبره النواب الأوروبيون أهم بكثير من حقوق إنسان جزائري مسكين؟
ثم ما هي العلاقة بين التحريض ضد المغرب من بوابة البرلمان الأوروبي، بما تعرفه قضية الصحراء من تطورات إيجابية ترسم السير نحو اعتماد مقترح الحكم الذاتي ضمن سيادة المغرب على صحرائه؟ وما علاقة تحريض البرلمان الأوروبي، بموقف فرنسا التي تصر على استغلال بلادنا ووضع كامل اقتصادنا تحت سطوة شركاتها المقبلة على الإفلاس؟
وكيف نفهم فضيحة انخراط ديبلوماسية التحريض والعداء التي يقودها النظام العسكري والسياسي الفاسد في البلد إياه، في الكواليس الأوروبية لتأجيج موقف بعض النواب البرلمانيين والإعلاميين ضد بلادنا؟ على من يضحك هؤلاء ... على أنفسهم أم على من انتخبوهم من مواطني الدول الأوروبية؟
صراحة، ما يحدث هذه الأيام هي حروب جديدة ضد المغرب، لا تفاجئني شخصيا. فقد كتبت عن ذلك قبل مدة، وكتبت مؤخرا عن وجود مؤشرات تدل على أننا سندخل مرحلة الضرب تحت الحزام، وعلينا أن نستعد ونتجند لها، ونقوي الجبهة الداخلية ونرفع منسوب الثقة المجتمعية، ونستعد نفسيا لما سيشن ضد مصالحنا الوطنية بأساليب غير مسبوقة وعلى عدة واجهات. وقلت، أيضا، أن الغرض من تلك الحروب الشرسة هو إسكات صوت المغرب ومنعه من بناء مشروعه التنموي الوطني، ودفعه للتفريط في مواقفه السيادية وعدم الاستمرار في بناء علاقات استراتيجية قوية مع دول ومحاور لا تريدها ديبلوماسية الإيليزي التي تبدو عاجزة عن تدبير مشاكل الداخل الفرنسي، في ظل المنطق الرئاسي "الشاب"، وفي ظل وضع متوتر تسير فيه البلاد نحو مرحلة عصيبة من التوتر الاجتماعي والتردي على مستويات مختلفة.
للأسف، قرار النواب الأوروبيين يؤكد أنهم لا يقدرون بالشكل المطلوب كون المملكة المغربية هي الشريك الأكثر فعالية ومصداقية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، وأن المغرب دولة تحترم التزاماتها الدولية وتنخرط بفعالية في كل المبادرات الدولية من أجل السلام والتعاون الاقتصادي وحماية البيئة، والأمن العالمي، ومحاربة الإرهاب والتطرف وشبكات الاتجار في البشر والهجرة السرية.
ورغم كل شيء، لن ينجح قرار البرلمان الأوروبي في وقف التزام المملكة المغربية بنهج بناء علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي و مع جميع دوله بشرط أن تتعاطى مع بلادنا باحترام لسيادتنا الوطنية و لمصالحنا المشروعة، ولا تتخذ مواقف سلبية في قضية الصحراء المغربية.
بالموازاة، سنظل ننبه أصحاب النفوس المريضة بأن التصريحات الملغومة والمستفزة، واستثمار أوراق "حقوقية" محروقة للضغط على بلادنا من جهات خارجية، لا تحركها أية قيم أو مبادئ، بل هي فقط حروب مصالح اقتصادية وتجارية علينا أن نتعاطى معها بما تستحقه من مقاربات لحماية أمننا القومي، وتحصين اقتصادنا الوطني عبر الوقوف إلى جانب مقاولاتنا الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، و التركيز على الأولوية الوطنية في كل شيء، و التعبير بقوة على أننا لن نخضع للابتزاز من أية جهة، سواء من البرلمان الأوروبي أو مجلس أوروبا أو الاتحاد الأوروبي، حيث يبدو أن بعض الأطراف تحن لماضيها الاستعماري كمخرج محتمل من ضغط التجاذب بين القوى الكبرى، الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا و الصين، الذي يبشر بصدام خطير قد يعصف بقارة أصبحت تضيق عليها الأرض بما رحبت.
المغرب، قيادة وشعبا، لا يخاف أيا كان، لأننا دولة لها تاريخ من الملاحم المجيدة، ولان للأمة المغربية كثيرا من "الأوراق" التي تستدعي من الآخرين أن يخشونا بسببها ويتجنبوا مكرنا بهم، لا الاعتقاد أن قرار نواب اوروبيين، لا يمثلون شعبنا ولا دخل لهم بقضايانا، بإمكانه أن يبلبلنا أو يمر دون أن نتحرك لصده.
هي كلمة واحدة يبدو أن علينا جميعا، رسميين كنا أو غير رسميين، أن نقولها للأطراف الأوروبية بكل صرامة: إما احترام وحدتنا الترابية وكامل سيادتنا الوطنية، والتعامل بالتقدير الواجب مع دولتنا ومؤسساتنا، وحينها يمكن أن نمضي سويا لبناء علاقات شراكة سياسية استراتيجية تخدم التنمية والتقدم والسلام؛ وإما "عطيونا التيساع" بشكل كلي وعلني وتحملوا مسؤوليتكم أمام التاريخ وأمام شعوبكم، فنحن قادرون على حماية سفينة هذا الوطن المجيد بكل الوسائل الممكنة، ومهما كانت أمواج البحور عالية وعاتية.