الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

لقمان: فضيحة وهبي اختبار لقدرة رئاسة النيابة العامة ومدى استقلاليتها وتجردها

لقمان: فضيحة وهبي اختبار لقدرة رئاسة النيابة العامة ومدى استقلاليتها وتجردها عبد اللطيف وهبي وأمين لقمان(يسارا)

اعتبر مراقبون أن بلاغ الأغلبية الحكومية الذي جاء على إثر فورة الشعب المغربي ضد فضيحة الوزير وهبي، (اعتبروا البلاغ) شيكا على بياض، خصوصا حين أكدت الأغلبية على أن التضامن الحكومي هو "مسألة راسخة ولن يزعزعه أعداء النجاح".

في هذا الإطار وجهت جريدة "أنفاس بريس" أسئلتها لفعاليات سياسية وجمعوية ومدنية، تمحورت حول معنى انحياز الأغلبية الحكومية ورئيسها إلى جانب الوزير وهبي بخصوص فضيحة امتحان المحاماة، ومن هم أعداء النجاح الذين يقصدهم البلاغ؟ ولماذا تحدى بلاغ الأغلبية الحكومية تسونامي الأصوات المطالبة بمحاسبته على الفضيحة التي تحولت مادة دسمة على منابر الإعلام الدولي؟ إليكم جواب السياسي والباحث في مجال العدالة الجنائية وحقوق الإنسان أمين لقمان.

"تابع المغاربة، ومعهم كل العالم، فضيحة وزير العدل عبد اللطيف وهبي ولم تعد تداعياتها مقصورة على الداخل ووسائل التواصل الاجتماعي، بل صارت مادة دسمة لكبريات القنوات العالمية بين مندد ومستغرب ومتندر. لقد تعددت إساءات الوزير المذكور، وكان أولها والذي يحمل أبعاد جنائية تستحق المتابعة والمساءلة، وفتح تحقيق جنائي يرتب الجزاء وإنفاذ القانون. وهو التلاعب بنتائج امتحان الولوج إلى سلك المحاماة.

 

فقد ظهرت وثائق وفيديوهات عن تبديل أسماء بأخرى. ونجاح أفراد كثر من نفس العائلة، وكان هناك حديث في وسائل الإعلام عن وسطاء تلقوا عمولات ورشاوي من أجل التدخل لصالح هذا أو ذاك، وأيضا خرجت أصوات تتهم بتسريب أسئلة المباراة قبل موعد الامتحان، وظهور أسماء لأبناء سياسيين كبار من فرق الأغلبية وسلك القضاء والنقباء وغيرهم، ناهيك عن إلصاق كل ذلك بـ "رُوبُو" نظام التصحيح.

 

إن كل هاته القرائن والاتهامات والمؤشرات التي تملأ السوشل ميديا، تستوجب فتح تحقيق جنائي من طرف النيابة العامة حول شبهة التزوير والتلاعب بنتائج مباراة وطنية والتدليس والمس بالأمن العام وزعزعة ثقة المواطن في مؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية. إنها اختبار حقيقي لسلطة القضاء ولرئاسة النيابة العامة ومدى استقلاليتها وقدرتها على مساءلة وزير العدل، والإجابة عن عشرات الشكايات التي قدمت في هذا الصدد ضد واحد من أهم أضلاع السلطة التنفيذية.

 

إن ثاني استفزاز قام به الوزير المذكور هو تصريحه لوسائل الإعلام بأنه ميسور "لَبَاسْ عْلِيهْ"، وأنه بذلك يدرس أبناءه في كندا، وهذا تحقير للمدرسة العمومية ولسلاسل التعليم العالي الخاص والعام بالمغرب، ونحن نعلم أن قطاعات مسؤولة تشتغل على قدم وساق من أجل الرفع من جودة التعليم العالي بالمغرب، وتعزيز قدرته التنافسية وتحسين ترتيبه العالمي ولا حاجة هنا للتذكير بالجيل الجديد للجامعات بالمغرب، وتصنيف ابن جرير مثلا من طرف اليونسكو بأنها ضمن شبكة مدن التعلم عبر العالم، وكل المجهودات والموارد التي بذلت من أجل ذلك من طرف مؤسسات وساسة كبار في الدولة، واحتضانها جامعة محمد السادس الدولية للبوليتكنيك. ولربما غاب عن أمين عام الأصالة والمعاصرة أن ولي العهد مولاي الحسن يتابع دراساته العليا بها وبالضبط بهذه المدينة التي خرج منها حزبه.

 

لقد أساء وزير العدل أيضا للفئات الفقيرة ولغالبية الشعب المغربي حين ذكر الجميع بأن من له السلطة والمال هو القادر على التعليم الجيد في الخارج والسفر والتداوي في مستشفيات الخارج، وأن الداخل لا يصلح إلا لتقلد المناصب وجمع الثروة.

إنه تصريحه ذاك بمثابة اعتراف بفشل الحكومة في سياساتها العمومية، وإنه أيضا تأكيد على استمرار توارث المال والسلطة بين طبقة المترفين والمحظوظين في المغرب. وفي هذه الإساءة أعتقد أن ترتيب الجزاء سيكون سياسيا وعقابيا من طرف الناخبين ضد هذا الحزب الذي يرأس وهبي أمانته العامة. فهناك تسريبات حول عدم قدرته لحشد الدعم لزلاته المتكررة ورفض القيادة السياسية لإصدار بيان يدعمه بعد أن تخلى عنه أيضا شركائه في الحكومة.

 

إن بلاغ يوم الثلاثاء لفرق الأغلبية الحكومية (الاستقلال والبام والاحرار)، هو نتيجة لهذا التصدع الذي أساء لسمعة الوطن في الداخل والخارج وهو محاولة من وزير العدل لتدارك عزله وموته السياسي المحتوم. فمبدأ التضامن الحكومي الذي شكله الميثاق التأسيسي والأخلاقي المزعوم للأغلبية الحكومية لا ينبغي أن يقرأ في إطار أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. ولذلك فبلاغ تلك الفرق لا أخلاقي لأنه يناصر أفعال وشبهات تتعلق بالتزوير والإساءة في وزارة مفروض فيها أن تكون حريصة على احترام القانون وإنفاذه وتنزيل مضامين ربط المسؤولية بالمحاسبة.

 

لقد استنكر الرأي العام الوطني هاته الأفعال. وهناك مسيرات وشكايات ودلائلا وقرائن وأركان جريمة مادية ومعنوية وإصرار وقصد جنائي، وعلى النيابة العامة أن تقوم بواجبها في التقويم وترتيب الجزاءات وإرجاع الحقوق المسلوبة لأصحابها من الطلبة الممتحنين. وفي ذلك إعلاء لصوت الحق ودولة الحق والقانون وعدم الإفلات من العقاب. وإذا لم يتحقق ذلك فإن أسئلة وشكوك كثيرة ستعود بنا إلى ما نحن سائرون فيه أمة ووطنا ومؤسسات...!"