الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

المغرب كان سباقا لصناعة الأسلحة النارية منذ فترة الدولة المرينية (3)

المغرب كان سباقا لصناعة الأسلحة النارية منذ فترة الدولة المرينية (3) من ذاكرة متحف الأسلحة لمدينة فاس

متى بدأ المغاربة يستعملون آليات القصف بكرات ملتهبة بالنار؟ سؤال أجابت عليه عدة وثائق ومراجع ومصادر تاريخية، ضَمَّنَهَا بحث قيم نشر سابقا بـ "مجلة دعوة الحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (العدد 130)"، حيث أكد (البحث) على أن ملوك الدولة المرينية قد استخدموا آلات قاصفة، تقذف الكرات الملتهبة، وترمي الحصون والأسوار. ومن بين ملوك الدولة المرينية نذكر كل من يعقوب بن عبد الحق المريني، وأبي الحسن علي بن أبي سعيد المريني، ثم أبي عنان بن أبي الحسن المريني.

 

وقد اعتمد البحث التاريخي في موضوع (صناعة الأسلحة النارية في المغرب) على حجج تاريخية دامغة حيث يتبين من خلال ذلك أن المغرب كان سباقا لاستعمال واستخدام الأسلحة النارية وإطلاق تسميتها بمقذوفاتها بالبارود، اعتمادا على المؤرخين من بينهم ابن خلدون والناصري وزيدان.

 

في الحلقة الثالثة من سلسلة حلقات جريدة "أنفاس بريس" سنتعرف على أهم منجزات صناعة الأسلحة النارية (المدافع) منذ حكم فترة الدولة العلوية، وكيف طور السلاطين هذه الصناعة الحربية، وأنشأوا لها مصانع، مع ذكر أسماء حفرت بمنجزها الصناعي ذاكرة الحضارة المغربية حسب نفس البحث القيم.

 

الفن والأدب المغربي وثق تاريخ صناعة المدافع

 

قبل الحديث عن فترة العلويين نذكّر بأن البحث التاريخي القيم قد ذَكَّرَ ببعض المدافع السعدية التي لاتزال على قيد الوجود، حيث كانت موضوعة بحديقة عمالة مدينة طنجة، ومنها "مدفع لمحمد الشيخ الأول، كتب في أعلاه بالخط المغربي: (صنع لمولاي محمد الشريف نصره الله نصرا عزيزا ـ عام اثنين وخمسين وتسعمائة ـ) ومدفع آخر للسلطان زيدان، كتب عليه بالخط الشرقي الثلثي: (أمر بعمله عبد الله أمير المؤمنين مولانا زيدان المظفر بالله، ابن أمير المؤمنين مولانا أحمد، بن أمير المؤمنين مولانا محمد الشيخ أيده الله. ويتوسط هذه الكتابة شكل مستطيل يشتمل على علامة زيدان) .

 

ولم يغفل البحث أن يستحضر الأدب المغربي الذي ساهم بنصيب في تجميل بعض المدافع السعدية، فقد جاء في ترجمة محمد بن علي الوجدي الغماد الفاسي، ذكر أربع نتف شعرية من نظمه، حيث كتب على مدافع صنعت برسم المأمون السعدي أيام ولايته للعهد بفاس .

السلطان محمد الثالث ونشاط صناعة الأسلحة النارية

 

لقد استمر نشاط صناعة الأسلحة النارية في العصر العلوي حيث وقف البحث على عمل السلطان محمد الثالث لـ "إحياء صناعة الأسلحة النارية والرماية المدفعية، واستقدم، لهذه الغاية (بعثة من الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية، وقد وفدت هذه البعثة عام 1181 هـ / 1767 – 1768 م)، وكانت تتركب من ثلاثين خبيرا توزعوا حسب اختصاصاتهم إلى أربع شعب وفق ما جاء في البحث:وهي (تخصص صناع السفن الحربية، وصناع القنابل المحرقة، ثم تخصص صناعة المدافع ومدافع الهاون، بالإضافة إلى اختصاصيين في الرماية بمدافع الهاون)

 

وأفاد البحث بأن السلطان المغربي (محمد الثالث) قد بعث بمعلمي صناعة المراكب الجهادية إلى العدوتين، "فدخلوا دار الصنعة بالرباط، وصاروا يشتغلون إلى جانب المعلمين المغاربة"، في هذا السياق لاحظ مؤرخ معاصر "أن الأتراك كانوا أحكم صنعة، بينما تفوق المغاربة في اتفاق تفصيل المراكب".

 

أما على مستوى صناع المدافع ومدافع الهاون فقد أرسل السلطان (المختصين) إلى فاس فأقاموا بها إلى أن أدركتهم الوفاة هناك، ولم يذكر الزياني، ما إذا كانوا قد اشتغلوا بصناعة هذه الآلات، غير أن مصدرا أجنبيا، يؤكد أن السلطان محمد الثالث أسس مصانع لتذويب نحاس المدافع وجلب لذلك خبراء من الأستانة".

 

وأكد البحث أن السلطان محمد الثالث أسس مصنعا بمدينة تطوان من أجل "إنتاج القنابل الثقيلة تحت إشراف المتخصصين الأتراك، الذي تعلم منهم هذه الصناعة بعض التطوانيين، وقد يكون من إنتاج هذا العمل القنابل الضخمة التي استخدمت في حصار (الَبْرَيْجَةْ) مدينة الجديدة، لتحريرها من الاستعمار البرتغالي"، حيث وصف البعض تلك القنابل بأنها كانت "على شكل قدور تزن الواحدة منها ما يزيد على القنطار".

 

تخصص في صناعة الأسلحة النارية والرماية بالمدافع

 

جاء في البحث فقرة تؤكد على ما يلي: (وإذا كنا لا نعرف أسماء الاختصاصيين الأتراك في الشعب الثلاثة الأولى، فإننا نستطيع أن نعرف اسم كل من الاثنين المختصين في الرماية بمدافع الهاون، ويسمى أولهما بـ "إسماعيل الدريزي"، أما الثاني: فيعرف باسم "بابا سليمان الدريزي"، إضافة إلى اسم الحاج سليمان البنباجي على طريقة النسبة التركية إلى صناعة "البنب"، أي ما يعرف بـ "القنابل المحرقة"، وقد اشتهر هذا الأخير بالمغرب، وكان عارفا برماية المدافع ومدافع الهاون).

 

في هذا السياق قال الضعيف عن الحاج سليمان البنباجي: "هو الذي علم أولاد الرباط وسلا وغيرهم". وحسب نفس البحث فإن هذا الشخص هو الذي يقول عنه الزياني، بعد ذكر مدينة رباط الفتح: "فكان يعلم بها الطبجية من أهل سلا والرباط وتخرج على يديه نجباء، ومن ثم توارث أهل العدوتين هذه الصناعة مدة"، حيث يقول عنه الزياني أيضا: "أنه أبلى بلاء حسنا في فتح مدينة الجديدة".

 

ومن أشهر رماة المدفعية في تلك الفترة وبعدها في مدينة الرباط ذكر البحث اسم المعلم العناية البعودي، الذي كان عارفا بضرب المهراس، وهو الذي ضيق على الإسبان في حصار سبتة أيام السلطان اليزيد، فقتلوه ومثلوا به في موقعة كانت يوم الخميس 24 حجة عام 1205 هـ - (38) 1791 م.

 

ومن مدينة سلا اشتهر اسم الحاج عبد الله يعقوب المتوفى نحو عام 1200 هـ، الذي قال عنه ابن زيدان أثناء ترجمة محمد الثالث: "كان السلطان المترجم كلفه بسائر ثغور إيالته من مرسى مليلية إلى أطراف السوس، وأسند إليه سائر ما يرجع لأبراج الثغور ومدافعها ومهاريسها ومتعلقاتها من (بارود وبنب وكور وتنظيم رجال، وإصلاح أحوال..) حسبما أفصحت عن ذلك ظهائره المولوية...". بالإضافة إلى اسم محمد بن محمد بن حسين فنيش المتوفى بفاس عام 1236 هـ / 1820 ـ 1821م. ثم اسم محمد بن عبد الله ملاح .

 

ومن تطوان ذكر البحث اسم أحمد عنيقد، المتوفى الذي وافته المنية بفاس ـ عام 1236 هـ / 1820 ـ 1821 م، والذي كان  ـ حسب أكنسوس ـ لا نظير له، وعبارة الإستقصا: "وكان عجبا في صناعة الرمي بالمهراس". ومن فاس ذكر اسم  سعيد العلج العارف بالرمي.

 

ومن مظاهر النشاط الصناعي لإنتاج بعض الأسلحة النارية في هذا العهد، أن المغرب استطاع أن يصدر إلى الخارج أربعة آلاف قنطار من ملح البارود المصنوعة بالمغرب، في شكل مساعدة للدولة العثمانية ـ حسب البحث ـ.

 

في نفس الفترة التاريخية انعكس أثر نشاط صناعة الأسلحة النارية على ميدان الكتابة والتأليف، حيث أورد البحث بأنه "ظهرت دراسات منثورة ومنظومة في صدد الرماية المدفعية وما إليها، قدم البحث خمسة منها لا تزال كلها مخطوطة وهي:

 

الدراسة الأولى: (النشر اللائق نمو أراد الجهاد بالصواعق) لمؤلف مجهول الاسم كان يعيش أيام السلطان محمد الثالث، وضعه باقتراح من بعض أصدقائه، وسجل في افتتاحيته ولوع هذا السلطان باستخدام القنابل المحرقة في المعارك الجهادية، وهو يصنفه في عشرة أبواب وخاتمة حسب المواضيع التالية:

1 ـ صفة تحضير ملح البارود

2 ـ طبيعة الأجزاء التي يتركب منها الفتيل، وهو الذي كانت القنابل توقد به في هذا العهد.

3 ـ طريقة صنع الفتيل

4 ـ طريقة معرفة سعة فم المدفع

5 ـ مقدار ما يوضع من البارود في نوع من المدافع

6 ـ كيفية وضع القنبلة في المدافع

7 ـ صفة جعل الفتيلة في القنبلة

8 ـ معرفة البعد الواقع بين المدافع والهدف المعين

9 ـ قواعد حسابية وهندسية موضوعية في البابين التاسع والعاشر

10 ـ خاتمة في توصيات للرماة

 

الدراسة الثانية: جاءت منظومة في أرجوزة يشبه أن تكون ترجيزا للرسالة قبلها، وتسمى: "روض الجهاد الفائق، لمن أراد الغزو بالصواعق" نظم محمد بن أحمد الريفي التمسماني العرائشي الدار، (142 بيتا)، وفرغ من نظمها في ربيع النبوي عام 1195 هـ.

 

الدراسة الثالثة: عبارة عن رسالة تحمل اسم "نزهة الناظرين، وتعليما للمجاهدين، وإعانة على جهاد أعداء الله الكافرين" لمؤلف غير معروف، جمعها عن الحاج سليمان التركي سابق الذكر، وكان يعيش أيام السلطان محمد الثالث، وقد تناول فيها صنع البارود وكيفية جعله في المدافع ومدافع الهاون. وقدر ما جعل لكل واحد وطريقة قذف القنابل منها.

 

الدراسة الرابعة: وهي عبارة عن أرجوزة في صواعق البنيات، وهي القنابل المحرقة، لناظم كان يعيش أيام السلطان، (تقع في 143 بيتا)، وجاءت نسبتها لأحمد التمسماني آنف .

 

الدراسة الخامس: وهي خاتمة رسالة في العمل بالكرة الفلكية لمؤلف زار المغرب أيام السلطان محمد الثالث، ويسمى نفسه محمد بن عبد القادر، وقد ذيّل هذه الرسالة بخاتمة في شرح طريقة الرماية بالمدافع، وهي مخطوطة عند البعض بمدينة وزان.

 

انتهى