أظن أن الظرفية العالمية جد مناسبة للحكومة لأنها وجدت الشماعة التي تُعلق عليها فشلها في تنزيل، من جهة، البرنامج التنموي ل 2036، ومن جهة أخرى برنامجها الحكومي وبذلك الوفاء بوعودها الانتخابية. لقد أنقذتها الحرب الروسية-الأوكرانية وقبلها أزمة كوفيد 19. وأعتقد أن المثل الذي يقول: “تعاسة الغير فيها سعادة الآخر”، ينطبق على الحكومة المغربية الحالية، حيث “تعاسة المواطن”ة” المغربي”ة” في سعادة ورفاه الحكومة”. ولما لا وهي في أحسن أحوالها الاقتصادية والمالية بينما الشعب يكتوي بنار الأسعار.
حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط – المغرب، نسبة التضخم ارتفعت بشكل مهول، تجاوزت 8٪ ليصل إلى نمو برقمين حسب المواد الاستهلاكية والإنتاجية. ومما يعمق المشكل هو التفاوت في ارتفاع أسعار المواد بين الجهات. لنتساءل من جديد عن إشكالية العدالة الاجتماعية والمجالية في المغرب خاصة بعدما أكدت الحكومة عن عزمها في تحقيق “الدولة الاجتماعية”. ماذا تنتظر الحكومة حتى الآن لإبداع مخطط تنموي قصير ومتوسط المدى يستجيب للتقلبات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية، ألا يكفي ما آلت إليه الأوضاع من تأزم وانخفاض في القدرة الشرائية للمواطن”ة”؟ ألا يقتضي منها العمل على تخفيف عبء ارتفاع الأسعار خاصة المواد الأساسية؛ ولا أقصد هنا الشاي والسكر والزيت والحليب؛ لكن كل المواد الأساسية الأخرى، الغذائية وغير الغذائية؟ ألا تعلم بأن الوضعية العالمية ليست لا ظرفية ولا استثنائية، بيد أنها بداية مرحلة انتقال إلى نظام دولي جديد لا أحد يعلم على ماذا سيستقر؛ الأكيد فيه أن العولمة وسلاسل الإنتاج ستتغير؟!
لا يشكل المغرب استثناء لما هي عليه الأوضاع من تأزم على جميع الصُّعد. تعيش جميع الدول أوضاع صعبة (مع بعض التباينات في التأثير)، مما جعلها تلتفت إلى شعبها وتسارع في التخفيف عنه بعض من معاناته اليومية للحفاظ على وضعيته الاجتماعية والاقتصادية. لقد حاولت العديد من البلدان أن تكون حكوماتها مواطنة حتى تلك الذي لم ترفع شعار الدولة الاجتماعية، منها من خفض الضرائب، ومنها من سقف سعر البنزين، ومنها من قدم مساعدات مالية للأسر، الخ. أما حكومة المال والأعمال بالمغرب فإنها فضلت زيادة أرصدة الأغنياء وأصحاب الشركات الكبرى وتقليص حجم الطبقة الوسطى وتوسيع دائرة الفقر والتهميش. لم تستطع أن تبسط ذراعيها للجميع، وتجد أن لكل مواطن”ة” له ولها الحق في الحماية من غلاء المعيشة وضمان الأمن من الغد المجهول خاصة في وزمن التحول الكبير لموازين القُوَى في العالم، وشد الحبل بين الأطراف الكبرى، بين أمريكا وحلفائها من جهة، والصين وروسيا وحلفاءهما من جهة أخرى.
قد يقول البعض إنه لا يمكن فعل أي شيء خصوصا في ظروف الجفاف وارتفاع أثمان المواد الأساسية العالمية وتعثر سلاسل التوريد العالمية (إلخ)، هل فعلا لا توجد حلول لما نعيشه اليوم من وضع كارثي على جميع المستويات؟ هل فعلا أن الحكومة لا تملك من حل سوى انتظار نهاية الأزمة؟ هل فعلا أن الحكومة لها إرادة تنفيذ المخططات، لكن الأزمة الحالية هي من تخنق زمنها السياسي؟ …
لا أظن ذلك. هناك فعلا أزمة عالمية تؤلم الجميع، لكن هناك اختلاف في تدبير الأزمة بين الدول. يجب أن تكون هناك إرادة وعزيمة لاتخاذ قرارات جريئة لمواجهة تداعيات الأزمة وآثار الجفاف على المواطن”ة” المغربي”ة”. لسبب بسيط، أن القائد السياسي ”الحقيقي” هو من يضع مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبارات وحسابات شخصية. عليه أن يكون قدوة لشباب وشابات الأمة. كان يمكن أن يكون أول إجراء أو رسالة وطنية هي مراجعة أثمنة المحروقات لأن لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على العديد من أثمنة المواد الأخرى… كان يمكن ضخ أرباح المحروقات السابقة والحالية الغير المستحقة في خِزانة الدولة… كان من الممكن تخفيض سعر الضرائب (الضرائب المباشرة وغير المباشرة والضريبة على الدخل)… كان من الممكن الاستعانة بمداخيل الفوسفاط لتخفيف عبء زيادة المحروقات… كان من الممكن الرفع من جودة وتكلفة الخدمات الاجتماعية الأساسية (الصحة، التعليم، النقل) لما لها من تأثير مباشر على دخل المواطن”ة”... كان من الممكن مساعدة المقاولات الاجتماعية والمقاولات الصغرى والمتوسطة ومقاولات التشغيل الذاتي… كان من الممكن تحسين ظروف اشتغال المجتمع المدني لما له من تأثير على الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي… كان من الممكن محاسبة المفسدين/ات وإعادة أموال دافعي ودافعات الضرائب… كان من الممكن القيام بالعديد من الإجراءات المواطنة…
مواجهة التضخم لا يتطلب فقط دعم مادي ملموس للحفاظ على القدرة الشرائية، بيد أنه يستلزم إجراءات غير مادية (اجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وسياسية) للرفع من منسوب الثقة... الثقة هي أكبر محرك في الدورة الإنتاجية، إذا ما التجأ المستهلك”ة” ”أو المستثمر” إلى التقشف أو أصابه اليأس أو الفقر، فإن الاقتصاد سيدخل الانكماش لفترة طويلة؛ وهذا أصعب أزمة يمكن أن تواجه البلد: تضخم وانكماش اقتصادي. لا أظن أن الأمور غير واضحة للسيد رئيس الحكومة ولباقي العضوات المحترمات والأعضاء المحترمين. لأن البعض منهن ومنهم من يتوفر على خبرة كافية في مجال المال والاقتصاد، ثم أن لهن ولهم عدة مشروعات داخل المغرب وخارجه. ما ينقص حكومتنا الموقرة هو إرادة حقيقية لإيجاد حلول عملية تناسب واقع المغرب ورهاناته الحالية والمستقبلية.
بناء الأوطان يكون من الداخل وليس من الخارج، أما شماعة الأزمة أو الأزمات كيفما كان لونها هو ضحك على الأذقان. إما أنك قادر على القيادة، وإما أنك غير قادر؛ وهذا يتطلب وطنية وجرأة سياسية…
بناء الأوطان يكون من الداخل وليس من الخارج، أما شماعة الأزمة أو الأزمات كيفما كان لونها هو ضحك على الأذقان. إما أنك قادر على القيادة، وإما أنك غير قادر؛ وهذا يتطلب وطنية وجرأة سياسية…
عائشة العلوي، خبيرة اقتصادية