الخميس 2 مايو 2024
كتاب الرأي

 عبد السلام المساوي: اتساع الهوة بين المثقف والسياسي   

 عبد السلام المساوي: اتساع الهوة بين المثقف والسياسي     عبد السلام المساوي
نقد مثقفين معينين، ورفض مواقفهم من قضايا بعينها، شيء يختلف تماما عن نقد المثقفين بالجملة واتهامهم بالخيانة لقضايا المجتمع او الوطن.
الصنف الاول من النقد عادي، ويمكن فحصه للتعرف على دواعيه وعلاقته بحقائق الواقع سلبا او ايجابا. بينما يقوم الصنف الثاني عادة على الجهل او المواقف المغرضة التي لا تطيق التعايش مع مواقف تدرك انها عليمة بدواعي النقد والانتقاد المغرض والتي لا تخرج عن دوائر القمع المادي والمعنوي للمثقفين وردعهم عن اتخاذ اي موقف من اي قضية.
انها حرب وقائية يقوم بها بعض من نصبوا انفسهم أوصياء على النضال الاجتماعي والسياسي مع انهم في واقع ممارساتهم أعداء هذا النضال سواء أدركوا ذلك، على شاكلة من لديهم مواقف مسبقة من المثقفين او لم يدركوه، على شاكلة كل الامعات في كل زمان ومكان.
تتسع الهوة، يومًا بعد آخر، بين المثقفين والمجتمع. بل إنها تتعمق، أيضًا، بين المثقفين والسياسيين، ولا أحد يعرف، على ما يبدو، ما ستصل إليه  الأمور، خلال المستقبل القريب.
الشيء المؤكد هو أن السياسي لا يرى في المثقف إلا ما يراه المثخن بالجروح في من لا يتورع عن نكئها لأنه يحول دون اندمالها، وقد يساهم في تعفينها.
والمجتمع لا يرى في المثقف غير انعزاله، في برجه العاجي، وعزلته التي قد تتحول إلى تصوف سلبي منكفئ على الذات، أو عزلة متعالية  قد تتماثل مع الغرور والادعاء.
أما المثقف فهو ضائع بين أداء دور الوعظ والإرشاد، وبين الانغماس في معترك الحياة العامة للمجتمع.
قد يستريح للدور الأول، رغم كونه غير ذي فائدة تذكر، أمام اجتياح الوعاظ المشعوذين لمختلف ساحات المجتمع.
وقد لا يجرؤ على الدور الثاني، لإدراكه بأن أدوات اشتغاله أبعد من أن تكون متوافقة مع أدوات اشتغال ومرجعيات المجتمع الفعلي الذي يعيش فيه.
هذه الغربة المزدوجة هي بيئة انتعاش السياسة السياسوية، التي تنتهي إلى تدمير كل شيء، بما في ذلك السياسة بمعناها النبيل .
كل كتابة موقف. وكل إسهام في الحوار والنقاش والنقد موقف. غير ان الموقف ليس عين الحقيقة بالضرورة لا في الكتابة ولا في نقدها. إنما الحقيقة قد تكون نقطة تقاطع بين اكثر من موقف ورأي في ضوء معطيات واقع متحول باستمرار ومركب بالتعريف مما يجعله مستعصيا على الاختزال.
لذلك فإن البحث عن الحقيقة في تدوينة او مقال او حتى في كتاب هو رهان غير موفق بالتأكيد. لأن صواب الموقف في مجمله لا يستوعب حقيقة الواقع او حقائقه المتعددة بالأحرى. وهذا التعدد مصدر ثراء ولا ينبغي تحويله الى لا أدرية  ما او ما شابه باسم النسبية الملازمة لكل ما هو متعدد.  اذ النسبية هنا عامل محرك للابداع المعرفي في حين ان النزعة النسبية المتطرفة مناهضة للمعرفة والابداع والحقيقة. اعتماد هذه المنهجية في مقاربة المكتوب او المسموع او المرئي من التعبير عن الرأي او الموقف يفتح الباب واسعا للتفاعل الايجابي بين المنخرطين في هذه العمليات المعقدة بالمعنى التركيبي حيث الواقع حاضر بقوة وحيث الفكر حاضر بقوة وحيث العواطف والأهواء تعيش تشذيبا متواصلا باستمرار هذه الحركة الدائبة بين الواقع والفكر، في أفق بلورة واعادة بلورة حقائقهما المتحولة باستمرار.
   يضطر الإنسان أحيانا كثيرة إلى التأكيد أن حرية الاختيار تعني إمكانيات متعددة لتجسيدها في مختلف المجالات التي هو مدعو فيها إلى اتخاذ قرار أو التعبير عن موقف من قرار أو قرارات اتخذها الغير، ولا يمكن بالتالي، أن تكون محصورة في قرار وحيد عليه الامتثال له طوعا، وإلا سيجد نفسه مدفوعا بالقوة المادية أو المعنوية لإعلانه حتى ولو لم يكن هو خياره ولا مقتنعا بسداده.
إن حرية الاختيار في الوقت الذي لا تنفي فيه ضرورات ومتطلبات السياق الموضوعي والذاتي، لا يمكن أن تخضع، في كل شيء، لضغط هذا السياق، سواء تجلى في وقائع على الأرض تعمل على ترجيح كفة رأي أو موقف بعينه، أو تحت طائلة الزجر الغوغائي الذي يحاصره من كل الجهات.
عدم التمييز بين حرية الاختيار المفتوحة على أكثر من احتمال، وبين إلغاء أو محاولة إلغاء كل الاحتمالات الممكنة الأخرى ، يعني انتفاء الحرية وانعدام الاختيار. وليس من العدل حشر المرء في هذا الطريق المسدود في وجهه، وفِي وجه مفهومي الاختيار والحريّة معا. أي في حال اقتران أحدهما بالآخر وفِي حال النظر إليهما  دون رابطة ذاتية أو موضوعية بينهما كذلك. 
نجد دائما في صلب حرية الاختيار مسؤولية من يمارسها عن تبعاتها بينما من العسف الحديث عن مسؤولية ما، عند التصرف تحت وطأة الاكراه بمختلف تجلياته، بما فيها تلك التي يتم تقديمها كما لو كانت حكم التاريخ أو حتميته الصارمة.
هكذا يمكن القول باقتران حرية الاختيار بالمسؤولية والإبداع بينما ينتفي هذا الاقتران عند سيادة الاكراه لأنه يولد الخضوع والامتثال وهو ما يتنافى مع الحرية والاختيار ويتنافى بالتبعية مع المسؤولية والإبداع.