الخميس 28 مارس 2024
سياسة

رشيد لبكر: الوزير وهبي أهان واستخف بطلبة وخريجي الجامعة المغربية

رشيد لبكر: الوزير وهبي أهان واستخف بطلبة وخريجي الجامعة المغربية الوزير عبد اللطيف وهبي ورشيد لبكر(يسارا)

استضافت جريدة "أنفاس بريس" الأستاذ رشيد لبكر لإعطاء وجهة نظره في ملف تصريح الوزير والزعيم الحزبي لـ "صاحبة الجلالة" دون أن يراعي لخطورة ما نطق به أمام الرأي العام و أمام المؤسسات المسؤولة... فحين سأل أحد الصحفيين وزير العدل عبد اللطيف وهبي بقوله: "وَلْدَكْ نْجَحْ فِي الْامْتِحَانْ؟ أجاب قائلا: "وَلْدِي عَنْدُو زُوجْ دْيَالْ الإِجَازَاتْ مَنْ مُورْيَالْ. بَّاهْ لَبَاسْ عْلِيهْ وُخَلَّصْ عْلِيهْ وُقَرَّاهْ فِي الْخَارِجْ".

إليكم (ن) أجوبة رشيد لبكر.

 

+ كيف تقرأ مضمون جواب عبد اللطيف وهبي بصفته وزيرا للعدل وزعيم حزب سياسي؟

أعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى جهد أو تفكير. جواب السيد الوزير ينم طبعا عن نظرة استعلائية واحتقاريه لعموم المواطنين، وللتاريخ، فليست هذه هي المرة الأولى التي يفاجئنا فيها معاليه بمثل هذه التصريحات، إذ مازلنا نتذكر تعامله المتعجرف مع مواطن في تارودانت، عندما بادره بالقول "أَنَا وْزِيرْ الْعَدْلْ. عْلَى رَاسْ كُلْشِي. الدَّوْرْ دْيَالِي هُوَ الأَمْنْ. هُوَ الْمَحاَكِمْ. يَعْنِي الْمُؤَسَّسَاتْ كُلْهَا. تَا تَشْتَاغَلْ مْعَايْ، وَبِالتَّالِي تَنَعْرَفْ حْتَى لُونْ التْقَاشَرْ الِّلي تَتَلْبَسْ".

هل يمكن أن نتصور في زمن "الحداثة والمعاصرة وحقوق الإنسان" صدور تصريح مثل هذا من وزير محترم في مواجهة مواطن؟ من المفترض، نظريا، أنه شارك في الانتخابات، وساهم بصوته في وصول هذا الوزير إلى المنصب الذي هو فيه الآن، لتمثيل الشعب وليس لتمثيل نفسه، للدفاع عن مصالح أولاد الشعب عامة وليس عن مصالح فئة عدها بالتخصيص.

الطامة الكبرى، هي أن سي وهبي، زعيم لحزب سياسي يرفع شعار الأصالة والمعاصرة، فهل من الأصالة واللباقة والاحترام الذي عرف به المغاربة كابرا عن كابر، مخاطبة الناس بهذا التكبر، والاستعلاء، والاستهزاء؟

مالنا نحن وأبناؤك ولماذا حشرتهم أصلا في النقاش؟ لقد كان من الأجدر بسي وهبي، وهو الزعيم الحزبي الذي يرفع شعار الشفافية والتخليق، والوزير الحكومي المسؤول، إلى الإسراع بإغلاق هذا الملف منذ البداية، بالاستجابة الفورية لمطالب المحتجين والقيام بتحقيق نزيه، فإذا كانت النتاج عادية فهنيئا لكل الناجحين على حد السواء، بغض النظر عن الطبقة التي ينتمون إليها أو الأسر التي ينتسبون إليها، إذ كل المواطنين سواسية، لكن إذا تأكد بوجود خروقات معينة، فعليه أن يبادر إلى تصحيح الوضع، وفاء للقسم الذي أداه أمام صاحب الجلالة، بكل مسؤولية وتجرد، ومن ثبت في حقه شيء يحاسب وفقا للقانون.

اعتقد بهذا الشكل تبنى مؤسسات الدولة وتتقوى وتتوطد ثقة المواطن بها. من واجبات الوزير التقيد بواجب التحفظ وانتقاء الكلمات لأنه لا يمثل نفسه بل يتكلم باسم الدولة التي يمثلها، فمن السهل أن تكون للتصريحات المتحررة من أي ضابط آثارا عكسية تماما على الأمن والسلم الاجتماعيين، وكما هو معلوم، فبلادنا تمر بفترة صعبة، مطبوعة بغلاء الأسعار نتيجة توالي فترات الجفاف وارتفاع الفاتورة الطاقية وغيره، والشعب يحتاج إلى خطاب إيجابي ومطمئن، وليس إلى خطاب آخر قد تكون له عواقب وخيمة..

+ هناك من وصف الجواب بأنه نوع من التباهي كون الوزير (عَنْدُو لَفْلُوسْ وُقَرَّا وَلْدُو فِي الْخَارِجْ) هل تتفق مع هذا الوصف؟

طبعا، هو عين التباهي وجوهره، وكما قلت، لو قبلنا صدورها من مواطن عادي فلا يمكن تقبلها من وزير يمثل حزبا حاصل على ثقة المواطنين باحتلاله الرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ويشتغل في حكومة مؤتمنة على رعاية الشأن العام ومصالح الناس ومشاعرهم أيضا، والسيد وزير العدل، يعرف أكثر منا، بأن الضرر المادي يمكن جبره، لكن الضرر المعنوي، يصعب تقديره فبالأحرى تعويضه.

+ ألا تعتقد أن جواب الوزير فيه نوع من التباهي بالمظاهر المادية (لَفْلُوسْ) والتفاخر بمتابعة دراسة ابنه في الخارج؟

المفروض من السيد الوزير أن يبقى المسائل العائلية خارجا عن نطاق المهام التي يزاولها، ويتكلم كمسؤول في الدولة أو يحجم عن الجواب أصلا، ليفسح المجال لغيره من مسؤولين، الجواب على مثل هذه المسائل بالوثائق والمستندات والدلائل والحجج، وليعلم سيادته أن "لَفْلُوسْ" عطاء من الله يؤتيه لمن يشاء، وليس المال من يصنع التميز على أية حال، وكما قال أحد الزملاء المحترمين في دفاعه عن الجامعة المغربية: "رَاهْ مَا يَوْصَلْ إِلَى أَعْلَى الْمَرَاتِبْ الْعِلْمِيَةْ فِي الْمَغْرِبْ غِيرْ سِيدِي وْمُولَايْ".

نعم لا يصل إليها، إلا بالكفاح والعصامية ونكران الذات في ظل قلة الإمكانات، فطلبتنا من هذه الزاوية أبطال فعلا، ودعونا من المزايدات والتمثلات الخاطئة أو المبالغ فيها، أنا أستاذ وأعيي جيدا ما أقول، أعرف، في تخصصي طبعا، باحثين كثر، من الجنسين معا، على درجة عالية من التفوق والذكاء والنبوغ والقدرة على التحليل، ولو أتيحت لهم فرصة الدراسة إلى الخارج لما رجعوا، ليس موقفا من بلادهم، ولكن لأنه من المستحيل تصور أن البلاد التي سيذهبون إليها، من تقدم على التفريط في كفاءاتهم أو السماح لهم بالمغادرة، وكما قيل "فالدنيا حظوظ"، وبالتالي فليس من اللائق، أخلاقيا، وسياسيا، وحتى دينيا، التكبر على عباد الله.

ننتظر من السيد الوزير إذن، المبادرة إلى تقديم اعتذار على هذه الهفوة لمن لا "مال ولا حائط لهم"، غير جهدهم وكدهم واجتهادهم، ولنا في النخبة الوطنية خير دليل، فهؤلاء الفتية الذين رفعوا علم الوطن عاليا وأدخلوا اسم المغرب في كل بيوت الدنيا، رأيناهم يفتخرون بأمهاتهم وقد كنا خادمات بيوت، ولكنهن كافحن وناضلن بشرف من أجل أبنائهن. الفقر ليس عيبا، ولا أحد طلب الصدقة من معالي الوزير، ولكن المحتجين طالبوا فقط بالحق في الشفافية وتبرير بعض النتائج، وهذا حقهم على أية حال، فما ضر السيد الوزير في ذلك؟

+ هل تتفق مع من وصفوا جواب الزعيم الحزبي والوزير عبد اللطيف وهبي كونه يترجم درجات الاستعلاء والاحتقار للتعليم المغربي؟

بلا أدنى شك، وقد علقت على ذلك لتوه في جداري على الفيسبوك، وأعيد بأن على السيد الوزير تحمل مسؤولية ما قاله، فما تفوه به، إقرار صريح بأن الجامعة المغربية ليست في المستوى، وأنها لا تنتج الجودة، وأن خريجيها غير مؤهلين لولوج سوق الشغل أو تولي المناصب وغيره، وهذا تبخيس وتحقير لها، بل ولكل طلبتها في أي قطاع كانوا، بما في ذلك قطاع العدل الذي يشرف عليه سي وهبي، فإذا كانت الحكومة مقرة بضعف هذا القطاع وعاجزة عن تأهيله فما عليها إلا تنسحب من تدبيره، هذا هو المنطق.

هذا إلى جانب أن كلام السيد الوزير فيه مغالطات أخرى، منها اشتراط الجامعات الكندية معدل 19 على 20 كسقف لولوج كليات الحقوق، بمعنى أنها لا تقبل إلا النوابغ والمتفوقين، وهو ما يعني أن من يحمل إجازة كندية، نابغة متفوق (par défaut) عكس أولاد الشعب وبالتالي فهذا وحده يكفي لتبرير نجاحه في المباريات الوطنية، فهذا الكلام هو الآخر، ثبت عدم صحته وغارق في الشعبوية حتى النخاع، وقد بحثنا وتقصينا ولم نجد له أساسا غير ما كان يشاع في هذا الصدد بين الطلبة ، لكن المفروض، أن السيد الوزير، يستمد معلوماته من المؤسسات الرسمية المعتمدة في البلاد وليس من مصادر أخرى، احتراما لحساسية منصبه واعتبارا للجاليات الأجنبية المقيمة في البلاد.

نصيحتي لسي وهبي إذن، الإقلاع النهائي على الإدلاء بأي تصريح، في أي موقع كان، والانشغال بحل مشاكل القطاع المتعددة، فذلك أكرم له من تسويق العبث، هذا إذا كان ينوي المحافظة على شيء من المصداقية لحزبه، فقد ثبت، في العديد من المحطات، أنه فاشل تماما في مجال التواصل والإعلام، وكل خرجاته كانت مسببة للمشاكل.