الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

الشيخ الحسين: رواية "عَيْطَةْ بِيضَاوِيَةْ" بحبكة تمزج بين الواقع والخيال بطعم الألم والمرارة

الشيخ الحسين: رواية "عَيْطَةْ بِيضَاوِيَةْ" بحبكة تمزج بين الواقع والخيال بطعم الألم والمرارة الشيخ الحسين

حين يستند شيخ العيطة على دعامات القراءة والمعرفة والبحث والكتابة، فاعلم أنك تقف أمام رجل فنان، يربط بين النظري والتطبيقي في مختبر العزف والغناء، إنه الفنان الحسين سطاتي الذي استطاع بإرادته وإصراره أن يجعل من مهنة "شيخ العيطة" مصدر توثيق وكتابة غزيرة، بقلم سيال، يبشر بأنه لا يصح إلا الصحيح في زمن المسخ الفني لأشباه "فنانين" و "فنانات" لا يقدرون على تركيب جملة صحيحة وهم جالسون يبحلقون عبر شاشات التلفزة المغربية عبر برامج التفاهة المنحطة.

 

لقد اختار الشيخ الحسين سطاتي عن طريق الكتابة والتوثيق والبحث في كل ما يرتبط بالفن والتراث على مستوى الغناء الشعبي وفن العيطة، وأبان عن تمكنه في مساره الفني عبر مراكمة العديد من الكتابات الجميلة التي ينشرها في صفحته الخاصة، عبر موقع الفيسبوك تباعا نذكر منها أعماله التي تنتظر من يمد له يد العون للنشر وإغناء المكتبة الوطنية:

 

ـ رواية بعنوان: "عَيْطَةْ بِيضَاوِيَةْ" في أربع أجزاء

ـ سيرة ذاتية بعنوان : "عَيْطَةْ دْمُوعْ الْخَيْلْ"

ـ مجموعة قصصية بعنوان: "الْعَيْطَةْ وَ الْغَيْطَةْ"

 

تجدر الإشارة إلى أن الشيخ الحسين سطاتي قد تعلم فن العزف على الكمان لوحده، منذ نعومة أظافره وهو طفل يلهو ويلعب في الحقول والمروج وراء قطيع الأغنام، وشاء القدر أن يقدم استقالته من مهنته الرسمية كدركي بالضابطة القضائية برتبة أجودان في صفوف الدرك الملكي.

 

في هذه السلسلة تقدم جريدة "أنفاس بريس" للقراء الحلقة الأخيرة من ملخص رواية "عَيْطَةْ بِيضَاوِيَةْ" التي تنتظر النشر حين تتوفر شروطه، بل أنها تستحق أن تتحول إلى سيناريو لمسلسل تلفزيوني عنوانه العريض "المستنقع".

 

مصير الشيخة ملكية الوادزامية (سعاد البيضاوية)

 

تتسابق الأحداث في رواية "عَيْطَةْ بِيضَاوِيَةْ" لترسم صورا واقعية بلمسة الخيال الواسع للمؤلف/البطل، الذي كتبتها بقلم سيال ينبض ألما ووجعا، لما آلت إليه أوضاع شخصياتها بمختلف مواقعهم الاجتماعية، والبداية مع الشيخة (مليكة الْوَادْزَامِيَةْ) التي تحولت إلى شخصية عنيفة تبحث على المجد والإغتناء غير المشروع، وتتطلع إلى الإنتقام بطريقتها وأسلوبها في الحياة. في هذا السياق أورد المؤلف عن سيرتها بعد أن تربعت على عرش الفساد بالقول: "كانت تستغل مسكنها، الفيلا الفخمة بمنطقة دار بوعزة، للدعارة الراقية. تستقطب رجالا ونساء من كبار السياسيين والموظفين وصحفيين ورجال السلطة. مغاربة وخليجيين. واستغلالها في ذلك تلميذات قاصرات وتلاميذ (غلمان)".

 

الإطاحة بعصابة الفساد والمتاجرة في البشر

 

يستند المؤلف في حكيه على وقائع سابقة للتدليل على ملفات الإجرام (المتاجرة في البشر) بالقول: "كانت قضية انتحار الشابة المغربية (نجمة) بإحدى دول الخليج، وهي بالمناسبة - صديقة الشيخة مليكة الوادزامية (سعاد البيضاوية) وإحدى المهجرات إلى بلدان الخليج – كانت هي النقطة التي أفاضت الكأس وفضحت هذه الشبكات الإجرامية بمدينة الدار البيضاء، هذه العصابة الإجرامية الأخطبوطية العابرة للقارات والتي تغتني من مآسي البشر".

 

من وحي الكتابة القصصية يحيلنا المؤلف بطريقة عادلة وقانونية على مشهد محاكمة العصابة المتورطة في أحداث رواية (عَيْطَةْ بِيضَاوِيَةْ) حيث يقول: "تحت تعليمات الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمدينة (...)، كُلفت فرقة قضائية من رجال الدرك الملكي المحنكين النزهاء من الفصيلة القضائية الجهوية، وفُتح بحث معمق ودقيق".

 

 هكذا تساقطت أسماء شخصيات وعملاء ومجرمين ومساعدين على تنفيذ مخطط الأخطبوط حيث سيتم خلال البحث والتحقيق اعتقال كل من "الشيخة مليكة الوادزامية، (سعاد البيضاوية) ومالك الفندق (الحاج)، وأدت التحريات العميقة إلى اعتقال أربعة وأربعين مسؤولا منهم قضاة ودركيين ورجال سلطة محلية...وأفلت من الاعتقال تاجر المخدرات (عبدو ايسكوبار) المبحوث عنه من طرف السلطات الأمنية بما يفوق مائة مذكرة بحث".

 

توقيفات واعتقالات بتهم ثقيلة

 

طريقة الكتابة البوليسية الشيقة في السرد تنقل القارئ إلى صرامة القضاء حيث ينهي مسار العصابة من خلال تأكيده على ما يلي: "أحيل جميع الموقوفين على المحاكمة بتهم ثقيلة مختلفة كل حسب المنسوب إليه بما فيها تهم: (تكوين عصابة إجرامية، والاتجار في البشر، والاتجار في المخدرات، وإعداد محل للدعارة والقوادة والوساطة في البغاء، والتقصير في الواجب وإفشاء السر المهني والتخابر مع بارونات للمخدرات وتلقي الرشاوي والتستر على أشخاص مبحوث عنهم)"

 

وحسم المؤلف موقف العدالة بخصوص استغلال النفوذ، حين أشار إلى اعتقال مسؤول كبير (دركي)، أما زوجته (سميحة) "فقد عثر عليها ميتة إلى جوار جثة خليلها الفنان الوسيم (يوسف) داخل حمام شقة بمنطقة دار بوعزة، مختنقان بسبب سخان الماء، وتناولت مختلف الصحف والجرائد والمنابر الإعلامية قضية الشيخة مليكة ومن معها وشغلت الرأي العام.

 

الشيخة مليكة الوادزامية تبرأ الشيخ الفنان الحسين سطاتي

 

أما بخصوص البطل/ المؤلف الذي يشكل رمزا من رموز الصدق والوفاء فقد شاء القدر أن يكتب له حياة جديدة من خلال الفقرة التالية: "لم يتم اعتقال الفنان الحسين سطاتي. لقد برأته صديقته الشيخة مليكة الوادزامية (سعاد البيضاوية)، كما أنه لم يثبت تورطه في أية جريمة، ولم تفضي الخبرات التقنية المنجزة على الهواتف من توريطه، حيث تم الاستماع إليه كشاهد في القضية".

 

 النهاية المأساوية لشخصيات الرواية، رسمت للمؤلف والبطل أفقا جديدة في الكتابة حيث قال عنه: "قرر بعد هذه الفضيحة التي أفلت منها، أن يعتزل الفن ويعود من جديد إلى مهنته السابقة" في هذا السياق سيقرر أيضا العودة إلى مهنته بعد أن "حرر طلب إعادة إدماجه من جديد في سلك الدرك الملكي، لأن القانون العسكري يسمح للعسكري الذي سبق له أن غادر الجندية بمحض إرادته وكان سجله العدلي نظيفا أن يدمج من جديد في وظيفته العسكرية، وبالفعل أخبر زوجته بقراره الجديد ففرحت أشد الفرح وشجعته".

 

قرار التراجع عن الإستقالة والعودة لسلك الوظيفة العمومية

 

النهاية السعيدة التي أراد المؤلف أن ينهي بها رواية (عَيْطَةْ بِيضَاوِيَةْ) خصص لها حيزا جميلا حين ربط بين الإستقالة والتراجع عن القرار، بين عذابات مهنة الفن والضمير المهني في الوظيفة العمومية، فهل سيتحقق الحلم، وينفذ قراره: "في صباح ذلك اليوم الربيعي الجميل، ركب الفنان الحسين سطاتي سيارته من نوع (مرسيدس 190)، ووضع بحقيبته طلب إعادة إدماجه بسلك الدرك الملكي، مكتوب بخط يده وبعض أشرطته الموسيقية، وتوجه من منزله بمدينة الدار البيضاء منشرح الصدر صوب القيادة العامة للدرك الملكي بالعاصمة الإدارية".

 

بحبكة رائعة يقول المؤلف: "قبل وصوله إلى مدينة الرباط أوقفته من أجل المراقبة على الطريق السيار دورية للدراجين للدرك الملكي من أربعة دركيين غلاظ طوال، كانوا في مهمة شرطة السير والجولان على متن سيارة من نوع (طيوطا برادو) ودراجتين ناريتين."

 

يحكي عن المشهد بالقول: "أوقفه على الجانب الأيمن للطريق دركي برتبة رقيب أول (شاف) كان تلميذا سابقا عنده وهو الآخر كان فنانا ويعزف على آلة الكمنجة، (...)، وبعد آداب المصافحة والتعارف بين الفنان الحسين سطاتي، وتلميذه الدركي الدراجي (الحسين)، أخبره هذا الأخير أنه من المحبين والمعجبين بفن (الحسين سطاتي) ومتتبع لأخباره ومسيرته الفنية وهو قدوته ومثله الأعلى".

 

الغريب في هذا القاء أن التلميذ/الدركي كان له رأي يخالف قرار المؤلف/ البطل المرتبط بالتراجع عن الاستقالة، حيث قال في ذات اللقاء "أنه هو الآخر قدم طلب الاستقالة من سلك الدرك الملكي وينتظر تحرره من سلك الوظيفة العمومية بعد قضائه مدة ثمانية عشر سنة ليتفرغ إلى فن العيطة البيضاوية تحت الاسم الفني (الحسين البيضاوي) وسيعمل على إحياء الأعراس والسهرات والمهرجانات..."

 

تتباطأ صور الحكي جراء موقف معاكس للقرار الصائب، لكن الشيخ السحين سطاتي كان مصرا على التراجع عن قرار الإستقالة: "لم يستطع أن يخبر تلميذه السابق بأنه ذاهب إلى القيادة العامة للدرك الملكي بالرباط قصد وضع طلب إعادة إدماجه من جديد بسلك الوظيفة العمومية". لهذا السبب فضل المؤلف أن يعيد تكرار نفس التجربة حيث ترك التلميذ/الدركي يعيش التجربة، لأن الحياة تجارب يجب أن تعاش، واكتفى بأن أهداه قرصين مدمجين واحد لمجموعة (تكَادة الغيوان) والثاني لأوركسترا الفنان الحسين سطاتي، وودع أفراد الدورية وتوجه على متن سيارته على إيقاع وأنغام العيطة البيضاوية (الْمَرْسَاوِيَةْ) في اتجاه العاصمة الإدارية مدينة الرباط..
 
انتهى