السبت 23 نوفمبر 2024
رياضة

فردوس: لمن يريد أن يفهم معنى "النِّيَّةْ" و "الَبَرَكَةْ" و "الْكَلْمَةْ" عليه أن يتعلم المفاهيم في المغرب

فردوس: لمن يريد أن يفهم معنى "النِّيَّةْ" و "الَبَرَكَةْ" و "الْكَلْمَةْ" عليه أن يتعلم المفاهيم في المغرب أحمد فردوس إلى جانب عناصر المنتخب المغربي

في إطار تداول مفردة "النِّيَّةْ" واكتساحها للمجال الرياضي، والتي استعملها المدرب الوطني وليد الركراكي، بالإضافة إلى استعمالها من طرف عموم اللاعبين ضمن تشكيلة النخبة الوطنية (زمرة أسود الأطلس)، تقدم جريدة "أنفاس بريس" للقراء مقتطف من مسح القيم الوطنية الذي أعده الباحث الأستاذ حسن رشيق. (الصفحة 40 و 41).

في هذا السياق فمعظم المغاربة يعلمون أنه حينما نصف شخصا ونقول أن لديه "النِّيَّةْ" فمعناه أنه "يمتلك إيمانا، وأنه واثق من نفسه ومعتقداته، وأن هناك استمرارية بينه وبين سلوكه". ويشير مفهوم "النِّيَّةْ" في العلاقات الاجتماعية والإنسانية المغربية إلى سلسلة من العلاقات البسيطة والمباشرة بين قيم "الإرادة" و "القول" و "الفعل" و "المعقول" و "البدل" و "العطاء". بحكم أن "النِّيَّةْ" لدى المغاربة تعتبر "مصدر للطاقة والثقة عندما يؤمن بها الناس".

وأورد حسن رشيق في نفس الوثائق التي حصلت عليها جريدة "أنفاس بريس" بالقول: "وإلى كل من يتجاهل قوة المعتقدات، ويشككون في واقعيتها، (إذا حدد الرجال مواقفا على أنها حقيقة، فإن عواقبها تكون حقيقة)". وهذا ما عشناه وشاهدناه خلال تألق منتخب الأسود.

إن مفهوم "النِيَّةْ" عند المغاربة يضخ يوطد العلاقات الاجتماعية والإنسانية بأوكسيجين الوطنية، لذلك: فـ "النِّيَّةْ" تلهم "الثقة بين الناس، وتشير إلى الإخلاص والشفافية والوضوح والصراحة والاستقامة". حسب مقتطف مسح القيم الوطنية. إلا أن "النِّيَّةْ" تتعارض مع عدة سلوكات مرفوضة في الوسط الاجتماعي المغربي مثل: "النفاق والشك والحيل وما إلى ذلك".

في جزء من التحقيق/البحث (مقتطف من مسح القيم الوطنية) تمت الإجابة عن عدة أسئلة بخصوص القيم التقليدية التي تختزلها مفاهيم "الْكَلْمَةْ" و "النِّيَّةْ"، حيث أشار (البحث القيم) إلى أن مفهوم "الْكَلْمَةْ" متعدد المعاني، أحدها قريب من المعنى الذي تحمله التعبيرات الفرنسية أو الإنجليزية، بامتلاك سلطة الكلمة الأخيرة. (Avoir Le dernier Mot )، (have the last word to).

في مأثور كلام المغاربة يقولون: (الرَّجُلْ هُوَ الْكَلْمَةْ)، حيث يرتبط المفهوم بـ "الوفاء"، و "الإخلاص"، و "الإلتزام"، لذلك جاء في التقرير بأن "الشخص الذي له (الْكَلْمَةْ) شخص يمتلك السلطة"، إلا أن "الكلمة لم تستعمل بهذا المعنى في هذا التحقيق"، على اعتبار أن "الاستعمال الذي خضع للمعالجة يحيل على قيمة (الْكَلْمَةْ) حينما تعطى (فُلَانْ عَنْدُو الْكَلْمَةْ)، يعني حسب البحث "أنه يشرف كلمته (وعوده) والتزاماته".

في سياق متصل أشار التحقيق إلى شيء مهم جدا يتعلق  بـ (الْكَلْمَةْ دون عقد مكتوب) حيث أورد التقرير: "أنه سيكون من باب الإهانة للشخص الذي يعطي الْكَلْمَةْ أن يُقْتَرَحَ عليه عقد مكتوب، لأن ذلك يضع قيمة كلمته (الْكَلْمَةْ) موضع شك)، بالإضافة إلى مفهوم "السلطة تحيل كلمة (بِالْكَلْمَة) على سلسلة القيم...احترام الكلمة، الالتزام بها، الاستقامة، والثقة".

وجاء في مقتطف مسح القيم الوطنية أن "النية" بدورها مفهوم معقد فهي تحمل معنى مزدوج ديني واجتماعي، فعلى الصعيد الديني تحيل هذه الكلمة على شرط ضروري يسبق العديد من الفرائض الدينية (الصلاة، الصوم)، حيث تم الاستدلال بمثال: (شخص يجد نفسه في وضعية يستحيل عليه فيها الأكل لأسباب مادية، لا يستطيع في آخر النهار أن يعتبر هذا الإمتناع القهري عن الأكل صوما، لأن شرط النِّيَّةْ كان غائبا).

وأكد البحث/التقرير أن الاستعمالات الاجتماعية لـ (النِّيَّةْ) عديدة، فحين نقول (بأن شخصا ما عنده "النِّيَّةْ" فإن ذلك يعني أنه ذو إيمان وأنه يملك ثقة في نفسه، وفي اعتقاداته، والمفهوم السائد يقضي بأن "النِّيَّةْ" كانت غالبة في الماضي. ففي السابق كان كل شيء مسخرا (المعاملات التجارية، الزواج، طقوس العلاج...)لأن الناس كانت لديهم "نِيَّةْ")

واعتبر التقرير أن القول بأن شخصا ما هو "نِّيَّةْ" يعني أنه واصلا بين "نِيَّتِهْ" وسلوكه، و "النِّيَّةْ" تفرض علاقة بسيطة ومباشرة بين (النية والقول والفعل) وهي تلهم (الثقة بين الناس وتحيل على الصدق والصراحة والاستقامة وتتعارض مع النفاق والشك والارتياب والخدعة...).

وأكد البحث على أن "النِّيَّةْ" فضيلة لكنها على عكس "الْكَلْمَةْ"، حيث تعتبر في سياقات أخرى كنقيصة، فـ (الشخص/ النِّيَّةْ يصبح شخصا ساذجا، فما يعتبر إيجابيا في سياق ما يغدو قديحا في سياق آخر. (فأن تقول للناس ماذا نفكر فيه بالضبط، وما ننوي فعله، والاعتقاد بأن ما يقوله الناس هو فعلا ما يفكرون فيه ويفعلونه، كلها مواقف تعبر عن السذاجة، وأن يصبح المرء بدون نِيَّةْ يعني أن يتعلم إخفاء نواياه، وأحاسيسه، وبالتالي الشك في نوايا وأحاسيس الآخرين، والاعتقاد بأن هناك هوة بين النِّيَّةْ والفعل).

مفهوم "النِّيَّةْ" و "الْبَرَكَةْ" في تحليل المفكر محمد الخمسي

ارتباطا بنفس الموضوع تحدث المفكر محمد الخمسي في لقاء بإذاعة (MFM) عن مفهوم "الْبَرَكَةْ" باعتبار أن "الْبَرَكَةْ ليست خيالا"، وارتباطا بموضوع الساعة المرتبط بما حققه المنتخب المغربي في مونديال قطر قال نفس المتحدث بأن "البركة هي تضرب الكرة في العارضة وترجع"، وشرح ذلك اعتمادا على الدرس الفيزيائي (النسبية) لأن "احتمالات دخول الكرة للشبكة مثلها مثل احتمالات أن تضرب في العارضة وتخرج"، وتساءل قائلا: "لماذا ضربت الكرة في العارضة لو لم تكن البركة؟". وبسخرية أضاف: "هل العارضة صنعها المغرب ووضعها في الملعب، وهل أرشينا العارضة لتصد الكرة؟" وأكد على أن ما وقع هو "مفهوم البركة".

ورفض أن يفسد البعض علينا مفاهيمنا وقيمنا بقوله: "البعض أفسد علينا مفاهيمنا ويريدون أن يحصروا كل شيء في الحسابات". وأورد مثالا يتجلى اليوم في أن "الموسم الفلاحي لم يعرف صبيب المطر ومع ذلك المغاربة يطحنون الزيتون، و يشترون زيت الزيتون...كل شيء بالبركة".

وشدد على أن مفهوم "النِّيَّةْ" ليس هو "السذاجة، وليس الغباء، وليس أن تترك حقك للغير"، حيث اعتبرها هي: "صفاء السريرة". في هذا السياق قال: "كم من الأشخاص اعتلوا المنابر، تكلموا عن النية ولم نرى شيئا، كم من سياسي تبنى عشار النية ولم نلمس أثرا للحقيقة". وجدد التأكيد على أن النية هي "الصدق" حيث ضرب نموذج المدرب الوطني وليد الركراكي الذي اعتبره شخصا استراتيجيا ومخططا ومنظرا"

في هذا السياق أوضح بأن مفهوم النية عند وليد الركراكي "هو التساوي بين الخصوم في كرة القدم على مستوى التقنيات، واللياقة البدينة والخبرة". لذلك كشف على أن العديد من "المفكرين أصبحوا يبحثون عن مفهوم كلمة النِّيَّةْ، وقال لهم إذا أردتم أن تفهموا "النِّيَّةْ" عليكم أن تأتوا للمغرب وتقرؤوا مفهوم النية واقعيا".

ولم يفت المفكر الأستاذ محمد الخمسي أن يوضح بأن النية "تعكس الجذور العميقة للأمة المغربية التي ربت بإخلاص وصدق"، والدليل أن "لاعبينا منحت لهم خيارات أخرى واختاروا بلدهم و وطنهم المغرب، وهذا سر من أسرار النية والبركة".

وطرح سؤالا بقوله: "تصوروا معي لو نادينا وفتحنا الباب للمستثمرين بالنِّيَّةْ، مثل ما فعلنا مع أبناء الوطن في لعبة كرة القدم، ولا نشوش ولا نفسد عليهم المجيء من أجل الاستثمار. هذا هو حب الوطن والإخلاص والصدق المرتبط بمفهوم النية والبركة".

وقال موجها خطابه لمن يريد أن يفهم مفهم النية وتشعباتها، بأن "المغاربة خلقهم الله أذكياء، لماذا؟ لأنه وقع لنا تراكم طبقات جيولوجية، أتوا الفينيقيين وعلمونا التجارة، وأتوا اليهود وعلمونا الدهاء والعلاقات الديبلوماسية، وأتوا الأمازيغ وعلمونا الشجاعة، والعرب أتوا محملين بالتوحيد والإيمان".