أكد عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج على أن طنجة، تاريخيا، هي الفضاء الطبيعي للهجرة والإعلام بامتياز، مبرزا في مداخلة له يوم الجمعة 2 دجنبر 2022، في الندوة المنظمة من طرف نادي الصحافة بطنجة، أن هذه الأخيرة، هي المدينة التي كانت تاريخيا مدينة للهجرة، تستقبل موجات المهاجرين واللاجئين والمطهدين القادمين من الشمال إلى المغرب، والبوابة التي يغادر منها المهاجرون المغاربة نحو الشمال.
وبوصوف وفي حديثه عن "طنجة والإعلام والهجرة"، أبرز أيضا أن طنجة هي المدينة التي دخل منها الإعلام الدولي إلى المغرب، عبر البعثات الدبلوماسية المتواجدة فيها، بحيث كانت من مهام دار النيابة الاطلاع على أخبار العالم الخارجي، والتعرف على سياسة الدول الممثلة في المدينة بقصد إعلام المخزن، كما أنها هي مهد أولى الجرائد الوطنية المغربية سنة 1907 وهي جريدة "لسان المغرب" والتي تأسست بدورها على يد مهاجرين لبنانيين هما الأخوان نمور.
وفي حديثه عن "تحولات العلاقة بين الإعلام والهجرة"، قال بوصوف:" شهدت علاقة الإعلام بالهجرة تحولا بنيويا مرتبط أساسا بتأثير تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتحول تركيبة الهجرة"، مشيرا إلى أنه في السابق كانت وسائل الإعلام بالهجرة بالنسبة للمهاجر، نافذة للتحسيس بمشاكله، وكشف الغطاء عن هشاشة وضعيته الاجتماعية، وتعريف الرأي العام بالمسارات الفريدة التي قد تشكل مصدر إلهام للمجتمع وتغير من نظرته إلى الأشياء.
وأفاد المتحدث ذاته أن هذه العلاقة عرفت تحولا مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت المواطن/المهاجر في شبه غنى عن خدمات وسائل الإعلام لإيصال رسالته. لقد أصبح المهاجر بدوره هو المواطن الصحفي الغير خاضع لأي رقابة تحريرية ولا لقرار فوقي من أجل برمجة موضوعه ضمن اختيارات هيئات التحرير، كما أن هذا التحول مرده أيضا إلى التحول في مكونات الهجرة، واستدرك أنه بخلاف مهاجري الجيل الأول، فإن لدى الأجيال الجديدة من المهاجرين تمكن واسع من استخدام أدوات التواصل الحديثة، ودراية واسعة بتقنيات التأثير للوصول إلى أكبر عدد من المتابعين، والذي قد يفوق أحيانا عدد قراء جميع الجرائد الصادرة في اليوم.
وفي محور "التناول الإعلامي المغربي لقضايا الهجرة"، تحدث الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أنه في المغرب، مازال اهتمام وسائل الإعلام الكلاسيكية، الجرائد الورقية، والتلفزيون والإذاعة، مرتهن بقالب التناول الاعتيادي لتيمة الهجرة باعتبارها موضوعا مثل باقي المواضيع الثانوية في ترتيب الأولويات.
وشدد على أن هذا التناول مازال يعاني من نقائص تتعلق باهتمام موسمي يقتصر أساسا على فترة الصيف، عدم التمكين من معرفة عميقة بقضية الهجرة واشكالياتها، ترجمة المقالات الصادرة في وسائل إعلام دول الإقامة بشكل حرفي ودون تمحيص، ينقل مواقف وإيديولوجيات تتحكم في الأخبار التي تكتب عن الأجانب، والاكتفاء بـ"الصحافة الجالسة" في تحليل قضايا الهجرة وضعف المواد الصحفية المبنية على عمل ميداني.
واستدرك بوصوف أن هناك دينامية إيجابية، تسجل في التناول الإعلامي للهجرة في السنوات الأخيرة من الناحية العددية خصوصا مع الانتشار الواسع للجرائد والمواقع الإلكترونية.
وقال في هذا الصدد:" وقد ساهم عاملان أساسيان في هذه الدينامية:
أولا: حضور الهجرة بشكل متزايد كموضوع وكحقل دراسات في التكوينات الجامعية في مختلف الجامعات المغربية وحتى في معاهد تكوين الصحفيين مثل المعهد العالي للإعلام والاتصال.
ثانيا: تخصيص عدد من الجرائد الإلكترونية ركنا قارا للمهاجرين ضمن اختياراتها التحريرية.
ثالثا: الاستعمال المكثف للمهاجرين لوسائل التواصل الاجتماعي في التعريف بنفسهم، ونقل معيشهم اليومي ومساراتهم، فأصبحوا بالتالي مادة غنية وجديرة بالاهتمام من طرف الجرائد الإلكترونية.
ومن أجل تغيير المقاربات الكلاسيكية في التعامل مع قضايا الهجرة، تقدم بوصوف ببعض المقترحات المنهجية، من قبيل الأخذ بعين الاعتبار بعض الخصوصيات في بنية الموضوع، ويتعلق الأمر بـ:
أولا: غياب معرفة عميقة بإشكاليات الهجرة، وغياب صحافيين متخصصين في قضايا الهجرة بالإضافة إلى ضعف المعرفة بسياقات بلدان الهجرة الاقتصادية والثقافية والسياسية، مما يفرغ الموضوع من بعده الاستراتيجي سواء في الأجندات العالمية او الأجندة الوطنية.
ثانيا: خاصية السرعة التي تميز وسائل الإعلام الحديثة، وإن كانت تمكن من الوصول في وقت قياسي إلى الخبر من مصدره، إلا أنها تكتفي في نفس الوقت بمعالجته بشكل سطحي، مما يجعل حيزه الزمني قصير الأمد éphémère وتأثيره محدود في الرأي العام.
ثالثا: بروز فاعلين غير حكوميين يستهدفون صناع الرأي العام، وخاصة الصحافيين الشباب عبر دورات تكوينية وتدريبات مهنية، توجه التعامل مع قضايا الهجرة نحو جوانب تخدم أجندات الممولين الدوليين، وتبعد قضايا هجروية أخرى أكثر أهمية من دائرة الأضواء الإعلامية، من قبيل توجيه الصحافيين المغاربة للإهتمام بمعالجة إشكاليات الهجرة الإفريقية في المغرب التي تبقى من الناحية العددية أقل بكثير من الهجرة المغربية في الخارج، وأحيانا "استيراد" زاوايا معالجة من الخارج وتنزيلها على السياق المغربي (العنصرية، الاندماج...) حتى وإن كانت غير متلائمة مع السياق الوطني ومع تركيبة المجتمع المغربي.
رابعا: أصبحت الهجرة مسألة ذات بعد استراتيجي بالنسبة للدول الأوروبية التي تعرف حضورا كبيرا للمهاجرين المغاربة، وموضوعا أساسيا في جميع الحملات الانتخابية، مع غلبة التوجه المحافظ الرافض للأجانب والمدافع عن الحمائية الثقافية والدينية الغربية على حساب قيم التعدد والتنوع. وهو ما يجعل الجاليات المغربية خاضعة لضغوطات إيديولوجية وسياسية في مجتمعات الإقامة، والتطرق إليها يقتصر وذلك فقط على تسليط الضوء على الأخبار السلبية المعزولة وتضخيمها وهو ما يجد صداه في بعض وسائل الإعلام المغربي الذي يأخذ الأمر بدون تمحيص على أنه حقائق مطلقة ويساهم بالتالي في تكريس الأفكار الإيديولوجية التي يدافع عنها اليمين المتطرف.
خامسا: على غرار باقي القضايا ذات النفس السياسي فإن الهجرة بدورها أصبحت مجالا خصبا للأخبار الزائفة، التي يرتبط انتشارها بقوة الألة الإعلامية والمالية التي تقف وراءها. وبالتالي وجب الحذر من المضامين المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي واكتساب الأدوات الفكرية والمهنية للمقارنة وتدقيق الأخبار قبل تحريرها، خصوصا تلك التي تجعل المهاجرين مصدر للفوضى والجريمة والشغب والجريمة وعدم الاستقرار في المجتمعات، والتي تكون مصحوبة بصور وحتى فيديوهات مفبركة.
سادسا: توجه لوسائل الإعلام العالمية بشكل مكثف نحو استغلال الإمكانيات التي تتيحها التطورات التكنولوجية واستعمالها في العمل الصحفي.
وخلص بوصوف إلى أن الوقت حان بالنسبة لوسائل الإعلام المغربية من أجل الانفتاح على ما تتيحه البرامج، والخوارزميات، والاستعانة بصحافة المعطيات data journalisme سواء في تغطية قضايا الهجرة أو غيرها، حتى لا تجد نفسها متجاوزة ليس فقط من طرف وسائل الإعلام الدولية بل حتى من طرف المواطنين، أو القراء الذين يشكلون عصب حياة اقتصاد وسائل الإعلام.