ولو أن التطرق والخوض في ظاهرة التحرش الجنسي صار من منظور الخاص والعام أمرا حتميا، والكل يتفق على ضرورة إخراجه من نفق الطابوهات، إلا أن ذلك لا يعني إطلاقا بلوغ الجرأة الكاملة لنقاشه على كافة المناحي، خاصة عندما يتعلق بأوساط معينة وذات مسؤوليات حساسة. ولعل ما يزيد الموضوع أهمية كونه لا يتعلق فقط بدول حديثة العهد بالديمقراطية أو تتلمس طريق المساواة بين الرجل والمرأة، وإنما يطال أيضا بلدانا قطعت أشواطا طويلة في درب التقدم، وتأتي على قائمة النماذج العالمية في الحرية واحترام مبادئ حقوق الإنسان. والحقيقة، أنه لا يمكننا الاستشهاد ببعض هذه الدول دون الحديث عن فرنسا التي وعلى الرغم من إيحاء الظاهر بحملها شعار فضح كل صور ومواقع تفشي هذه الآفة، غير أن أحد أحدث الإصدارات كشف عن وجه آخر لتلك المضايقات التي تتعرض لها المرأة في الظل، وهو ينشر شهادات صادمة لمجندات بالجيش الفرنسي، أفصحن بلغة صريحة وشجاعة عما تعرضن له من تحرشات واغتصاب من قبل زملائهن وكذا رؤسائهن، دون القدرة على الاحتجاج أو التبليغ جراء القمع وتهديدات الانتقام والعقاب بتهم الإساءة إلى سمعة الجهاز الأمني.
"الحرب الخفية.. فضائح عن العنف الجنسي بالجيش الفرنسي"، هو إذن العنوان الذي اختارته مؤلفتا الكتاب "ليلى مينان" و"جوليا باسكال". لتؤكدان عبر مضامينه على أن آفة التحرش الجنسي باتت تهدد الوسط الأمني الفرنسي بلا هوادة بعدما تفشت بشكل مخيف. وهو الواقع الذي يدفع، كما يوضح الكتاب، ليس فقط إلى دق أجراس الخطر للتوعية من هذه المعضلة، لكن أيضا لوضع أصحاب تلك التجارب السلبية تحت مجهر الدراسة النفسية والاجتماعية والمهنية حتى تكون المواجهة على أسس سليمة تضع الأمور في نصابها الصحيح. وتشير بالواضح إلى من الضحية ومن الجلاد دون أدنى تحفظ أو خوف، على أمل وضع حد نهائي لتلك الانزلاقات الأخلاقية المبنية على استغلال النفوذ والابتزاز من خلال القيم الشاذة التي يؤمن بها المنتهكون.
المهدي غزال