السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

الدكتور زهرو: هذه أسباب ارتفاع الدين الخارجي العمومي

الدكتور زهرو: هذه أسباب ارتفاع الدين الخارجي العمومي رضوان زهرو أستاذ الاقتصاد جامعة الحسن الثاني
على خلفية إعلان مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عزمها عقد اجتماعات السنوية لأكتوبر 2023 في مدينة مراكش، اجرت "أنفاس بريس" مع الدكتور رضوان زهرو أستاذ الاقتصاد جامعة الحسن الثاني الحوار التالي:
  
ماذا ربح المغرب في تعامله مع هذه المؤسسات الدولية ؟
إذا كان البنك الدولي هو إحدى مؤسسات النظام الإقتصادي الدولي، فإن صندوق النقد الدولي يلعب دورا، ربما يفوق دور البنك الدولي؛ وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن صندوق النقد الدولي قد عهد إليه بأخطر مهمة في فترة ما بعد الحرب؛ وهي العمل على استقرار أسعار الصرف وحرية تحويل العملات، فضلا عن أنه ظل لفترة غير قصيرة معنيا بأمور الدول المتقدمة، في حين كان البنك الدولي منهمكا في أمور الدول النامية؛ وهي أقل أهمية على المستوى الإستراتيجي. وقد ظل صندوق النقد  الدولي مؤسسة صغيرة نسبيا إذا قورنت بالبنك، حيث ظل يتعامل مع عدد محدود نسبيا من الدول (الدول الصناعية)، وذلك قبل أن ينجرف مثل البنك الدولي، إلى قضايا الدول النامية، حيث أصبح مع هذا الأخير، يمثلان ثنائيا لضمان الإصلاح الاقتصادي في دول العالم الثالث، منذ الثمانينات، ولضمان تحول الاقتصادات الاشتراكية إلى اقتصاد السوق في التسعينات. إن إقرار أي سياسة للاقتراض الخارجي، يجب أن ترتبط بالأساس، بوضع مخططات عمل واضحة، تبين بدقة الخطوات التي يجب إتباعها في مرحلة ما بعد الحصول على القروض الخارجية، وتوفر لجهات الاختصاص، بيانات تتعلق بالإمكانيات المتاحة، إلى جانب وجود تصورات مستقبلية، وأهداف محددة لعملية الاقتراض الخارجي. 

لقد كانت لعملية الاقتراض في بلادنا، وعلى مدى سنوات طويلة، مخرجات كثيرة، سلبية ومعيقـــــــــة للتنمية والتطور؛ ويرجع ارتفاع حجم الدين الخارجي العمومي للمغرب بالأساس، إلى ارتفاع ديون المؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية؛ وإلى العجز المستمر في الموازنة العامة ؛ فقد تبنى المغرب أوراشا وبرامج تنموية طموحة جدا، تحتاج إلى رؤوس أموال، تفوق في كثير من الأحيان الموارد المتاحة داخليا؛ والادخار الداخلي لا يمكن من تحقيق هذا الهدف الذي كان يعتبر من الضروريات للرفع من مستوى الاقتصاد المغربي.

 كما أن لمتابعة اندماج الاقتصاد الوطني في التقسيم الدولي للعمل، استمر المغرب في التخصص في إنتاج المواد الأولية الموجهة للتصدير، مقابل استيراد السلع الاستهلاكية والمصنعة من الدول الرأسمالية؛ هذا النوع من العلاقات على أساس التبادل اللامتكافئ (معدلات التبادل، عجز الميزان المالي) سينتج عنه اللجوء إلى التمويل الخارجي، وعدم الاعتماد الذاتي لتمويل الاقتصاد.وظل العجز المستمر في ميزان المدفوعات من العوامل الأخرى التي أدت إلى تفاقم أزمة الديون الخارجية.
 
ماهو تقييمك لتوصيات هذه المؤسسات والتي تدعو إلى تخلي الدولة عن الخدمات الاجتماعية، والحث على تدخل القطاع الخاص، واللجوء إلى التعاقد.. وبالتالي ما هي تأثيرات كل ذلك؟ وإلى اي حد تمس هذه التوصيات  بسيادة المغرب؟
في ظل الأزمة الحالية، لم يعد في وسع المغرب  سوى الخضوع  مرة أخرى لتعاليم صندوق النقد الدولي و البنك العالمي ،مما يعني اتباع برامج جديدة للتقويم والاصلاح الإقتصادي، والتي هي عبارة عن سياسات اقتصادية ومالية، تهدف إلى القضاء على الأسباب العميقة للاختلال الاقتصادي وذلك على المديين المتوسط والطويل. والتقويم لا يوظف فقط الوسائل ذات الطابع الاقتصادي، بل يلجأ كذلك إلى مقتضيات وتدابير ذات طبيعة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية... 

إن إجراءات التقويم كثيرا ما تحل محل السياسة الاقتصادية الوطنية، بل تحد أحيانا كثيرة ، من استقلالية البلد المعني، على مستوى اتخاذ القرارات، من خلال مراقبة دورية للأداء الاقتصادي للبلد المعني، من طرف صندوق النقد الدولي. والمغرب، يعانى اليوم من عدة مشاكل اجتماعية واقتصادية، كالعجز في ميزان الأداءات، وتراكم المستحقات المتأخرة للدين العام الخارجي، وتناقص احتياطات النقد الأجنبي، وعدم كفايتها لتمويل فاتورة الواردات. وللخروج من وضعية الاختناق الاقتصادي هذه، سيكون المغرب مضطرا  لا محالة، لاتخاذ مجموعة من التدابير القاسية، تنبني على ضرورة القيام بإصلاحات ومراجعات، بهدف إدخال تغييرات على البنيات والاختيارات التي تقف وراء مظاهر الاختلال الاقتصادي والمالي.

هذه التدابير الهدف منها أساسا، الرفع من الموارد المالية للدولة، حتى تتمكن  بالأساس، من أداء ما عليها من ديون، وذلك عن طريق التخفيف التدريجي من عجز الأداءات، بالتحكم في النمو السريع للطلب الإجمالي (تخفيض الاستيراد) وبتشجيع وتطوير العرض (الرفع مـــــــــــن الإنتاج المحلي وكذا من التصدير) وتحسين الطاقة الإنتاجية، والرفع من فعالية عوامل الإنتاج، وإعطاء فعالية أكبر لقطاع الصادرات، كذلك ترشيد القطاع العام، وتحديث القطاع المالي والبنكي والنظام الضريبي، تحرير التجارة الخارجية، و تخفيض قيمة الدرهم مقابل العملات الأخرى، والمرونة فيما يخص تحويل الدرهم، وإصلاح سياسة الأثمان والتسويق، وذلك بواسطة ضمان حقيقة الأثمان، وتخفيض الإعانات العمومية للمقاولات، والتقليص من عدد العمال والموظفين؛ مما قد يؤدي في النهاية، إلى التقليص من المداخيل الموزعة، كذلك إصلاح المالية العامة، وذلك من أجل تحسين توازن الميزانية عن طريق الرفع من المداخيل وتقليص النفقات (وخاصة نفقات الاستثمار) و تبقى سياسة الخوصصة؛ أي تخلي الدولة عن بعض القطاعات الاقتصادية لصالح القطاع الخاص،  من الخيارات الواردة، واليوم،  يقف الخبراء على عدد من الاختلالات ، ويوصون باقتراحات، والتي إن تم تطبيقها، يستطيع الاقتصاد الوطني ربح نقط إضافية لصالح ناتجه الداخلي الخام، نذكر بعضها: وضع حد للإعفاءات الامتيازات الضريبية، خلق مناخ ماكرو اقتصادي نظيف، مبني على المنافسة الحرة، التقليص من عجز الميزانية، وضع حد للقيمة المرتفعة للدرهم، وترشيد النفقات العامة، عن طريق تطوير الشراكة مع القطاع الخاص، في مجالات الفلاحة والتربية والتكوين، والبنيات التحتية، ومراجعة نظام الصرف، وإنعاش خلق المقاولات الخاصة، وكذا الحث على المنافسة، من خلال التفعيل الجيد لـ قانون المنافسة والأسعار ومجلس المنافسة، وإصلاح النظام القضائي، وإلغاء نظام الاحتكار، والتخفيف من العبء الإداري على المقاولات؛ كذلك عقلنة عملية احتساب الضرائب، وتوسيع الوعاء الضريبي، والحد من العشوائية في قرارات الإدارة الجبائية، وتبسيط المساطر، وإتباع نظام صارم للمراقبة.