الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

بن يونس المرزوقي : تأمل دستوري في متاهات الانتماءات الجغرافية والهويات المُتباينة

بن يونس المرزوقي : تأمل دستوري في متاهات الانتماءات الجغرافية والهويات المُتباينة بن يونس المرزوقي

ما معنى العيش في "شرق" المغرب، الواقع "شمال" إفريقيا، "جنوب" الفضاء المتوسطي، "غرب" العالم العربي؟

في السنوات الأولى من الاستقلال علمونا أننا في شمال إفريقيا.. وكان ذلك مسألة عادية..

أولا، لأننا مثلا في جرادة -ونحن تلاميذ- كنا نركب حافلات "شركة مناجم شمال إفريقيا" إلى أن غيرت الشركة اسمها إلى "شركة مناجم جرادة"..

ثانيا، لأنهم درسونا لاحقا عن الاستعمار الفرنسي في "شمال" إفريقيا..

فكرة الانتماء للشمال كانت غير دقيقة بالنسبة لنا في الشرق..

ومن حسن حظنا أن بلادنا غيرت انتماءنا بعد ذلك، بإصدار نصين مُتناقضين..

أولا، صدر قانون أساسي للمملكة سنة 1960 جعل المغرب ضمن الدول العربية.. فأصبحنا في المغرب الشرقي نعيش في "غرب" العالم العربي.. انتقال غريب من العيش في "الشرق" إلى العيش في "الغرب".. لكن ذلك لم يدم طويلا..

ثانيا، صدر دستور 1962 الذي جعل بلادنا دولة إفريقية.. فتحولنا من العيش في "الغرب" (غرب العالم العربي)، إلى العيش في "الشمال" (شمال إفريقيا).

مرت فترة طويلة.. عرفنا فيها بعض التغيرات..

في سنة 1984.. أصبحنا طرفا في "الاتحاد العربي الإفريقي"..

وهنا أدركت لماذا تم عرض الاتفاقية بين المغرب وليبيا على الاستفتاء الشعبي..

إدراك جال في خاطري من شرق المغرب.. خاصة وأن مدينة وجدة عاشت زيارة تاريخية للمرحوم الحسن الثاني والرئيس معمر القذافي..

لقد تبين لي أن الاستفتاء حل دستوري ذكي..

فالاتفاق حول طبيعة أطراف الاتفاقية كان يتطلب حلال وسطا بين المغرب كدولة إفريقية دستوريا.. وليبيا كزعيمة آنذاك للقومية العربية..

ونظرا لكون المصادقة على أي اتفاقية مخالفة للدستور كان يتطلب المصادقة عليها بنفس مسطرة تعديل الدستور.. فقد كان إجراء استفتاء شعبي مسألة معقولة..

في سنة 1987.. تم التوقيع بمراكش على معاهدة اتحاد "المغرب العربي"!!

وفجأة وضع دستور 1992، (ولاحقا دستور 1996) بلادنا ضمن "المغرب الكبير".. هكذا دون هوية..

وعاد السؤال يجول بخاطري من جديد..

ثم توالت الأحداث..

تحولت ليبيا من الاهتمام بالانتماء العربي إلى الاهتمام بالعمق الإفريقي..

والمغرب بدأ يهجر القارة الإفريقية.. وكأننا تبادلنا الأدوار..

ومع العهد الجديد.. فتح المغرب ورشا جديدا حول "الأمازيغية".. ليُصبح شعار "المغرب الأمازيغي" مسألة عادية..

في نفس الوقت عرفت الجزائر مدا جديدا رفع شعار "المغرب الإسلامي"..

وضمن مسار آخر بدأ الحديث عن الانتماء المتوسطي.. فأصبحت كل دولنا تندرج ضمن "جنوب" حوض البحر الأبيض المتوسط..

وخلال كل هذه التحولات والحركيات.. وحدها معاهدة مراكش كانت تُؤطر "المغرب العربي".. الواقع "غرب" المجموعة العربية..

وفتح العهد الجديد في المغرب أفاقا جديدة تمثلت في العودة للاهتمام بإفريقيا..

تعقد الأمر أمامي..

لقد أصبحنا نعيش في الاتجاهات الأربعة..

فالعيش في "شرق" المغرب.. جعلني أشعر بمكر الجغرافية.. لأن "شرق" المغرب.. يقع في "شمال" إفريقيا.. "جنوب" الفضاء المتوسطي..، "غرب" العالم العربي!!

متاهة غريبة.. لم تتوضح معالم حلها إلا مع دستور 2011.. مغرب الروافد المتعددة..

لكل ذلك، لم يكن غريبا أن ينص الدستور هذه المرة على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية"، وأنها متشبثة بهويتها الوطنية "الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".

 

                                           بن يونس المرزوقي، أستاذ باحث بكلية ا لحقوق بشرق المغرب