الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

زهير دادي:الثوابت الوطنية والأفق الإبداعي في فيلم "زنقة كونتاكت"

زهير دادي:الثوابت الوطنية والأفق الإبداعي في فيلم "زنقة كونتاكت" زهير دادي
لا تهدأ العاصفة السينمائية في المغرب،إلا لتواصل هيجانها وتدفقها من جديد وبحدة أكبر. ونحن إذ نعيش على إيقاع الجدل القائم حول فيلم "أنوال" لمخرجه محمد بوزاكو، تفجر جدل سينمائي ثانٍ لا يقل أهمية عن الأول، حيث يتابع الرأي العام الوطني التراشق بالبلاغات بين المركز السينمائي المغربي من جهة ،ومنتجي ومخرج فيلم زنقة كونتاكت من جهة ثانية.
هذا الفيلم الحائز على الجائزة الكبرى في مهرجان طنجة السينمائي الوطني في شتنبر 2022، وهو فيلم من إخراج إسماعيل العراقي وإنتاج شركة Mon Fleuri Production، وقد حصل على الدعم الكامل عبر أشطر من المركز السينمائي المغربي منذ سنة 2017. وبعد الإنتهاء من تصويره وعرضه بالقاعات السينمائية المغربية وفوزه أخيرا بالجائزة الكبرى، سيتفاجأ المخرج بالحملة التي شُنَّت من قبل بعض المغرضين ضد الفيلم، لكونه يتضمن مادة غنائية للمغنية مريم منت الحسان لم تكن مدرجة في السيناريو الأصلي الذي حصلت بموجبه الشركة على الدعم.
جاء في بلاغ المركز السينمائي المغربي أن السيناريو الذي تقدمت به الشركة أمام اللجنة سواء قبل الإنتاج أو من أجل الاستفادة من الشطر الرابع، لا يتضمن نهائيا أي إشارة لاستعمال موسيقى مريم منت حسان، بل يتضمن فقط بأن العمل سيتم فيه استغلال مقاطع من أغنية سيدي رداد للمغني فاضول، وهي أغنية لا تتضمن أي إساءة لثوابت الأمة المغربية، علما أن لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية تضم بين أعضائها ممثلا عن الثقافة الصحراوية".
إن المشكل هنا بحسب مقتطف البلاغ لا يتعلق بالخروج عن النص الأصلي، بل لكون الأغنية الجديدة التي تم اعتمادها مسيئة "لثوابت الأمة"، فيما لم يحدد البلاغ طبيعة هذه الثوابت؛ الملكية، الدين الإسلامي أم الوحدة الترابية. والسؤال الجدلي الذي يطرح نفسه هنا وبإلحاح: ماذا لو كان الخروج عن النص الأصلي لم يتضمن الإساءة "للثوابت"؟ هل كان المركز السينمائي سيقرر تعليق الفيلم إلى حين تدارك المشكل و"تعليق البطاقة المهنية للمخرج إسماعيل العراقي، وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية"؟.
الواضح أن المشكل بالنسبة للمركز لا يتعلق بالبعد الفني، بل بالإساءة للثوابت، ذلك أنه ومن الناحية الفنية، يحق للمخرج أن يعدل في السيناريو بتوافق مع السيناريست طيلة فترة التصوير، وهو الحاصل في العديد من الأفلام المغربية. والأكثر فداحة من هذا، أن بعض الأفلام تحصل على الدعم والموافقة من المركز نفسه، من خلال تقديم فكرة عامة عن الفيلم دون وجود سيناريو مفصل.
يضاعف المركز السينمائي المغربي من لهجة خطابه، وهو يتحدث عن حيثيات الفيلم، حيث ورد في بلاغه: "اتضح للمركز السينمائي المغربي أن الشريط السينمائي "زنقة كونتاكت" يتضمن خيانة للنص والحوار والصوت المحدد سلفا بسيناريو العمل المرخص له لأسباب مشبوهة من طرف المنتج والمخرج".فإذا كان المركز السينمائي قد تحدث فقط عن الخروج عن النص الأصلي في البداية، فإنه يضيف في هاته النقطة كلمتي "الخيانة" و "المشبوهة" وهي المفاهيم التي تصل إلى حد القضايا الجنائية الخطيرة، فهل سَيَقْدِمُ المركز على رفع دعوى قضائية ضد المخرج والمنتج بتهمة الخيانة العظمى؟ وهل ستحرك النيابة العامة مسطرة المتابعة في حقهما بناء على البلاغ وما يروج في الصحافة الوطنية؟. الحق أن المركز السينمائي قد تجاوز صلاحياته كثيرا، وهو يوظف هاته المصطلحات الغليظة من أجل تسويغ قرار منعه للفيلم، وهو الذي كان بإمكانه منع الفيلم لدواعي فنية، دون أن يصدر
الاتهامات والأحكام الزجرية.
يتابع المركز انزلاقه القانوني وهو يمحص في الحيثيات: "يحتفظ المركز السينمائي المغربي بحقوقه المؤسساتية في مباشرة المسطرة القانونية ضد المنتج والمخرج من أجل فعل تغيير وتعديل معطيات ومضمون وحوار وصوت سينمائي وسمعي بصري خارج المقتضيات المؤسسة للترخيصات المنظمة قانونيا."
من جهتهم، يرى منتجو ومخرج الفيلم في بيان مشترك لهم أن المسألة لم تكن خاضعة للبعد السياسي، بل تحكم فيها البعد الجمالي أولا وأخيرا. "هذا الاختيار جمالي وموسيقي بحت،اختار المخرج ببساطة أن يضع صوت مغنية الفيلم وليس شخصا أوما يمثله سياسيا بأي حال من الأحوال". هذا المقتطف من البيان كافٍ لتبرئة المخرج من تهمة الخيانة التي وردت في بلاغ المركز السينمائي المغربي، إذ ان المخرج إسماعيل العراقي وفِي توظيفه لهذا المقطع من أغنية مريم منت الحسان، لم يفعل ذلك بدافع سياسي، بل بخلفية جمالية وفنية صرفة.
ومن أجل تبرئة ذمة الممثلين في هذا التوظيف الموسيقي، ورد في البيان: "إن الممثلات والممثلين في الفيلم لا يتحملون بأي حال من الأحوال المسؤولية عن هذا الاختيار الذي يعد مسؤولية المخرج الكاملة وحده والذي اتخذ هذا الاختيار دون أية نية سياسية، بل نابع عن تذوق جمالي يشعر به اتجاه صوت تلك المطربة، وغير مرتبط بآراء سياسية". لقد أبان المخرج إسماعيل العراقي عن أخلاق عالية وشجاعة قل نظيرها في تحمل المسؤولية الفردية، والاعتراف بالعفوية الإخراجية مع التنصيص بأن الأمر لا يتعلق بسوء النية، بل ب"التوضيح الموسيقي" الذي يتطلبه الفيلم.
توالت ردود الفعل المؤيدة للفيلم والمنددة بما قام به المخرج، وذلك من قبل هيئات ونقابات وفاعلين سينمائيين.
فهل أصبحت الموسيقى مزعجة إلى هذا الحد؟، هل الدولة ضعيفة حتى يصبح مقطع موسيقي في فيلم يثير كل هذه الضجة؟ إن الاعتراف بجمالية الموسيقى، لا يتطلب بالضرورة البحث عن الجذور الاجتماعية والسياسية للمغنية، بل إن القيام بهذا الأمر، هوالفعل السياسي بحد ذاته. للفن معاييره وللسياسة توازناتها، وما بينهما يوجد المخرج إسماعيل العراقي في قلب الزوبعة السياسية والفنية والإعلامية والمجتمعية. إن التفاعل مع الفيلم مسألة محببة، غير أن الإدانة والتخوين والتشويش على الفيلم بخلفيات سياسية مسألة مقيتة ومرفوضة بالمعايير الجمالية والفنية الصرفة.
 
زهير دادي، باحث في المجال الفني