الخميس 28 مارس 2024
سياسة

الصحافي والأمير .. خبايا مرحلة

الصحافي والأمير .. خبايا مرحلة

الأمير مولاي هشام لا يهجم على المخزن لاعتبارات مبدئية أو إيمان حقيقي بالديمقراطية أو تطلع صادق لإصلاح المجتمع، بل إن المحدد الجوهري لموقفه ضد القصر والمخزن هو مدى قربه أو بعده من مركز القرار. فإذا «بان ليه الضو يبرد الطرح»، وإذا أوصدوا الأبواب في وجهه، يوجه راجماته نحو المحيط الملكي...

 

عبد الرحيم أريري

 

كان من الطبيعي أن يثير الملف الذي نشرناه في العدد الماضي حول علاقتنا بالأمير مولاي هشام الكثير من الارتسامات التي تتوزع إلى: مثمنة لمقاربتنا في تناول الموضوع، وإلى متسائلة حول السبب الذي جعلني أختار -لخرجتي الإعلامية تلك- هذا الوقت المتزامن بالضبط مع صدور "الكتاب المنبوذ". وتقديرا واحتراما لكل المتصلين بي بخصوص ما كتبت، ورفعا لكل تأويل قد يشوش على مضمون نشري لذلك الملف، وتنويرا للرأي العام، أؤكد أن الأمر يتعلق بدافعين اثنين لا ثالث لهما.

- الدافع الأول: أن الكتاب بادعائه الانخراط في نقاش حول الملكية والمخزن وحاضر المغرب ومستقبله، فهو يسائلنا نحن كمغاربة وكمواطنين. ومن هذه الناحية بالضبط أرى أن من الواجب أن ينخرط الصحافيون والمثقفون والفاعلون السياسيون وغيرهم في مناقشة الكتاب والتعليق على مضامينه من زاوية الموافقة أو الاختلاف. ولذلك وجدت نفسي معنيا بما ورد في الكتاب، لكنني بعد قراءته فشلت في العثور على فكرة ناضجة واحدة. ليس في الكتاب دفاع متكامل وواضح عن مشروع فكري أو سياسي. وفي هذا الإطار أؤكد أن معظم اللقاءات التي كانت تجري بيني وبين الأمير (وكنا دائما اثنين فقط) لم ألمس في الرجل سمة رجل الدولة أو الأكاديمي خريج جامعة برينستون الأمريكية، كما يحلو له أن يصف نفسه. بل إن المرعب هو أنك حين تجالسه تحسب رأسك جالسا مع "فيدور"، وليس مع أمير سليل الشرفاء. قاموسه مليء بالشتم والسباب وتتفيه الخصوم مهما علا شأنهم أو قل. وهذه خاصية كانت تثيرني فيه دائما. علما أنني جالست أشخاصا كبارا، معارضين للحسن الثاني ولمحمد السادس، إسلاميين ويساريين، ومع ذلك لم ألمس في قاموسهم تلك البذاءة الزنقاوية التي تلتصق بالأمير وتلازمه دائما. بل على العكس من ذلك أجد هؤلاء الأشخاص يدافعون عن فكرهم المعارض للنظام، لكن بسمو ونبل وترفع عن الصغائر. وهذه الخصال لا طريق لها إلى فكر ولسان الأمير، للأسف الشديد. ذات مرة صعقت وهو يتحدث عن محيط محمد السادس بكونهم «براهش»، وهو لفظ تحقيري مفاده أن الإنسان "المبرهش" صغير السن لم ينضج بعد، وصغير في الرؤية والتفكير. قال لي الأمير: "هاذ لبراهش ما كيعرفوا والو، والملك ضايرين به (محيطين به) الدراري. فين هما الناس للي كانوا ضايرين بالحسن الثاني". أجبته: "السن لم يكن أبدا معيارا، فكم من مسؤول يبلغ 65 أو 75 سنة لا يكون ناضجا، وكم من مسؤول لا يتعدى سنه 30 سنة تجده في أوج العطاء والمردودية.. بدليل أن الحسن الثاني بنفسه حكم المغرب وعمره لا يتعدى 32 سنة، ورواد الحركة الوطنية مثل المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وبلحسن الوزاني وعبد الهادي بوطالب وبنعبد الجليل وغيرهم كانوا في سن 24 أو 28 سنة ومع ذلك كان الذهب يخرج من عقولهم وحكموا مع محمد الخامس ثم مع الحسن الثاني.. أو زيدون الملك وصحابو عندهم نفس العمر ديالك.. ماكاينش شي فرق". رد الأمير: "هناك فرق كبير، هاذوك (يقصد حاشية الملك) كيحمو مصالحهم، في حين أنا ماعندي مصالح شخصية". فقلت له: "ولكن كريستين زوجة السرفاتي سبق لها منذ مدة أن استهزأت بك حينما قلت بأن دارك في الرباط موضوعة تحت الرهن، وقالت بأن المغاربة يعرفون ما تملكه في المغرب وبأنك تلعب على الحبلين، مرة بوجه مع الشعب ومرة بوجه آخر.. وأنت درتي مشاريع في المريكان، واش المريكان محتاجين للاستثمار أم المغرب هو الأولى". قال: "هذي ماشي هضرتها، هاذي هضرة سراق الزيت والمعنكر". قاطعته: "مافهمتش؟". قال الأمير: "فؤاد عالي الهمة والجنيرال لعنيكري هما للي كيقولو هاذ الهضرة.. وهما للي شادين لاباراي (L’appareil) ديال الأمن". أجبته: "نكَولو راه الهمة ولعنيكري كيعمروا لمغاربة ضدك، ولكن كريستين راها كَاورية وزوجة مناضل كبير قضى معظم حياته في الحبس، ولا أظن أنها هي الأخرى عمروها عليك". قال الأمير: "لا تهمني لا كريستين ولا غيرها، بل ما يهمني هو فضح سراق الزيت (يقصد فؤاد عالي الهمة) والعسكري للي معاه. واش نسيتي آش داروا في منذ عام 2001. هاذو ما باغينش يتعلموا ويستافدوا، ولبلاد فيها غير الزواق والماكياج". أجبته: "كاينة شي حاجة حنا ما عرفينهاش.. المغرب دار هيأة الإنصاف والمصالحة باش يطوي صفحة سنوات الرصاص.. وصعيب يتقبل المرء أن المغرب باغي يبدأ سنوات رصاص أخرى. كاينة شي حاجة بينك وبين الملك فكها بينك وبينه، والناس راها كتهضر.. خاصك تحدد الموقف باش الأمور توضح للجميع..". قال الأمير: "سيأتي الوقت للكشف عن كل هذه الأمور ومسؤولية كل واحد. أنا ولد دار المخزن وكنعرف المخزن مزيان".

- الدافع الثاني: يرتبط بالصورة السيئة التي يقدمها الأمير مولاي هشام عن الصحافيين الذين عاشوا في محيطه كما كشف ذلك علي عمار في شهادته مؤخرا أو كما كشف علي لمرابط هو الآخر ذلك في خرجته، وهما معا من الصحافيين الذين كانوا يعرفون الأمير حق المعرفة.. وهي شهادات تأتي لترسخ ما كان يحكى عن علاقة الأمير ببعض الصحفيين وسخائه معهم وعدم تردده في إشهار ذلك سواء في جلساته الخاصة أو جلساته العامة. وهذه مناسبة لأجدد أني عاشرته مع الحفاظ على المسافة والاستقلالية، خاصة وأنه كان يحرص على رسم بروفيل خاص للصحافيين بالمغرب ضمن صورة مشوشة تقدم رجل مهنة المتاعب مثل "شناق" أو مجرد "بزناس" بلا كرامة. والخطير أن صورة أخرى تناسلت عن الصورة الواردة في الكتاب، حيث عادت الأسطوانة تتردد بخصوص أصحاب الأمير من الصحافيين وخصومه. هنا أحسست أن من واجبي أن أدلو بدلوي في هذا الجدل، خاصة أن مولاي هشام يذكرني في كتابه في سياق مجتزأ لما تحدث عن التحقيق البوليسي في قضية "الوطن الآن" في صيف 2007، والغريب أنه لم يذكرني بالاسم، بل اكتفى فقط بالحديث عني كـ "نكرة". والحال أنه هو من كان يتصل بي للاستفسار عن بعض القضايا، أو لمعرفة رأيي في المستجدات الوطنية. واحتراما لمكانته لم أكن أتصل به شخصيا إلا نادرا. وأغلبها في مناسبات دينية للتهنئة. ومع ذلك حين ذكرني في الكتاب كان ذلك بصفة النكرة وأوحى لبعض ندمائه أنه لم يلتق بي قط إلا بمعية شهود، والحال أن معظم لقاءاتنا كانت تتم بشكل ثنائي في فيلته بالرباط (خلف فندق هيلتون) التي كان يتخذها كمكتب.. وهي الفيلا نفسها التي سيوجه إلي الدعوة لألتقيه هناك وسلمني إشهادا مكتوبا (لا أدري هل لديه شهود على هذه الواقعة أم لا) على هامش حضوره الاحتفال بمرور 50 سنة على استقلال المغرب... الدعوة لم تأت من فراغ، بل في سياق كان يحبل بالدينامية بالمغرب في تلك الفترة. فالوزير المنتدب في الداخلية آنذاك فؤاد عالي الهمة (الذي يعتبره مولاي هشام ألد أعدائه) خرج عن صمته وخص الزميلة "الأحداث المغربية" بحوار مطول في يوليوز 2005 وضع فيه الوزير المنتدب النقط على الحروف في ما يخص العديد من النقط (أسباب اختيار جطو وزيرا أول، دور مستشاري الملك والحكومة، علاقة الأمير مولاي هشام بالقصر، ورش الإنصاف والمصالحة، إلخ...). ولم تخل قاعة تحرير بالصحف المغربية من فورة وتسابق لمعرفة الدواعي التي تحكمت في خرجة فؤاد عالي الهمة آنذاك، خاصة وأن الحوار لم يلتقط منه الجسم الإعلامي سوى ذاك السؤال الخاص باتهام الوزير المنتدب في الداخلية بكونه متورطا في التضييق على مولاي هشام. اتصل بي مولاي هشام لمعرفة وجهة نظري حول ذاك الحوار (وهو اتصال قد يكون تم مع فاعلين آخرين بدون شك)، فأجبته بأن "الأحداث المغربية" دارت "ميسة" (أي خلقت الحدث وجلبت اهتمام الجميع). قال الأمير: "واش الحوار عجبك ديال فؤاد عالي الهمة؟". أجبته: "طبعا، الحوار مهم، وأي جريدة تحلم باش يكون عندها انفراد مع شي مسؤول مهم. ودابا لحلاوة هي إلى عطيتيني شي حوار ترد فيه على لهضرة لي قال فؤاد عالي الهمة عليك..". رد الأمير: "ماشي دابا آسي أريري. ولكن غادي نواعدك إلى كانت شي حاجة غادي نعطيك الحوار. المهم واش الناس قراوا الحوار، واش قالوا، وعلاش فؤاد تكلم دابا". أجبته: "أنا ماشي في لاكور (La cour) باش نعرف علاش ختار يهضر دابا. ولكن المهم راه هضر ورسل ميساجات لبزاف د الناس". الأمير: "ياكما يكونوا دايرين شي فيلم آخر". قلت له: "الله أعلم".وانتهى كلامنا بالنكت والطرائف كالعادة، على أساس أن الأمير سيفي بوعده ليخص جريدتنا هو الآخر بحوار حصري. وشاءت الصدف أن يكون هذا الاتصال قبيل عطلة الصيف التي تتوقف فيها جريدتنا عن الصدور طيلة شهر غشت (مثلها مثل معظم الأسبوعيات). في العطلة، قمت في منتصف شهر غشت 2005 برحلة إلى كافة المدن الصحراوية، وهي الرحلة التي قادتني إلى كلميم وطانطان وأسا والزاك والسمارة والعيون وبوجدور والداخلة وأوسرد ولكركارات. وهي الرحلة التي تميزت بزوابع رملية حادة خاصة في الطريق الرابطة بين الداخلة ولكركارات وأيضا بين لكركارات وأوسرد، مما أدى إلى إلحاق أضرار بليغة بهيكل سيارتي من نوع "سوزوكي بالينو" بسبب قوة الرياح التي تجعل حبات الرمل تصطدم بقوة بالسيارات وتحدث بها خدوشا حادة كأنها تعرضت لوابل من الرصاص. لما عدت إلى الدار البيضاء دعاني الأمير إلى فيلته التي ما أن وصلتها حتى فتح لي الباب الشاوش الذي يعمل ضمن المستخدمين عند الأمير، وركنت سيارتي كالعادة بالمرآب الداخلي، وقادني الشاوش إلى داخل الفيلا حيث قمنا (أنا والأمير) بالطقس المعتاد المتمثل في وضع الهواتف في القمطر بالمكتب بسبب هواجس الأمير من أنه مراقب ويتم التصنت عليه، وخرجنا للحديقة حيث تبادلنا النقاش حول الصحراء وزيارتي لمدنها. قال لي الأمير (مازحا): "الناس في الصيف كيمشوا للبحر وانت غادي إلى أوسرد والزاك باش تكَرمل". أجبته قائلا: "الصحراء جميلة في الشتا والصيف، وأنا كلما أحسست بإرهاق كبير (Stress)، أشد الرحال إلى الطبيعة الصحراوية وندير لبلان (Le plein) في طوموبيل، ونمشي بلا توقف حتى نعيا من السياقة.. وكنمشي من الدار البيضاء للداخلة عبر العيون، وكنرجع للدار البيضاء عبر السمارة وكلميم وفم زكيد، ثم أعرج على الراشيدية فميدلت وميسور، وأقفل عائدا من بوابة إفران وعين اللوح وكهف النسور.. كنخيط في الطرقان يومين أو ثلاثة أيام، وكنرتاح مزيان بحال لي شارب سيرو ديال المقويات". تجدد نقاشنا يومها حول الحوار الذي أجراه الوزير المنتدب في الداخلية مع "الأحداث المغربية"، واستفسرته حول قراءته التأويلية.. وهل هو "ميساج" لتهدئة الصراع بين القصر ومولاي هشام أم لا... تهرب من السؤال، وأجابني: "المغرب حقق قفزة مهمة في التحديث خاصة حينما تجاوز القلق الذي صاحب النقاش حول مدونة الأسرة". ثم عرج بنا النقاش مجددا حول الصحراء والقلاقل الاجتماعية التي تميزها. لما أنهينا النقاش رافقني مولاي هشام من الحديقة إلى مرآب الفيلا.. ولما هممت بركوب سيارتي، صاح الأمير قائلا: "واش كنت في الصحراء كتدور أو كتحارب.. واش هاذي سيارة يركبو فيها الناس؟». قلت له: «بالعكس هي سيارة جميلة ومريحة، والمشكل ماشي في الموطور أو المونتيسورات، بل الزوابع الرملية بالصحراء خسرت الطولا ديال السيارة.. دابا نضرب ليها شي صباغة وترجع زوينة.. وباش نبين ليك راها طوموبيلا واعرة، يالاه معايا دابا نوصلك لدارك في السويسي". أمسك الأمير بيدي وقال لي: "علاش أخويا نمشي معاك تخلينا سيارتك في الطريق، ها هي السيارات قدامك (أشار بأصبعه إلى مجموعة سيارات فارهة كانت مركونة داخل الفيلا، وأظنها 4 أو 5 سيارات) خذ واحدة واترك هذه". أجبته: "هذه السيارة (أي سوزوكي بالينو) شحفاتني صوفاك عليها بالكريدي. ونهار نوقف عليك نعطيك لخبار". وشكرته وغادرت الفيلا على أمل أن يفي الأمير بوعده ليخص الجريدة بحوار صحفي يرد فيه على ما استجد من معطيات.

في نونبر من نفس السنة (أي 2005) سخر المغرب كل إمكانياته لتنظيم احتفال كبير يليق بمناسبة مرور 50 سنة على الاستقلال (18 نونبر) وهي الذكرى التي تعبأت لها كل الوسائل العمومية، وفي الوقت نفسه تجندت مختلف الصحف لرصد أدنى حركة يقوم بها القصر نحو مولاي هشام أو يقوم بها هذا الأخير نحو القصر. اهتمام الصحافة بالحدث راجع لكون المناسبة تهم الاحتفال بالجد المشترك للملك محمد السادس وللأمير مولاي هشام، أي المرحوم محمد الخامس. بر الأمير فعلا بوعده، واتصل بي فور مشاركته في الحفل يوم 18 نونبر 2005، وضرب لي موعدا لكي نلتقي في الفيلا نفسها بعد ساعة أو ساعة ونصف (وهي المدة التي يتطلبها تنقلي من البيضاء إلى الرباط). لما وصلت، وجدت الأمير في غاية الانشراح مرتديا اللباس الرسمي (البذلة بربطة عنق).. وهو ما جعلني أبادره مازحا بالسؤال: "ديما كنشوفك بالدجين (سروال دجين) والقميجة، ودابا بالكسوة، ياكما شي منصب جديد عطاه ليك الملك". رد هو الآخر مازحا: "هاذ الكسوة برزطاتك، أنا غادي نحيدها". وغاب لحظة وغير ملابسه ولبس لباس "سبور" وجلسنا في الحديقة، كالعادة بعد أن تجردنا من هواتفنا، وحكى لي أسباب حضوره إلى الحفل الذي نظمه القصر بمناسبة الذكرى 50 لاستقلال المغرب، وتحفظ عن إجراء حوار صحفي، لكنه حرص بالمقابل على منحي رسالة بخط اليد يشرح فيها ملابسات هذه الدعوة. قلت له: "الصحفي كيشد لحرفي ويطلب "البلول"، وأنا ما زلت طامع في شي سكوب. والتصريح ليس هو الحوار الصحفي، على الأقل اعطيني صورة نادرة فيها انت ومحمد السادس مني كنتو صغار، وإلى عطيتيها لي غا يكون ميساج واعر، لأن الطفولة ديما فيها البراءة". اقتنع الأمير بطلبي وأحضر لي صورة غير مألوفة لدى الرأي العام التقطت لهما (ولي العهد سيدي محمد والأمير مولاي هشام عام 1971 حسبما قال لي)، وهي الصورة التي نشرتها "الوطن الآن" العدد 174 (كان اسمها آنذاك "البيضاوي"). وبهذا الخصوص يحرص الأمير دائما على أن لا يجيب على الأسئلة الحارقة التي تشغل بال الجسم الصحفي بل يجيب فقط على الأسئلة التي تستقيم مع مصالحه. ومع إيماني بهذا السلوك أغمضت العين وترفعت عن الإلحاح في مساءلته لكوني كنت مقتنعا بوجوب أن يقوم كل واحد منا في هذا المجتمع بدور، ولو صغير، للدفع بالمصالحة بين مولاي هشام والعائلة الملكية، وخصصت لذلك غلافا كاملا. ولكن مع المسافة ظهر أن الأمير مولاي هشام لا تهمه لا مصالح المغرب ولا مصالح المغاربة، شعاره "أنا ومن بعدي الطوفان".

اعتبارا لكل ذلك يهمني اليوم أن أوضح حقيقة علاقتي مع الأمير، خاصة بعد تلوث صورته كرجل "يبيع ويشري" في الصحافيين. بهذا الخصوص أجدد التاكيد على أن لا علاقة مادية أو فكرية أو سياسية. وهذا الكلام لا أقوله اليوم فقط، قلته له شخصيا حين عرض علي مشروع المليارين...، وكذلك حين عرض علي دعمه المادي لي إثر محنة "الوطن الآن". وهو ما رفضته في حينه ووفاء لمبادئي. وبالمناسبة، فلقد سبق لي أن نقلت ما اقترحه علي الأمير بخصوص ذلك المشروع الإعلامي وقصة المليارين إلى شخص أكن له كل التقدير والاحترام وله مكانة خاصة عندي أعود إليه في اللحظات المصيرية. فأجابني: "لا تنشر ذلك. خليه عندك. إننا تربينا على المواجهة المباشرة دفاعا عن تصورنا لدمقرطة المجتمع ولبناء الوطن ولا نعمل في الغرف المغلقة أو في الدهاليز المظلمة". هذه هي الحكمة التي تعلمتها في بيتي الفكري، وداخل محيطي السياسي وفي الوسط الإعلامي. وهو ما أريد تجديد التأكيد عليه للقراء ولعموم المعنيين بالموضوع: العمل في الواضح لا في الدهاليز، ولذلك جهرت بما أعلمه عن حقيقة مواقف مولاي هشام تنويرا للرأي العام وإيمانا مني بالصحافة المواطنة. هذا غيض من فيض و«لمزيويدة مازال عامرة»!

 

خصومات عائلية في لبوسات ديمقراطية

لما صدر كتاب الأمير مولاي هشام «الأمير المنبوذ» أعدت التأمل على مستوى «فلاش باك» في صورة الأمير الذي تأكد لي أنه يعكس فكرة التناقض وأنه لا يهجم على المخزن لاعتبارات مبدئية أو إيمان حقيقي بالديمقراطية أو تطلع صادق لإصلاح المجتمع، بل إن المحدد الجوهري لموقفه ضد القصر والمخزن هو مدى قربه أو بعده من مركز القرار. فإذا "بان ليه الضو يبرد الطرح"، وإذا أوصدوا الأبواب في وجهه، يوجه راجماته نحو المحيط الملكي. أي إذا استفاد الأمير من امتياز ما، فهو يرى المغرب بلدا ديمقراطيا ويسعى إلى التحديث ويتخذ القرارات الجريئة. وإذا لم يتحقق له ذلك، فإنه يصب جام غضبه ولعنته على المخزن وعلى رجالات المخزن. أذكر أنه في يوم 18 نونبر 2005 كان سعيدا مثل طفل حين تلقى دعوة من القصر الملكي لحضور احتفالات ذكرى مرور 50 سنة على استقلال المغرب، وهي المناسبة التي سبق للأمير أن سلمني شخصيا رسالة حول الموضوع (والشاهد على ذلك التصريح المكتوب الذي نشرناه في العدد 174 والذي نعيد نشره رفقته). وحين أستعيد سياق تلك الرسالة، أتذكر أنه ظل في أقصى حالات انتشائه التي يفهم منها مغازلته للمخزن وللمؤسسة الملكية. حتى إذا أحس أنه لم يبق قريبا من مصدر القرار يحول خصوماته العائلية وانفعالاته الشخصية محاولا إلباسها لبوسا إصلاحيا وديمقراطيا. مجمل القول إن ما يعلنه الأمير من صراعات لا تعدو أن تكون أطماع شخصية في صراع مجهول الملامح.