السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

زهير دادي: فيلم "أنوال" بين الحقيقة التاريخية وسلطة التخييل السينمائي

زهير دادي: فيلم "أنوال" بين الحقيقة التاريخية وسلطة التخييل السينمائي زهير دادي
فيلم "أنوال" عمل سينمائي مغربي قيد التصوير، من إنتاج شركة تيفاوت، إخراج محمد بوزاكو، سيناريو محمد النضراني ومشاركة ثلة من الممثلين المغاربة على رأسهم ربيع القاطي، الذي يلعب دور المجاهد محمد بنعبد الكريم الخطابي.
 
لقد أثار الفيلم الكثير من الجدل بين المتتبعين للشأن السينمائي وعموم المواطنات والمواطنين، وهو ما يزال في جلسات التصوير الأولى. وإذا كانت الأفلام المغربية في عموميتها لا تعرف النقاش واللغط حولها إلا بعد الإنتهاء من تصويرها وعرضها في القاعات السينمائية الوطنية، فإنه، وعلى العكس من ذلك، عرف النقاش العمومي هذه المرة، حدة غير معهودة حول فيلم انوال !! بين مدافع ومعارض للفيلم وهو لا يزال مجرد سيناريو وبضع صور متناثرة هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي. وإذا كانت الأفلام المغربية، أيضا، لا تدخل إلى دائرة النقاش العمومي إلا إذا اقترنت بالجنس والحميمية المجانية في الكثير من الأحيان، فإن فيلم "أنوال" وعلى العكس من ذلك فيلم تاريخي بعيد عن الإستيهامات المغرضة. فما الذي جعل هذا الفيلم في قلب النقاش العمومي المغربي؟ ولماذا أثار كل هذه الحساسية المفرطة وهو لم ير النور بعد؟.
في البداية، لا بد من تحديد الأطراف الرئيسة التي حاولت الدفاع عن الفيلم والترويج له إعلاميا، حتى قبل أن يرى النور، وهم المخرج محمد بوزاكو والممثلان ربيع القاطي ومحمد الشوبي. لقد صرح المخرج لفائدة جريدة وطنية بأن "هناك عددا من الممثلين من أهل الريف في الفيلم"، وأضاف: "إن منطلقنا هو منطلق المصداقية والصدق في تناول الأحداث والغيرة على تاريخنا باعتبارنا أيضا من أبناء منطقة الريف." وهو التصريح الذي يمكن أن يُستغل ضد المخرج والفيلم معا، لأنه يكرس النزعة المناطقية الضيقة في التعامل مع شخصية وطنية تاريخية، ذلك أن الإنتماء إلى الريف تمثيلا وإخراجا، لا يعتبر مؤشر نجاح وميكانيزمَ تفوق. إن الشيء المطلوب من المخرج والممثلين على السواء هو الإحترافية في العمل. إن مبدأ المصداقية في التعاطي مع شخصية تاريخية تحظى باحترام المغاربة وسائر العالم لا يمكن أن يكون من خلال الفيلم السينمائي الذي يُنسِّب الحقيقة مهما توخى الدقة، بل من خلال الفيلم الوثائقي.
ربيع القاطي، الممثل المغربي الذي يبدو شابا على الدوام، قد تقمص دور البطولة في العديد من الأفلام المغربية، بحيث يستطيع أن يجدد نفسه باستمرار، وأن يغوص في تفاصيل الشخصية التي يؤديها، وهي التفاصيل التي يمكن أن يستوعبها جيدا في دور المجاهد عبد الكريم الخطابي. غير أن ما دونه عن الفيلم بالفايسبوك، يمكن اعتباره انحرافا وخروجا عن قواعد الممثل المحترف، حيث كتب: "فخامة الإسم والتاريخ تكفي يا سادة"، والحال أن قوة شخصية الخطابي وثقلها التاريخي، لن يصنع فيلما قويا. إن المخرج هو الذي يصنع عملا سينمائيا قويا، حتى وإن الشخصية الرئيسة المجسَّدة هامشية، بالشكل الذي نتحدث فيه عن احترافية الممثل في تقمص الدور. إن رمزية عبد الكريم الخطابي وصيته العالمي، لن تصنع فيلما قويا بدون مخرج متمكن من أدواته، وممثل محترف في لعب دور البطولة. ربيع القاطي على مقاس الدور.
محمد الشوبي، وعلى العكس من ربيع القاطي، يمكن القول إنه نقطة ضعف الفيلم، بسبب كثرة خرجاته الإعلامية غير المتزنة، والتي يريد من خلال الدفاع عن الفيلم فيضعفه. إن الحديث عن مشاركة أبناء الريف في الفيلم له مسوغ نفسي نظرا لخصوصية المنطقة، ولا يمكن أن يكون معيارًا للتفوق؛ إنه تبرير غير جمالي وغير فني على الإطلاق. وفِي الوقت الذي كنّا ننتظر من الممثل تعليلا فنيا للإختبار، خرج علينا بفيديو قديم يطالب فيه بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف. إن دغدغة عواطف المتلقي، وخاصة بمنطقة الريف ذات الخصوصية المفرطة، جعل الشوبي يظهر بمظهر المناضل المتبني لقضية الإعتقال السياسي بالريف. هذا موقف جيد، نعم، لكنه غير كافٍ للتجسيد الإحترافي. الشوبي، ولأنه من الممثلين المغاربة الأكثر عطالة، فهو يتحدث أكثر مما يشخص. إنه واقع لا يرتفع، إذ العديد من الفنانين المغاربة لا يحترمون تخصصهم، إذ في اللحظة التي تحتاج فيه السينما المغربية إلى نَفَسٍ جديد من قبل هؤلاء، فإنهم وعوض التمثيل، يكثرون من التصريحات الصحفية غير المحسوبة. إن الممثل هو مشخص وكفى. نعم هناك استراحة، وإطلالة على الجمهور، يمكن أن يقوم بها الممثل بين الفينة والأخرى عبر بعض البرامج الحوارية، وعبر التدوينات الفايسبوكية، لكنها ينبغي أن تكون إستثناء وليس قاعدة. لم يتحدث الشوبي عن جسامة المهمة، كما لم يتحدث عن مجهوده الشخصي في استيعاب الشخصية والتعمق في تفاصيلها من أجل تشخيص احترافي، بل استجدى الريفيين من أجل المساهمة المادية في الإنتاج، وكأن المسألة تتعلق بالمصير المحتوم للوطن، في حين أن المسألة لا تتعدى حقيقة نسبية تمثل وجهة نظر السيناريست.
لعل نقطة الضوء الإضافية في هذا الفيلم، هو الكاتب والسيناريست محمد النضراني، الذي خَبَّر مجال الكتابة طويلا. ولأن السيناريو لم يصلنا بعد، ولأننا لم نطلع على مجريات الفيلم، لأنه لا يزال في طور التصوير، غير أنه يمكن الوثوق في الحوار بشكل كبير، لأن الرجل لم يكن متطفلا على فعل الكتابة.
مع ذلك، يمكن التساؤل هنا بشأن الحقيقة التاريخية التي يمكن أن يدافع عنها الكاتب. إن الفيلم وإن كان تاريخيا، إلا أن الكاتب في المقابل، ليس مؤرخا بالمفهوم التقليدي للكلمة، ما يعني أن الحقيقة التاريخية قد لا تكون أساسية في المتن؛ إنها ثانوية بين ثنايا الكلمات، لكنها ليست الهدف، لأنها قد تتأثر بالجانب التخييلي للكتابة السردية. إن الأديب الحقيقي هو الذي ينتصر للهوس الداخلي، لجنون الكتابة ولبوح الروح، أما الحقيقة فتلك مهنة المؤرخ، وإن كانت نسبية حتى بالنسبة إليه، نظرا لتعدد المناهج وزئبقية الأحداث كلما توغلت في الماضي ولو كان قريبا. فهل تهمنا حقيقة عبد الكريم الخطابي التاريخية؟. يهمنا أولا وأخيرا العمق التخييلي والانتصار لحقيقة الإبداع. إن التاريخ هو المنطلق والتخييل هو المبتغى والكتابة هي الطريق والطريقة.
زهير دادي باحث في المجال الفني