الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

ماء العينين: نحن أمام حملات منظمة ضد المغرب للتشويش على بلادنا والمسّ بتماسكها

ماء العينين: نحن أمام حملات منظمة ضد المغرب للتشويش على بلادنا والمسّ بتماسكها ماء العينين محمد تقي الله
أكدت جميع الوقائع والأحداث والمتغيرات من خلال مختلف الدراسات التاريخية، أن الملكية المغربية كانت ولا زالت صمام أمان لاستمرارية ثقافة النماء والتطور والاستقرار  في المغرب، وذلك من خلال مختلف الأحداث التي عرفها تاريخ المنطقة والعالم.
  
بعد مرحلة الاحتجاجات التي عرفتها المنطقة العربية منذ سنة 2010، في إطار ما يسمى بالربيع العربي على إثر انتشار الفساد السياسي، وعدم احترام إرادة الشعوب العربية، زد على ذلك معضلة الركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية وانتشار الفقر، رغم ما تزخر به بلادنا العربية من ثروات طبيعية وبشرية كانت كفيلة بتقدمها وتحقيق الرفاهية لمواطنيها، إضافة إلى التخلف العلمي والحضاري والتكنولوجي مقارنة بأوروبا والعالم الغربي، استطاع المغرب من خلال حنكة المؤسسة الملكية أن يستوعب خصوصيات وديناميات الحركة الاحتجاجية بمهنية عالية، استلزمتها طبيعة المرحلة السياسية المستجدة، وبالتالي استشراف حقبة جديدة في مسارات الانتقال الديمقراطي و التنموي. 
فاستطاعت الملكية مواكبة هذا الحراك بترسيخ دولة المؤسسات في إطار ثقافة الدولة واستتباب الأمن، وهو الشيء الذي منح المغرب الاستثنائية في المنطقة بفضل المكانة العالمية للملك محمد السادس من جهة، وفلسفة إمارة المؤمنين على المستوى الديني والروحي من جهة أخرى؛ باعتبار أن النظام الملكي كشكل وأسلوب يحقق قدرا كبيرا من التماسك، جعلت جميع مكونات المجتمع المغربي تنخرط في توجهات المؤسسة الملكية. لأنه عبر هذا النظام العتيد تحققت أمجادنا منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، باعتباره هو الضامن للوحدة والتوازن والتماسك واستمرارية الأمة، انتهى بنضج التجربة الديمقراطية المغربية على أساس العدل والكرامة والحرية والاعتدال.
                
أكيد أن هذا الوضع المتقدم لن يروق الخصوم خصوصا أن المغرب بقيادة المؤسسة الملكية، ماض في الحفاظ على التوازنات الاقتصادية وتقوية العلاقات الاقتصادية المغربية بالعالم، خصوصًا بالتوجه نحو العمق الإفريقي.
        
عندما يختار المغرب أن ينزع علاقاته الدولية على قاعدة رابح رابح ، وعندما يتوجه إلى عمقه الإفريقي، و يجعل قضية الصحراء هي النظارات التي ينظر بها إلى علاقاته الدولية، وعندما يتجه اقتصاديا نحو الطاقات المتجددة و صناعة السيارات وضمان أمنه ألغدائي عبر تحلية مياه البحر، و يكون الفوسفاط هو المحرك لاقتصاديات العالم والمغرب يحتل مكانة مرموقة، هذا التوجه الحكيم للدولة المغربية ،كان طبيعيا أن يجر عليها تشويش من يرون فيه مجرد دولة يريدونها أن تعيش على المساعدات و استثمارات على شكل صدقات.
       
كانت بداية هذا التشويش مع مطالبة المغرب التموقع في الصراع بين قطر والسعودية، ليأتي خطاب الملك محمد السادس في قمة مجلس الخليج ليرفع اللبس ويضع النقط على الحروف، وهو ما اعتقد التوازن لعلاقاته مع مختلف دول الخليج .
لتأتي بعد ذلك أزمة مالي وما قبلها من تعثر التواجد الفرنسي بإفريقيا، ليجد المغرب فسحة لخلق استثمارات ناجعة بالقارة الأفريقية، وهو ما جر عليه غضب فرنسا التي لا تنظر بعين الرضى لانسلال المغرب من تبعيتها. ومؤخرا كنا ننتظر من الفعاليات السياسية الفرنسية الرقي بعلاقتها مع المغرب احتراما لمنطق التاريخ، من جهة واحتراما لتطلعات المواطن الفرنسي الذي كان يعيش امجاد الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان الذي يحترم تاريخه، ولكن مع الأسف فرنسا لم تستوعب الدرس من تاريخ المغرب العريق. 
وطبعا بنفس التوجه، تحاول الجزائر نشر كل العراقيل لوقف زحف المغرب إقليميا ودوليا. وسارت تونس على نهجها متدرعة برفض استعادة العلاقات مع اسرائيل.  
وما زاد من حدة الهجوم على المغرب موقفه الرصين من الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، عكس دول انحازت لطرف ضد آخر.
 ومنذ أن أعلن المغرب عن ظهور بوادر في التنقيب عن الغاز و البترول، فان كثيرا من دول الجوار تخاف من الصعود المتواصل للمغرب الذي سيحدث خللا في موازين القوى. تخوف ازداد بعد دخول المغرب في تحالف قوي مع بريطانيا بعد خروجها من الإتحاد الأوروبي. هذا الأخير الذي يرى في التواجد الأمريكي و الإسرائيلي بشمال إفريقيا عبر الاتفاق الثلاثي مع المغرب تهديدا لمصالحه خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء،و التعاون العسكري الذي ترجم عبر تنظيم مناورات عسكرية.
              
المغرب في تنويع علاقاته لم يكتف بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بل انفتح على الصين والهند، وبالتالي المغرب خارج العلاقات التقليدية التي حكمت ديبلوماسيته لعقود.
وفيما يخص أزمة استقبال تونس ل"ابن بطوش" زعيم ما يسمى بجبهة البوليساريو  في القمة اليابانية الأفريقية ،خرجت اليابان لتؤكد دعمها للمغرب في الحفاظ على وحدة أراضيه والاعتزاز بعلاقات التعاون التي تجمعهما.
         
مواقف المغرب الصارمة اتجاه إيران يزيده قوة بين حلفاءه بدول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية ، ناهيك عن خروجه الاستباقي من الحرب ضد اليمن، التي جددت علاقاتها مع المغرب في إطار تعاون أساسه انخراط اليمن في خيار الحكم الذاتي.
وفيما يخص الجانب الأوربي،  شكل استقبال إبراهيم غالي للتطبيب باسبانيا بهوية مستعارة وما تلاها من أزمة بين المغرب والجارة اسبانيا انتهى بإقالة وزيرة الخارجية و اعتراف إسبانيا بجدية المقترح المغربي لحل مشكلة الصحراء. 
نفس الموقف تبنته ألمانيا بعد أزمة دامت لشهور، انتهت بتأييد ألمانيا لمبادرة الحكم الذاتي، نفس التوجه سارت عليه إيطاليا التي تحتفظ بعلاقات قوية مع المغرب و إدراكها للدور الكبير للمغرب في ملف ليبيا التي تشترك في حدودها مع ايطاليا مما يعني أن المغرب يحافظ على سلامة حدود ايطاليا ...
  
المبادرات المغربية لا تنتهي، وديبلوماسيته نشيطة ومتنوعة تجعل العالم كله يحترم هذه الدولة الصاعدة بخطى ثابتة بين القوى الكبرى بالعالم.
حتى ملف حقوق الإنسان الذي كان ذريعة بعض الدول لابتزاز المغرب عبر منظمات تعد تقارير تحت الطلب لمعاداة المغرب، جاءت جائحة كورونا التي تفوق فيها المغرب على الدول العظمى في حسن تدبيره و دعمه لمواطنيه في مواجهة الجائحة مع ضمان التوازن لاقتصاده.
هذا هو المغرب الذي ينمو و يتطور، وهو المغرب الذي يزعج ويقلق كل من كان يجد في ملف الصحراء فرصة للابتزاز السياسي و الاقتصادي، وكل دولة متضررة من هذا التحرك طبيعي جدا أن تمارس التشويش على مسيرته. وتناور من أجل حصد مكاسب من هذا التموقع الإيجابي الذي لا يتوفر لأي دولة في مجموع القارات.
المغرب المستعمرة السابقة لفرنسا و اسبانيا ، والتي تواصل استنزاف خيرات المغرب وفق اتفاقية "اكس ليبان" المشؤومة، لا تستسيغ أن يخرج المغرب من تحت جلبابها ليخلق لنفسه استقلالية في القرار. ومن أسهل طرق ابتزاز المغرب دفع دول الجوار لمحاولة فرض حصار، لخنق نهضة المغرب في مختلف المجالات. لذلك كان من بديهيات الأمور أن تقوم الجزائر تحت ذريعة ملف الصحراء و استعادة المغرب علاقاته مع إسرائيل، أن تقوم بحرب بالنيابة لفائدة فرنسا. حرب توجت بقطع العلاقات مع المغرب،ودفع موريتانيا إلى الحياد السلبي وجر تونس لبيع مواقفها مقابل الغاز والانقلاب على المغرب الذي لا ينظر بعين الرضي لقرارات قيس السعيد التي تهدد شعب تونس والاستقرار الاقليمي .
إن حصانة المغرب يستمدها من توافق الشعب مع الملك، ونجاح المغرب في خلق جبهة موحدة داعمة لاختيارات المغرب. و جاءت الانتخابات الأخيرة لتكرس المغرب كدولة تسير في اتجاه تقوية مؤسساتها الدستورية، عكس دول الجوار التي تعرف ترديا في حقوق الإنسان و الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمس باستقلالية المؤسسات، سواء عبر حلها كما هو الحال في تونس، أو عبر صوريتها لتكون تحت سيطرة العسكر كما هو الحال في الجزائر.
لقد حاول الخصوم ولا زالوا يحاولون، زعزعة استقرار المغرب عبر نشر الأكاذيب وتزوير الحقائق، خاصة في ما يتعلق بصحة الملك و علاقاته الأسرية، وكلها محاولات تنكسر أمام الإجماع الوطني حول الملكية وقضايا المغرب العادلة.
نحن أمام حملات منظمة الغرض منها التشويش على بلادنا، و المسّ بتماسكها، و الحيلولة دون بناء استقلاليتها المالية والاقتصادية. وهي محاولات تجد ضالتها في نشر الأخبار الزائفة التي لا تزيد المغاربة إلا قوة وتماسكا.
ماء العينين محمد تقي الله، أستاذ باحث في سلك الدكتوراة، رئيس مركز الجنوب للهجرة والتنمية وحقوق الإنسان.