الخميس 28 مارس 2024
سياسة

الطيب دكار: "باريس تكذب ادعاءات الجزائر بالخضوع إلى اللوبي المغربي" (12)

الطيب دكار:  "باريس تكذب ادعاءات الجزائر  بالخضوع إلى اللوبي المغربي" (12) الطيب دكار يتوسط بنجامان ستورا (يسارا) وعبد المجيد الشيخي (يمينا)
عبر صاحب كتاب"الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب"، الطيب دكار، عن رفضه القاطع للإتهامات التي يكيلها المسؤولون الجزائريون للمغرب، بخصوص علاقة بلادهم المتشنجة مع باريس، على خلفية مجموعة من الملفات الساخنة، لعل أكثرها حرارة هو موقف فرنسا من قضية الصحراء، ودعمها التقليدي لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء الذي تقدم به المغرب، إضافة إلى ملف "الذاكرة المشتركة" في حرب الجزائر، أو ما يسمى إعلاميا بـ "مصالحة الذاكرة". يقول الطيب دكار:

"بخلاف بعض المحللين السياسيين الجزائريين المقيمين في سويسرا، الذين اتهموا، مؤخرا، اللوبيات الفرنسية بإثارة التوتر بين البلدين، وعرقلة كل تقارب بين الجزائر وباريس، وهذا رغم التزام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون  بـ" مصالحة الذاكرة"، فإن اللوبيات المناهضة لتطبيع العلاقات بين فرنسا والجزائر توجد في الجانب الجزائري.

هذا ما يتبين من حوار للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع يومية "لوفيغارو"، الذي نشر  في 18 فبراير 2021، والذي أكد فيه أن الرغبة مشتركة في مصالحة للذاكرة بين الفرنسيين والجزائريين خاصة مع الرئيس تبون، الذي "عليه أن يأخذ في الحسبان بعض المقاومة التي ستعترض طريقه ".

وأكد الرئيس الفرنسي، في الحوار نفسه، أن الرغبة في مصالحة الذاكرة بين الفرنسيين والجزائريين "مشتركة بشكل كبير" على الرغم من "بعض الرفض" في الجزائر.  وقال:  "لا تخطئوا، وراء القضية الفرنسية الجزائرية يوجد أولا موضوع فرنسي فرنسي". كما أوضح أنه "في الأساس، لم نعمل على المصالحة بين الذكريات الممزقة ولم نبن خطابا وطنيا متجانسا (...) الذاكرة الممزقة هي ذاكرة الأقدام السود (فرنسيو الجزائر الذين عادوا إلى فرنسا عام 1962)، وذاكرة الحركيين (جزائريون قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي)، والمجندين الذين جرى استدعاؤهم (للقتال في الجزائر)، والعسكريين الفرنسيين، وذاكرة الجزائريين الذين أتوا بعد ذلك إلى فرنسا، وذاكرة أبناء هؤلاء المهاجرين، وذاكرة مزدوجي الجنسية...". وأضاف "لست بصدد التوبة ولا الإنكار. أنا أؤمن بسياسة الاعتراف التي تجعل أمتنا أقوى".

قبل ذلك، لم تنتظر  جبهة الرفض طويلا لتكشف عن نفسها حتى في محيط الرئيس الجزائري نفسه.  فمستشاره المؤرخ عبد المجيد الشيخي، المكلف بالاشتغال مع نظيره الفرنسي بنجامين ستورا، حول "تاريخ الذاكرة"، قام بخرجة نارية حين اتهم فرنسا بكونها نشرت الأمية في الجزائر، وأن 20 بالمئة فقط من الجزائريين كانوا أميين سنة 1830، بينما صرح وزير الشغل الجزائري، من منصة البرلمان، أن فرنسا تبقى العدو التقليدي والدائم للجزائر.

فتبعا للتصريحات التي نقلتها وسائل إعلام جزائرية، قال عبد المجيد شيخي، مستشار الرئيس الجزائري "المكلف بالأرشيف والذاكرة"، مستشهدا بمؤرخين لم يسمهم: إن "الجزائر عام 1830 كانت نسبة الأمية بها لا تتجاوز 20 بالمئة".

وأضاف شيخي أنه "بعد 30 سنة (من بداية الاستعمار) قضي على المتعلمين"،  وأتى ذلك "مواكبة لعملية السلب والنهب". كما اعتبر أن وثيقة ستورا "تقرير فرنسي - فرنسي، ولا يعني الجزائر في شيء"، وأنه لم يسلم إلى الجزائر بشكل رسمي، وبالتالي "لا يتطلب منها الإجابة أو الرد". وقال: إن "الفرنسيين كتبوا ما يريدون، وكتبوا التاريخ بنظرة لائكية للظروف التي كانت سائدة آنذاك".

وندد شيخي بما أسماه "المؤامرات والتكالب على الجزائر التي لم تسلم من الجيران أو ممن يمكن اعتبارهم أعداء أو أصدقاء"، دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل حول طبيعة هذه المؤامرات.

وكان شيخي قد عين في 20 يوليوز 2020، ممثلا عن الجانب الجزائري في العمل الجاري مع الدولة الفرنسية حول الملفات المتعلقة بالذاكرة الوطنية واسترجاع الأرشيف الوطني. وبعد تسعة أيام من تعيينه هاجم فرنسا بعنف، إذ اتهم باريس على أمواج الإذاعة االجزائرية، في 29 يوليوز 2020، "بشن حرب شرسة على مكونات الهوية الوطنية "وهي اللغة العربية والإسلام وعادات وتقاليد الأجداد".

أما الصحافة الجزائرية وبعض المحللين الجزائريين في المنفى، فيستهدفون، دون أن يحددوا بوضوح اللوبيات المناهضة، "عدوا" آخر الذي ليس سوى المملكة المغربية. ويرون أن المسؤولين الفرنسيين حين قرروا دعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، فعلوا ذلك تحت ضغط أو تأثير الللوبيات الموالية للمغرب، كما لو كان المسؤولون الفرنسيون  قاصرين أو ينقصهم وضوح الرؤية. وقد قام الرئيس إمانويل ماكرون بإصدار بيان تكذيبي لاذع في حق هؤلاء المحللين أو السياسيين في المنفى، مؤكدا أن مقاومة التقارب بين البلدين توجد في الجزائر، وأنها محمية رسميا من طرف المسؤولين الجزائريين " .

وتابع الخبير في الشؤون الجزائرية والمدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي بالجزائر العاصمة، الطيب دكار: "لقد ضاعفت السلطات الجزائرية من ضغوطها على باريس، متذرعة بمجموعة من الموضوعات الخلافية، وتحديدا "حرب الجزائر"، وذلك من أجل انتزاع توازن من فرنسا حول موقفها من قضية الصحراء المغربية الموالي للحكم الذاتي للأقاليم المغربية الجنوبية، تحت السيادة المغربية. وهو موقف يتوافق، بل يسبق، موقف الولايات المتحدة الأمريكية. فالحكم الذاتي يعني بشكل منطقي وسليم السيادة المغربية".

وتابع: "بالنسبة للوبي الذي يقولون أنه موالي للمغرب في فرنسا، فإن المغرب يفخر ويسعد بأنه يتوفر على مجموعات ضغط قوية، في كل أنحاء العالم، من أجل الدفاع عن مصالحه. بيد أن الجزائر، ورغم الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ما زالت تستثمر مبالغ مالية هائلة من أجل دعم اللوبيات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، متجاهلة  مصالح مواطنيها الذي يصطفون كل يوم في طوابير  للحصول على علبة حليب أو قنينة زيت وغيرها من المواد الغذائية الأساسية التي أصبحت نادرة في واحدة من "أقوى" الدول في إفريقيا، والتي تهدر ملايين الدولارات باستعمال الدخيرة الحية، في مناوراتها العسكرية غير المبررة" !. 

نشير إلى أنه سبق للرئيس الجزائري نفسه،  أن اتهم، في حوار له مع "لوفيغارو"، ما سماه حرفيا "اللوبي المغربي في فرنسا" بالسعي إلى عرقلة تطور العلاقات بين الجزائر وباريس والحد من كل المبادرات خدمة لمصالح الرباط. كما اتهمه بالسعي إلى خلق توتر في العلاقات الجزائرية الفرنسية، مبديا عدم رضاه عن نوعية الاستثمار الفرنسي في بلاده مقارنة بالاستثمارات التي يستقطبها المغرب.

ووصف عبد المجيد تبون هذا اللوبي بأن له "صلات اقتصادية واجتماعية ويخاف من الجزائر"، وتابع أنه عندما "تتدخل الجزائر لاقتراح حلول لبعض الأزمات، فإنه يتدخل بحجة أنه مهتم أيضا بهذه النزاعات".

ولم يكتف الرئيس الجزائري، الذي تمسك برقبته قبضة العسكر، بمهاجمة المغرب لمرة واحدة، إذ تلاحقت تصريحاته المعادية بعد انتخابه رئيسا لبلاده، وأصبح كل  خروج إعلامي مناسبة للتهجم حتى بات جميع المراقبين يتحدثون عن إصابة    الرئيس والطغمة العسكرية والإعلام المأجور بـ "العقدة المغربية".

إن إرجاع كل الإخفاقات الجزائرية إلى المغرب، وتفسير الفشل بالتدخل المغربي يؤكد ما كشفه الحراك الشعبي الجزائري من أن تغيير كراسي الحكم في الجزائر لن يؤدي إلى تغيير طبيعة النظام السياسي القائم. لذلك، فالشارع الجزائري مازال يطالب اليوم بتغيير النظام الذي فرض عليه منذ 1962. ذلك أن النظام الجزائري الحاكم مازال يستخدم مسألة العداء للمملكة كورقة لإعادة بناء التوازنات الجديدة في هرم السلطة". كما ما زال يستعملها لإلهاء الرأي العام الجزائري عن مطالبه الأساسية، وفي مقدمتها رحيل كل رموز النظام القديم، وعودة العسكر إلى الثكنات، والدخول في انتقال ديمقراطي حقيقي لا يتدخل فيه الجنرالات الذين يفرضون الرؤساء، ويحولون الانتخابات إلى مجرد واجهة مدنية لحكم عسكري طاعن في الاستبداد.