الأحد 5 مايو 2024
كتاب الرأي

ابراهيم مراكشي: إنهم الحشاشون.. بين ظهرانينا

ابراهيم مراكشي: إنهم الحشاشون.. بين ظهرانينا ابراهيم مراكشي
ظهرت طائفة الحشاشين أو الحشاشون في القرن الخامس الهجري (11 م)، وهي حركة ذات طبيعة مزدوجة سياسية تروج للفكر الباطني، ودينية تنتمي للمذهب الشيعي الإسماعيلي؛ تأسست على يد الحسن بن الصباح، وهو الأب الروحي لهذه الحركة، متخذا من قلعة الموت في بلاد فارس معقلا لنشر دعوته الإسماعيلية النزارية، ومركزا لترسيخ أركان دولته، التي بلغت ذروة تمددها ما بين القرنين 5 و7 الهجري (11 و13 م)، إذ حكمت قلاعا حصينة في قمم جبال بلاد فارس، وأجزاء من بلاد الشام. 
اشتهر الحشاشون في صراعهم مع  الخلافة الفاطمية، والخلافة العباسية ومن والاها من السلاجقة والزنكيين والأيوبيبن، وذاع صيتهم بدمويتهم وباعتماد استراتيجية الاغتيالات السياسية. إذ تمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت، مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد.
لقد ظل الحشاشون خنجرا في ظهر الأمة الاسلامية يطعنها غدرا، بتحالفهم مع الصليبيين إلى أن تهاوت شوكتهم في الشام على يد الظاهر بيبرس سنة 1273، وقبل ذلك التاريخ انهار حكمهم في بلاد فارس، وتم القضاء نهائيا على تواجدهم هناك على يد هولاكو سنة 1256.
واليوم عاد الحشاشون إلى الظهور، في حلة جديدة وشكل حداثي، إنهم بيننا، يعيشون بين ظهرانينا، يخفون نواياهم الحقيقية، وعلى آلامنا ومعاناتنا يقتاتون... لا فرق بينهم عن حشاشي الأمس. تاريخيا عرف الحشاشون بالغدر، وبعدم إظهار نواياهم الحقيقية، أي بالتقية، واشتهروا بالاغتيالات السياسية، حشاشو اليوم، من طينتهم وعلى شاكلتهم، بل يقومون بما هو أفظع وأخطر، إنهم يغتالون الفكر الحر، يهاجمون الأقلام الحرة، وينفثون سمومهم في ضمير الأمة الحي. كيف يمكن تمييزهم؟
نجدهم في مقدمة من يدافع عن الانحلال الخلقي باسم الحريات الفردية والحق في الاختلاف، يسوقون الإلحاد على أنه تنوير... يصفون أنفسهم بالإصلاحيين، وهم باسم الإصلاح يهدفون إلى تخريب المجتمع.
هم أقلام السلطة الحاكمة المأجورة، يدافعون عنها، وعن استبدادها ، يبررون جميع قراراتها، يغلفون الظلم بغشاء العدالة... إنهم بارعون في التلاعب بالكلمات وفي تشويه الحقائق، وفي إلباس الظلم حلة العدل، وتقديم الطغيان في صورة الاحسان، أو بالأحرى، الطغاة في صورة محسنين...
حشاشو الأمس كان يبعثهم الحسن بن الصباح في مهام انتحارية محددة، فيندمجون ضمن حاشية الملوك والخلفاء، بأسماء مستعارة وصفات غير صفاتهم الحقيقية... يمضون في البلاطات سنين وسنين إلى أن يتحينوا فرصة الاقتراب من الشخصية المستهدفة، وزيرا كان أم حاكم، فيغتالونه، ثم يقدمون على الانتحار، وكذلك الشأن مع حشاشي اليوم، لهم نفس طويل، وهم أسياد في النفاق المجتمعي بلا منازع... لا يقدمون على إظهار نواياهم الحقيقية بشكل مباشر، بل يتريثون حتى يندمجوا في المجتمع عبر أحد هذه القنوات:  سياسية كانت أو حقوقية، أو جمعوية، أو إعلامية، أو دينية، أو ثقافية فكرية، يتقربون من رجالاتها الشرفاء، يتمسحون بهم، إلى أن يكتسبون ثقة المحيط فيهم وينالون نفس احترام أعضائه لهم.
هؤلاء الحشاشون الجدد نجدهم منتشرين في العديد من المناصب، وفي كل المجالات... بالإضافة إلى رجالات الفكر، نجدههم في الحقل السياسي، وفي الإدارات العمومية: موظفين مرتشين، في المدارس والجامعات: يقتلون العلم والمعرفة بدم بارد؛ نجد بعضهم أيضا في المحاكم والمستشفيات: قضاة أضاعوا الأمانة، وأطباء زاغوا عن وصايا أبوقراط، وغيرهم... بل نجد منهم من لبس عمامة العالم، وانسل في أوساط العلماء فصار يفتي، بل يهذي في الدين، وينسف أسسه وأركانه.
الحشاشون الجدد، طبقات ومستويات، قد نصادفهم في أي مكان، والأخطر منهم آولائك الذين يتسلحون بدرع الفضيلة، لأنه يصعب إماطة اللثام عن نواياهم الحقيقية. هؤلاء هم الخطر الأكبر، المتربص بقيم المجتمع المغربي، ولحمته وتماسكه.

ابراهيم مراكشي /أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بطنجة