Thursday 17 July 2025
سياسة

البحيري: المغرب ينهج سياسة الحل الوسط بخصوص "عقوبة الإعدام " تقوم على الحد من العقوبة عوض إلغائها كليا

البحيري: المغرب ينهج سياسة الحل الوسط بخصوص "عقوبة الإعدام " تقوم على الحد من العقوبة عوض إلغائها كليا يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش

بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الاعدام، يسر "أنفاس بريس" استضافة العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، لتقريب قراءها من الوضعية القانونية للمغرب من عقوبة الإعدام، وتحليل المقتضيات الواردة في الفصل 20 من الدستور المغربي، المتعلقة بالحق في الحياة، والمعايير الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام.

 

ماهي قراءتكم للوضعية القانونية للمغرب بين اصدار المحاكم الوطنية لعقوبة الاعدام وعدم تنفيذها على المستوى الفعلي؟

إن هذه الوضعية للمغرب بين إصدار المحاكم لعقوبة الإعدام ووقف تنفيذها، حيث أن عدد الأشخاص المدانين وصل إلى 114  في حين تم وقف تنفيذ هذه العقوبة منذ  1993،  تتناسب مع معايير وقف تنفيذ عقوبة الإعدام التي أكدت عليها  لجنة حقوق الإنسان 2000/65 في الدورة 56 المتعلق بإيقاف تنفيذ الإعدام في  الدول التي تحتفظ بعقوبة الإعدام في تشريعاتها الجنائية،  فلجنة حقوق الانسان وضعت معايير محددة بالنسبة للدول التي تصدر محاكمها الوطنية عقوبة الإعدام مع وقف التنفيذ:

  •  توفير الضمانات الكفيلة للمحاكمة العادلة وحماية حقوق المدانين بعقوبة الإعدام؛
  • عدم اصدار عقوبة الإعدام إلا على الجرائم شديدة الخطورة، وذلك بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة مستقلة ومحايدة،
  • الحق في التماس العفو أو تخفيف الحكم؛

يلاحظ بأن المشرع المغربي مازال يحافظ على عقوبة الإعدام، إلا أنه وسع من نطاق الظروف القضائية المخفضة والأعذار القانونية إلى درجة أدخلت الكثير من المرونة على سياسة العقاب بوجه عام، وعلى عقوبة الإعدام بوجه خاص، بحيث أن الحكم بالعقوبة العظمى موكول في غالب الحالات إلى تقدير القضاة هذه السياسة العقابية المرنة التي سلكها المشرع المغربي في التعامل مع هذه العقوبة هي التي تفسر العدد المنخفض لحالات الحكم بالإعدام، ثم يضاف إلى ذلك التنفيذ المحدود للأحكام الصادرة بهذا الشأن ومفعول نظام العفو.

إن المغرب ينهج سياسة الحل الوسط وهو حل يقوم على الحد من العقوبة عوض إلغائها كليا، فبالرغم من تضمن التشريع الجنائي لعقوبة الإعدام، الا انها لم يتم تنفيذها بعد 1993.

اعتبر المشرع المغربي من خلال منظومته الجنائية عقوبة الإعدام عقوبة جنائية أصلية، بل ووضعها من حيث سلم التراتبية في أعلى الهرم. وبالرغم من هذا التصنيف، فقد حاول التلطيف من الأمر بأن أعطى للمحكمة صلاحية تمتيع المتهم بظروف التخفيف وتطبيق عقوبة السجن المؤبد أو السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة ما لم يوجد نص قانوني مانع، إذا ما تبين لها أن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة من طرف المتهم أو بالنسبة لدرجة إجرامه.

كما أوجد إمكانيات تشريعية تبيح للمحكمة تعويض عقوبة الإعدام أو تحويلها أو تخفيضها أو استبدالها حسب الأحوال، كما هو الشأن بالنسبة لاستبدال عقوبة الإعدام بعقوبة تتراوح بين عشرة سنوات أو خمسة عشرة سنة سجنا بالنسبة للأفعال المنسوبة للأحداث.

إن الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في التشريع المغربي  موزعة بين تلك المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي والتي ضمت الحيز الأكبر من هذه الجرائم ويمكن حصرها في فئات تجريمية تشمل أساسا الجرائم الإرهابية والجرائم الماسة بالحق في الحياة بالسلامة البدنية للأشخاص، واستعمال وسائل التعذيب أو ارتكاب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية والإحراق والتخريب إضافة إلى الجنايات والجنح ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي والجنايات التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام ....أما المجموعة الثانية فتهم تلك المنصوص عليها في قانون زجر الجرائم الماسة بصحة الأمة والتي هي بالأساس أفعال القيام بقصد الاتجار بصنع منتوجات أو مواد معد للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أومسكها أو توزيعها أو عرضها للبيع أو بيعها. ثم أخيرا مجموعة الجرائم المنصوص عليها في قانون العدل العسكري بالنسبة للجرائم العسكرية.

فبالرغم من إن المشرع الجنائي المغربي ما يزال محتفظا بعقوبة الإعدام، فهو ينهج سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، كما أن العفو الملكي يلعب دورا هاما في إعادة التوازن للسياسة العقابية، بشكل يؤدي الى الابقاء على العقوبة في التشريع من منطلق الظرفية الدولية الحالية، على خلفية تنامي جرائم الإرهاب، وارتفاع وثيرة الجريمة المنظمة.

 

إن عقوبة الاعدام تثير نقاشا قانونيا حول دلالات الحق في الحياة الواردة في الفصل   20الدستور المغربي، ماهي قراءتكم لهذا الموضوع؟

نص الدستور المغربي في (الفصل 20) على الحق في الحياة: " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق".  فالقراءة القانونية التي يمكن تقديمها للحق في الحياة كما ورد في الوثيقة الدستورية، هو ان الحق في الحياة تضمنه الدولة بواسطة القانون ومن خلال التزاماتها باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها كونيا،  فلا يمكن تقديم هذه القراءة الضيقة بان الفصل 20 يرتبط بالمعنى الفيزيائي لبقاء الإنسان على قيد الحياة، وإنما يتكامل الحق في الحياة مع شروط  العيش الكريم والتي تتجسد في السكن اللائق والرعاية الصحية والغذاء الكاف.

فالحق في الحياة كما ورد في الفصل 20،  يجب ان يشمل التدابير التي تكفل المستوى المعيشي الذي يضمن للفرد الكرامة الإنسانية كالماء الشروب والبيئة النظيفة واتخاذ مجموعة من الإجراءات على مستوى الصحة العمومية إضافة إلى تدابير القضاء على أسباب وفيات الأطفال وزيادة المتوسط العمري لدى الساكنة.

ان تنصيص الدستور المغربي الجديد على الحق في الحياة ينسجم الى حد بعيد مع المعايير الدولية لحماية الحق في الحياة بوضع قوانين تجرم القتل والإيذاء الجسدي المؤدي إلى الموت.

 إن الحق في الحياة هو أول الحقوق الطبيعية اللصيقة بالكائن البشري، والتي أكدت عليه مقتضيات المادة  السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في فقرتها السادسة  "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا". فالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أورد الحق في الحياة مقترنا بضرورة حمايته قانونيا وأيضا عدم جواز حرمان أي إنسان من حياته باستعمال أي شكل من أشكال التعسف. والمادة 2 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان تحدد حماية حق الحياة عندما يكون الجنين قادرا على الاستمرار في الحياة والمادة 4 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان تحمي الحق في الحياة منذ لحظة الحمل.

وبهذا يكون أساس الحق في الحياة هو حماية القانون للنفس الإنسانية من جميع أشكال التعسف  وقد نفهم من هذا النص بان القتل العمد يشكل نموذجا للاعتداء واجهاض الحق في الحياة ومثالا للإيذاء والخروج عن القانون، كما ان الاغتيالات السياسية والاعدام خارج القانون تندرج في إطار التعسف على نحو ما جاء في المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.  فتنفيذ الإعدام بدون محاكمة عادلة، هو الذي يشكل إنكارا للعدالة، ويدخل في خانة الإجراءات التعسفية الخارجة عن القانون. كما يترتب على الحماية القانونية للحق في الحياة عدم التذرع بالظروف الاستثنائية، كحالة الطوارئ في تبرير التعسف في حرمان أي شخص من حقه في الحياة.

 

يعرف المغرب نقاشا حول عقوبة الإعدام بين الأسرة القانونية ومكونات الحركة الحقوقية، ما هو تعليقكم على الموضوع؟ 

بالفعل يعرف المغرب، منذ تجربة هيئة الانصاف والمصالحة نقاشا أدى إلى انقسام الآراء حول هذه العقوبة وتأرجح الرأي بين مؤيد لبقاء  عقوبة الإعدام ومطالب بإلغائها، وذلك حسب مبررات كل من الطرفين.

فنساء ورجال القانون هم من أنصار عقوبة الإعدام يعتبرونها فعالة للردع العام وتؤدي إلى انخفاض معدل الجريمة، والأهم حسب آراء أنصار العقوبة العظمى أنها تحقق للمصلحة العليا للمجتمع وتحافظ على استقرار أمنة وحماية حياة الأفراد من الاعتداء عليها من قبل الجناة. يعتبر المؤيدون لعقوبة الإعدام بأن الحكم بهذه العقوبة يشكل وسيلة لردع الجناة وثنيهم من الإقدام على ارتكاب الجرائم وذلك نظرا لما تحدثه في نفوسهم من رهبة وتخوف لكونها تشكل أقسى العقوبات.

كما أن عقوبة الموت تحد من حالات العود للجريمة لأنها لا تسمح للمجرمين المتمرسين والمتسمين بالخطورة بتكرار أفعالهم إذ يستحيل العود مع تنفيذ عقوبة الإعدام التي تضع حدا نهائيا للنشاط الإجرامي. لهذا يحرص المشرع على النص على هذه العقوبة، ردعاً لخطورة الجريمة، وضماناَ لحق الضحايا وعوائلهم.

أما المعارضون لعقوبة الإعدام من مكونات الحركة الحقوقية، فهم يعتبرون عقوبة الإعدام عقوبة غير عادلة لكونها أقرب إلى الانتقام، تتنافى مع إنسانية الكائن البشري لكونها تمس بحق الحياة وبالتالي لا يحق لأحد الاعتداء عليه باسم القانون. فالمدافعون عن حقوق الإنسان، يطالبون الحكومة المغربية على العمل على تعديل القانون الجنائي عبر إلغاء عقوبة الإعدام تماشيا مع المقتضيات الدستورية الجديدة للمملكة المغربية وضرورة تكييف القوانين المغربية مع المستجدات الواردة في المادة 20 من الدستور الحالي، تماشيا مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة  وتدارس  إمكانية المصادقة على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.

فحسب المطالين بالغاء عقوبة الإعدام، ان هذه العقوبة  لا تحقق العدالة ولا الردع ولا التخفيف من الإجرام،حيث أن معظم المجرمين لم تردعهم عقوبة الموت على ارتكاب جرائمهم. إضافة إلى أن الضمانات وحدها غير كافية، فاحتمال الوقوع في الخطأ القضائي هو وارد، وحيث أن الأخطاء القضائية كافية لوحدها للإلغاء عقوبة الموت طالما لا نستطيع تفادي هذه الأخطاء بصورة مطلقة. لذلك فعقوبة الإعدام يمكن استبدالها بغيرها من العقوبات الحبسية مثل عقوبة السجن المؤبد والتي قد تفي بغرض اصلاح الجاني.

ان تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ورد الاعتبار لضحايا الجرائم الخطيرة وعائلاتهم،  يجب أن يقترن بتقنين عقوبة الإعدام في حالات محددة كجرائم الارهاب والجرائم المنظمة والتي تشكل خطرا جسيما على أمن الدولة والسلم الاجتماعي، وفي الحالات الاخرى ربما قد تكون عقوبة السجن المؤبدة أكثر شدة من عقوبة الإعدام، وعلى هذا النحو، فالسجن المؤبد والمحدد قد يشكل عقوبة للجاني ذات فعالية في الردع العام وتحقيقا للمصلحة العامة للمجتمع.