السبت 20 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: "لهذا امتنع الراحل الحسن الثاني عن إجراء مقابلة صحافية في وهران" (2)

الطيب دكار: "لهذا امتنع الراحل الحسن الثاني عن إجراء مقابلة صحافية في وهران" (2) الطيب دكار وغلاف كتابه حول الجزائر
كشف الطيب دكار، المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالعاصمة الجزائر، السر وراء إقدام الملك الراحل الحسن الثاني، في الدقائق الأخيرة، على إلغاء ندوة صحافية كانت مبرمجة في نهاية القمة المغربية الجزائرية في وهران (ماي 1991)، رغم أن مدراء صحف جزائرية مختلفة، ومن وسائل إعلام سمعية بصرية عمومية، جاؤوا من أجل هذا الغرض.
وقال مؤلف الكتاب: "الصحافيون الجزائريون كلهم ينحدرون من مدرسة "الحزب الوحيد"، كان يفتقدون، دون شك، إلى الموضوعية في طرح القضايا التي تخص المغرب. فهم متحيزون بشكل فادح لحزب لا يخفي في كل المناسبات عداءه للجار المغربي. فهم، منذ عقود، كانوا يستعملون قاموسا واحدا بغرض التشهير بالمغرب، وكانوا بالتالي سيجدون صعوبة كبيرة للخروج عن هذا القاموس التشهيري المعتاد في المقابلة مع الملك، وأن يضعوا مسافة إيديولوجية مع "مشغلهم" الحزب الوحيد".
وأوضح مؤلف كتاب "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب"  العوامل التي انعكست سلبا على حرية الإعلام الجزائري، حيث أحكم "الحزب الوحيد" قبضته على الصحف وسائر وسائل الإعلام الأخرى، بسبب الخوف من الاعتقال أو المتابعة القضائية بتهم ملفقة، مما نتج عنه تراجع كبير في الحريات العامة وحرية التعبير، ولم يعد هناك أي صوت مسموع سوى صوت الرّقابة الصحفية والمتابعات القضائية لكلّ من يطرح قضية ذات علاقة بالنظام الحاكم أو أي قضية يحتكرها الجيش، مثل قضية الصحراء التي ترعى الجزائر "تأزمها" بأموال البترول، وهو ما أثّر سلبا على وجود صحافة جزائرية مستقلة، تتمتع بالجرأة والحرية.
وهذا ما أدركه الراحل الحسن الثاني الذي كان يتمتع بمعرفة قوية بالسياسة الجزائرية، وبالتحكم المطلق الذي كان لقيادة الجيش، ومعه زعماء "الحزب الوحيد"، مما دفعه إلى تجنب أي إحراج ديبلوماسي مع الرئيس الشاذلي بنجديد الذي لقي منه حفاوة استقبال كبيرة.
وبخصوص استنكاف الصحافيين الجزائريين عن زيارة الأقاليم المغربية الجنوبية، أكد الطيب دكار أنه "لم يجرؤ أي صحافي جزائري على الذهاب إلى أقاليم المغرب الجنوبية، كما فعل زملاؤهم المغاربة الذين انتقلوا إلى تندوف، وحاوروا زعيم البوليساريو، محمد عبد العزيز. كما أن هذه الحوارات نشرت في الصحافة المغربية، ولم تتسبب في متابعات قضائية أو إدانة إجرامية أو اشتباه في "التعاون مع العدو". كل هذا، والجزائر تعلن أنها ليست "طرفا في النزاع"، وأنه فقط "بلد معني"، كما توضح التصريحات الرسمية للمسؤولين الجزائريين، ومنهم عبد العزيز بوتفليقة الذي صرح أنه "ليس للجزائر  لا ناقة ولا جمل في الصحراء"، سنة 1975. ومع ذلك، فإن العداء للمغرب استمر قائما في صفوف الحزب الوحيد. كما أن الصحافيين الجزائريين القدامى كانوا، في المرحلة البومديينية، يبذلون جهدا كبيرا من أجل إيجاد صيغ مقبولة من طرف دهاقنة الحزب الوحيد، بما فيها النشرة الجوية، تجنبا لأي اتهام بانتقاد النظام، ولو بطريقة ضمنية".
وتابع دكار: "يجب أن أعترف بأنني لم أفهم لماذا يمتنع الصحافيون الجزائريون عن إنجاز ربورطاجات في أقاليم المغرب الجنوبية.  ولم أستوعب لماذا تلقى مدير مكتب وكالة الأنباء الجزائرية بالرباط أمرا بعدم الذهاب أبعد من طرفاية". غير أن ذلك ليس مستبعدا في ظل نظام أظهر محدوديته، بل أدى إلى إفلاس بلده، كما قادته اختياراته إلى الهزيمة. وهذا يفرض على المسؤولين الجزائريين التخلي عن الشعارات الموروثة عن المرحلة "الثورية، التقدمية، الاشتراكية"  التي تجاوزتها الأحداث في أعقاب نهاية الحرب الباردة، ما دامت أصبحت بالنسبة للجزائريين فاقدة للمعنى".
وأوضح المؤلف أن الصحافيين المغاربة يعملون في ظل سقف حرية أعلى من الجزائريين، وانه يتناولون الشأن الجزائرية بحرية أكثر اتساعا وانفتاحا على الآخر، ولو كان هذا الآخر يتعامل مع بلدهم كعدو. وقال: "على عكسهم، تماما، توجهت أنا وزوجتي لزيارة معرض للبوليساريو، بزنقة العربي بن مهيدي بالجزائر، في بداية سنوات التسعينيات. وبعد أن قدمنا أنفسنا، انسحبنا نحن ومضيفينا إلى غرفة خلفية للخوض في قضية الصحراء. وكنا نعترض على محدثينا، لنذكرهم بأن الأمر يتعلق بأقاليم المغرب الجنوبية. وهكذا استمر النقاش في جو من الاحترام دون أن يقدم أي طرف تنازلات، حتى على مستوى القاموس".
وأضاف: "في شتنبر 1995، استجوبت بمدينة بون الألمانية محمد عبد العزيز، في إحدى الندوات الصحافية، التي حضرها 5 صحافيين فقط، وسألته هل ما زال "يتواصل" مع والده الذي ظل بالمغرب. لكنه تفادى الجواب عن سؤالي. وعند خروجنا، أمسك يدي، فسألته "متى سيعود إلى المغرب"، فأجابني بسؤال آخر: "متى سيستجيب المغرب لمطالبنا؟". وهذا يكشف أن البوليساريو ليست منزعجة من حضورنا، ولم نشعر بذلك إلا مرة واحدة حين توجهت زوجة عبد العزيز إلى المستمعين الحاضرين لتخبرهم بأن مغاربة "يوجدون بيننا"، دون أي شيء آخر.  لاحقا، أعلنت البوليساريو استراتيجية أخرى للتحرك، بعدما أيقنت أن نشاطها الديبلوماسي غير كاف، وأنه حان الوقت للقيام بعمليات في الداخل لزعزعة استقرار المغرب. وهكذا رأينا كيف اشتعلت الاحتجاجات في بعض المدن، بتواطؤ من الموالين للبوليسايو في الداخل، وهو ما رحب به في حينه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذى حيى بطولة وشجاعة الساكنة الصحراوية، التي أبدعت، في رأيه، شكلا جديدا من المقاومة في الداخل. بل إن التلفزيون الجزائري ارتكب خطأ فادحا حين بث شريط حول احتجاجات كانت تجري في أجواء ممطرة، في الوقت الذي لم تنزل قطرة مطر واحدة في مدينة العيون التي صورها التلفزيون المغربي مباشرة ردا على هذا الادعاء".