الخميس 28 مارس 2024
رياضة

محمد مرحوم.. مأساة لاعب دولي سابق انتهى على جغرافية الهامش

محمد مرحوم.. مأساة لاعب دولي سابق انتهى على جغرافية الهامش

يعيش اللاعب الدولي السابق في لعبة الكرة المستطيلة محمد مرحوم حاليا أوضاعا أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مأساوية، إذ انتهى به المطاف بعد سنوات من المجد الرياضي وحصد الألقاب إلى أحد أَسِرة دار المسنين عين الشق بمدينة الدار البيضاء في تجاهل شبه كلي من قبل الأسرتين الصغيرة والكبيرة.

 

إعداد: المهدي غزال

 

لأن الشدائد لا تستشير صاحبها في التسلط أو تلتمس له عذر معاناته من مثيلاتها، فإنه ما كان للعنة المرض إلا أن تجثم بدورها على صدر مرحوم بدون رحمة، وتضيف إليه فصلا آخر من فصول القهر والعذاب، الأمر الذي أجبر أطباء مستشفى السقاط الأسبوع الماضي على إخضاعه لعملية جراحية على مستوى الأمعاء. وهناك التقته «الوطن الآن» لتنقل ظروفه على لسانه المثقل بالتعب والحسرة المغلفين بعتاب شديد اللهجة لغدر أهل اللعبة وقبلهم تنكر ذوي القربى اللذين لم يحرك فيهما افتقاره لمأوى خاص ومصدر للرزق أي التفاتة أو إحساس وإن كان إنسانيا.

يقول محمد مرحوم، البالغ 64 سنة، بصوت اختلطت فيه الكلمات بسعال حاد «هذا هو المآل الذي قُذف إليه محمد مرحوم، الرجل الذي أفنى زهرة شبابه في الدفاع عن سمعة الوطن الرياضية، وقدم لحمه للعصا في سبيل إسعاد ملايين المغاربة وحظي بتصفيقاتهم..

ها هو اليوم تراه أمامك بلا مأوى ولا درهم في الجيب يقاسي المرض بين نزلاء دار المسنين»، مضيفا وهو يعاند صعوبة احتباس أنفاسه أنه ليس أمَرَّ على المرء من أن يصطدم بمصير في آخر أيامه على هذا النحو، خاصة إذا كان له ماض ترجت خلاله ألوف المعجبين مجرد أخذ صورة إلى جانبه. إنما وبكل ألم انفض كل هؤلاء من حوله في أصعب مراحل حياته، ليتركوه وسط عزلة قاتلة بلا سؤال أو جواب.

محمد مرحوم لاعب رياضة الريكَبي الذي كان بالأمس يزلزل الأرض من تحت أقدام خصومه على بساط اللعبة، لا يقوى اليوم على حمل كأس ماء لابتلاع حبة دواء مسكنة تنسيه ولو مؤقتا متاعبه العضوية وجروح أعماقه النفسية. ومع ذلك يغالب ضعفه الجسدي ويبلغ كلاما يراه جديرا بالوضع على مشرحة التشخيص من أجل بعث رسائل تتجاوزه كبطل دولي سابق إلى كل من يأتمن الأضواء وابتسامات الوجوه الخادعة لحظات الشهرة والعطاء، بمعنى «ملي كيكون فيك مايدار»، حسب تعبيره.

 

عطيت لحمي لعصا بخاطري وأصبحت كناكل فيها بزز مني

محمد مرحوم من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1950، ومن أصول اولاد سيدي رحال اولاد سعيد. بدأ مشواره الرياضي سنة 1968 حين لفت نظر المعد البدني ولاعب الريكَبي وقتها مجيدي خلال الألعاب المدرسية بثانوية مولاي عبد الله ليأخذه إلى نادي الشرطة. ومن هناك انتقل بين الأخير ونادي الأولمبيك البيضاوي والمنتخبين الوطنيين للشبان والكبار إلى غاية سنة 1981. مع العلم أن أول مشاركة له بالنخبة المغربية كانت يوم 12 أبريل 1969 في مدينة برشلونة الإسبانية برسم منافسات كأس الأمم التي فاز فيها المغرب في نصف النهاية على ألمانيا قبل أن ينهزم أمام المجموعة الفرنسية «ب» في المباراة النهائية. وخلال هذه الفترة لعب إلى جانب الرئيس السابق للجامعة الملكية للريكَبي سعيد بوحاجب وكمال لحلو ولمهور وميلود وجمالي وبرونكا وبنقصو وحمدي والسويمي والأخوان بوغجا والشواف وبرقوق وغيرهم ممن لم تسعفه الذاكرة على استحضارهم تحت قيادة المدرب «مسيو راي».

مرحلة، يعترف مرحوم، بأنه اقتحمها عن حب وطواعية، وبما حملته من رغبة «باش نعطي لحمي لعصا من أجل الوطن. لكن العصا الحقيقية والأشد ألما هي اللي مازلت كنتجلد بها الآن بزز مني..»..

 

حين تحالفت «صوناداك» مع غدر ذوي القربى وتنكر الجهاز الرياضي

لم يخف مرحوم وهو يعود بذاكرته إلى سنين خلت، إحدى اللحظات الشاهدة على الإسهام في تعميق أزمته الحالية، والتي فوت والده أثناءها ممتلكاته إلى ابنة أخته. الواقعة التي حرمت نزيل دار المسنين من أي حق للتصرف في الموروث ويفاجأ ليلة 26 من رمضان 2012 بقرار طرده من البيت الذي كان يسكنه كمرحلة شاهدة على أولى مواجهات تيهه بين أزقة وشوارع التشرد. وليس العائلة من كانت قاسية حياله فقط، وإنما أيضا شركة «صوناداك» التي تخلفت عن إيفاء وعودها القاضية بمنحه شقة في حي النسيم عقب تفعيل أوامر السلطات بهدم بيته في درب بنحمان وسط المدينة القديمة بالبيضاء التي تظل فارغة من أي تنفيذ واقعي لما يزيد عن 6 سنوات على الرغم من عشرات الشكايات والتظلمات التي راسل بها المسؤولين ضدا على مراوغات التسويف والمماطلة.

ولحد الساعة، يتأسف مرحوم، مازال يذوي في أذني صوت «الباب اللي تردخ ورائي» وأنا ألتفت إليه بعجز تام عن أي ردة فعل سوى كتم ذلك الوقع المهين في صدري، وانتظار رحمة السماء بعد أن تحجرت قلوب من في الأرض.

غير أنه وللأمانة، يستدرك من صنع أفراح المغاربة سابقا، لا أنكر وأنا في عز تعاستي مبادرات بعض فعاليات المجتمع المدني منهم الأخت فوزية التي تزورني بالمستشفى، ورجال الإعلام الذين يؤنسون وحدتي من حين لآخر بمأوى العجزة، فضلا عن حسن مغيث والحاج كتبي الذي كان لأخته الفضل بعد الله تعالى في تمكيني من سرير بدار المسنين.

فلكل هؤلاء ألف شكر مني. أما لمن تنكروا لي سواء من عائلتي القريبة أو الأسرة الرياضية، ووضعوا أصابعهم في آذانهم لعدم سماع استغاثتي وهم يتفرجون علي وأنا على جغرافية الهامش، فليس لدي ما أقوله لهم سوى «اللي ما خرج من الدنيا ما خرج من عقايبها».