الثلاثاء 16 إبريل 2024
في الصميم

لماذا لا يعزل الملك الوزير الوفا؟

لماذا لا يعزل الملك الوزير الوفا؟ عبد الرحيم أريري

الآن ظهرت الأسباب الحقيقية التي جعلت عبد الإلاه بنكيران يصر على الاحتفاظ بمحمد الوفا كوزير في النسخة الثانية من الحكومة الإسلامية. فبعد أن فرغت بطاريات رئيس الحكومة الخاصة بالزعيق ويئس من «التبوريدة»، وبعد أن مل الرأي العام خرجاته التافهة، فكر عبد الإلاه بنكيران في تسخير وزير للقيام بالأدوار الوسخة من «تجريح» و«تخوين» و«تكفير»، فاهتدى إلى بروفيل محمد الوفا لثلاثة أسباب:

أولا: أن الوزير الوفا أصبح لقيطا بدون بنوة حزبية شرعية بعد أن لفظه حزب علال الفاسي.

ثانيا: أن الوفا استمرأ الريع السياسي في عهد الحسن الثاني حينما شغل منصب سفير لمدة 15 سنة بدون أن يجني المغرب أية قيمة مضافة في البلدان التي عين فيها الوفا؛ وصعب عليه التأقلم في حالة حرمانه من «الريع الحكومي».

ثالثا: الوزير الوفا افتتن بالوهابية وبالتنظيمات الجهادية لدرجة أنه لم يتردد في التنافس مع أقطاب التكفير من قبيل أبو النعيم وأبو قتادة و«أبو بوطاكاز»، لدرجة أنه يمكن تسمية الوفا بزعيم تنظيم «التكفير الاقتصادي» حينما تجرأ بوقاحة ومنع أحمد لحليمي المندوب السامي للتخطيط من تقديم أرقام حول التوقعات الاقتصادية، علما أن المؤسسة الدستورية الوحيدة التي لها قدرات تقنية لإنجاز التوقعات هي المندوبية السامية للتخطيط.

فالملك لما أمر بإحداث مندوبية سامية للتخطيط، فذلك لأنه استرشد بما يجري في البلدان المتمدنة التي تتوفر على مؤسسات إحصائية مستقلة تؤمن جزءا من الحياد في إنتاج المعلومة الاقتصادية والإحصائية، بالنظر إلى أن الحكومة (كل الحكومات) تعمل على محاولة تلميع منجزاتها. وهذا ما سبق أن عشناه مع حكومة الأستاذ إدريس جطو وحكومة الأستاذ عباس الفاسي، وهما معا (جطو والفاسي) سبق وعاشا احتكاكا مع المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي، لكنه تماس حضاري وأنيق لم ينزل إلى احتقار الدستور واحتقار الظهائر الملكية واحتقار المهندسين والباحثين في المندوبية السامية، بل سبق ووقع احتكاك في عهد حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي والأستاذ عبد الحميد عواد لما كان هذا الأخير مسؤولا على الاحصاء، ومع ذلك بقي النقاش محصورا في دائرة التعقل والاتزان، خاصة وأن المندوبية السامية للتخطيط هي الجهاز الوحيد الذي يفتخر به المغرب لدى المجتمع الدولي، على اعتبار أن صندوق النقد الدولي لم يعتمد أي مؤسسة من العالم الثالث سوى مندوبية أحمد لحليمي، لأن التدقيق الذي قاربه صندوق النقد الدولي جعله يقبل المغرب في النظام المعياري للإحصاء التابع لصندوق النقد الدولي. وبناء على هذا الاستحقاق أدخل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي المغرب في رادار التكوين عبر انتداب أطر مغربية تتولى الإشراف على تكوين خبراء في دول إفريقية عديدة (آخرها ما تم في ليبيا والجزائر)، فضلا عن اختيار خبراء المغرب للمشاركة في ثلاث دراسات حول النمذجة والاقتصاد.

طبعا، أرقام المندوبية ليست قرآنا بل هي مجرد توقعات (انظر الحوار مع الأستاذ المرغادي في ص: 10) والحسم لا يتم إلا بعد صدور الحسابات الوطنية. كما أن التوقع يبنى على فرضيات، والتوقع بطبيعته يتغير ويراجع. وهذا ما هو جاري به العمل به في كل دول المعمور، اللهم إذا كان المرء جاهلا أو «بوقا». فالمندوبية خلقت لتقدم الواقع لملك البلاد ولرجال الأعمال بالبلاد وللأحزاب بالبلاد، ولم تخلق ليتحول المندوب السامي إلى «سيرور» (Sireur) يلمع أرقام الحكومة. إن الذي يجلب الاستثمار ليست هي أرقام المندوبية أو أرقام بنك المغرب، بل هو الاستقرار السياسي والجبائي والاجتماعي والأمني في الدولة، وهذا ما لم يفقه فيه الرئيس بنكيران أو الوزير الوفا مكبر صوته (Amplificateur).

فالوزير الوفا بدل أن يعتمد قاموس «الزنقة» في راديو «أصوات» (انظر ص: 9)، كان عليه أن يناقش طبيعة النموذج الاقتصادي وفرضيات هذا النموذج. كما كان عليه مقارعة أحمد لحليمي في الأرقام المعتمدة في السنوات الأخيرة، وهل كانت صحيحة وتقريبية أم كانت بعيدة كل البعد عن التوقع الصادق (انظر الجداول في صفحات الغلاف).. وكان على الوزير الوفا أن يسائل لحليمي هل تم إدماج القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في إسقاطات المندوبية أم لا؟

بهذا الأسلوب كان الوزير سيقرب بين المؤسسات لتنتعش الثقافة الاقتصادية ويتقوى التفكير الاقتصادي (وليس التكفير الاقتصادي!)، أما السب والقذف في أعراض الناس فما عهدنا وزيرا يعتمد ذلك حتى في سنوات الرصاص، فأحرى في عهد محمد السادس وفي عهد الدستور الجديد.

أفلا ينهض ذلك سببا لعزل الوزير محمد الوفا من منصبه من طرف الملك محمد السادس؟

عبد الرحيم أريري