الأربعاء 31 ديسمبر 2025
اقتصاد

الوكالة المغربية للأدوية في مرمى الجدل.. إصلاح مؤسساتي أم أزمة حكامة؟

الوكالة المغربية للأدوية في مرمى الجدل.. إصلاح مؤسساتي أم أزمة حكامة؟ جدل الوكالة المغربية للأدوية بين الإصلاح واختلالات الحكامة
منذ أسابيع، تعيش الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية على وقع جدل متصاعد، تقاطع فيه بلاغات نقابية وحقوقية تتحدث عن اختلالات خطيرة في الحكامة والموارد البشرية، مع بلاغات رسمية تنفي "أي شلل" أو "فشل تنظيمي"، وتؤكد استمرار الاشتغال وتحسن الأداء وفق المعايير الدولية. جدلٌ يطرح أسئلة عميقة حول واقع الأمن الدوائي بالمغرب، وحدود الإصلاح الذي جاء به تحويل مديرية الأدوية والصيدلة إلى وكالة عمومية.
 
أُحدثت الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية في إطار القانون 10.22، ضمن ورش الإصلاح العميق للمنظومة الصحية، بهدف تعزيز الحكامة، وتسريع مساطر التسجيل، وتقوية السيادة الدوائية واللقاحية. غير أن هذا الانتقال المؤسسي لم يمرّ، بحسب فاعلين مهنيين ونقابيين، دون كلفة بشرية وتنظيمية ثقيلة.
 
في هذا السياق، يرى الدكتور عريوة محمد، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة،في تصريح ل_"أنفاس بريس "  أن إحداث الوكالة "خطوة إصلاحية مهمة"، لكنها "لا تزال في مرحلة بناء ونضج مؤسساتي، ولم تحقق بعد الفعالية التنظيمية المرجوة وفق المعايير الدولية، خاصة أداة التقييم العالمية (GBT) المعتمدة من طرف منظمة الصحة العالمية".
 
أخطر ما ورد في البلاغات النقابية والحقوقية هو الحديث عن "الاستغناء عن أكثر من 200 إطار من ذوي الكفاءة والخبرة"، وهو ما اعتُبر ضربة مباشرة للرأسمال البشري للوكالة، وأحد أسباب تباطؤ أدائها.
 
المنظمة الديمقراطية للصحة حمّلت الإدارة مسؤولية خلق ظروف دفعت هذه الكفاءات إلى المغادرة، معتبرة أن ذلك كان بالإمكان تداركه عبر آليات قانونية، كالإلحاق أو إعادة الانتشار، حفاظاً على استمرارية المرفق العام.
 
من جانبه، يربط الدكتور عريوة محمد، تعطل أو توقيف إصدار شواهد التسجيل والتصاريح "بإشكالات التنظيم والحكامة الداخلية، وتدبير الموارد البشرية، واستقرار الكفاءات العلمية داخل الوكالة"، محذراً من انعكاسات مباشرة على وتيرة تسجيل الأدوية، وجاذبية الاستثمار، واستدامة تزويد السوق الوطنية.
 
تشير البيانات النقابية إلى "شلل شبه تام" في إصدار شواهد التسجيل والتصاريح، معتبرة أن الوكالة باتت عاجزة عن إصدار سوى عدد محدود جداً شهرياً، مقارنة بآلاف الشواهد التي كانت تصدرها المديرية سابقاً.
 
في المقابل، أصدرت الوكالة بلاغات تؤكد استمرار معالجة الملفات دون انقطاع، مستشهدة بتسجيل 543 مستلزماً طبياً جديداً خلال أكتوبر 2025، ومواصلة أشغال اللجان المختصة، رغم تأجيل بعض الاجتماعات التقنية، مثل اجتماع اللجنة الوطنية الاستشارية للأجهزة الطبية من 25 دجنبر 2025 إلى 8 يناير 2026، مع التأكيد على أن التأجيل "لا يترتب عنه أي توقف في معالجة الملفات".
 
هذا التباين بين الخطاب الرسمي والمهني يطرح سؤالاً مركزياً: هل يتعلق الأمر بتباطؤ ظرفي مرتبط بإعادة الهيكلة، أم بأزمة تنظيمية أعمق؟
 
زاد الجدل تعقيداً مع صدور بلاغ الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، الذي تحدث عن "إخفاق تاريخي" للمغرب في نيل مستوى النضج الثالث (ML3) وفق تقرير تدقيق لمنظمة الصحة العالمية بتاريخ 12 دجنبر 2025، معتبراً أن ذلك يهدد موقع المغرب إقليمياً ودولياً، ويقوض مشروع السيادة اللقاحية.
 
في المقابل، نفت الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية بشكل قاطع صحة هذه الادعاءات، مؤكدة أن مسار تقييم النظام الوطني لتنظيم الأدوية واللقاحات وفق أداة (GBT) "لا يزال متواصلاً ولم يبلغ مراحله النهائية"، وأنه "لم يصدر إلى حدود الساعة أي تقرير نهائي يمنح المغرب مستوى ML3 أو غيره".
 
وأوضحت الوكالة أن خبراء منظمة الصحة العالمية قاموا بمهمة ميدانية بالمغرب ما بين 8 و12 دجنبر 2025، رصدت "تحسناً ملموساً وذا دلالة في أداء النظام الوطني للتنظيم الدوائي"، على أن تُعلن النتائج الرسمية حصرياً بعد المصادقة النهائية من طرف المنظمة.
بلاغ الشبكة الحقوقية لم يقتصر على ملف GBT، بل وجّه انتقادات حادة لمنظومة تسعير الأدوية، متحدثاً عن "تغوّل اللوبيات وفوضى الأسعار"، ومطالباً بتفعيل الدور الدستوري لمجلس المنافسة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان استقلالية حقيقية للوكالة.
 
في المقابل، تحذر الوكالة من تداول "تقديرات قُدمت على أنها نتائج رسمية دون سند مؤسسي"، معتبرة أن ذلك من شأنه تضليل الرأي العام والمساس بمصداقية الإصلاحات الجارية.
 
بين خطابين متعارضين، يبرز صوت مهني وسطي، يمثله تصريح الدكتور عريوة محمد، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، الذي يدعو إلى:تعزيز استقلالية الوكالة،وإعادة عدد من الأطر ذات الخبرة،
مع ضرورة تسريع معالجة ملفات التسجيل والتراخيص في إطار الشفافية،وتفعيل ألية التواصل الصريح مع الرأي العام.
 
وهو ما يضع الدولة، ممثلة في رئاسة الحكومة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أمام اختبار حقيقي: هل ستنجح لجنة التدقيق التي أُعلن عنها في تشخيص الاختلالات وتقديم حلول عملية، أم سيظل الجدل قائماً، بما يحمله من مخاطر على الأمن الصحي والدوائي للمغاربة؟

التحقيق في وضع الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية يكشف أن الإشكال لا يختزل في "نجاح أو فشل" مطلق، بل في مرحلة انتقالية حساسة، تتداخل فيها رهانات الإصلاح مع صعوبات الحكامة والتدبير. وبينما تؤكد الوثائق الرسمية استمرار الاشتغال وتحسن بعض المؤشرات، تحذر أصوات نقابية وحقوقية من كلفة بشرية وتنظيمية قد تقوّض أهداف الإصلاح، إن لم تُعالَج بسرعة وبقدر عالٍ من الشفافية والمساءلة.