السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

رشيد الحاحي:رسالة إلى النخب والقوى الحية والمواطنة التونسية

رشيد الحاحي:رسالة إلى النخب والقوى الحية والمواطنة التونسية رشيد الحاحي
أيتها السيدات، أيها السادة الأفاضل في تونس الشقيقة،
لا شك أنكم تفاجأتم كما تفاجأنا نحن في بلدكم الشقيق المغرب بالقرارات السياسية العدائية والمثيرة للاستغراب التي اتخذتها السلطات الجديدة في بلادكم اتجاه مصالح بلادنا، وآخرها إقدام رئيس الدولة قيس سعيد على استضافة جبهة اليوليزاريو في مؤتمر التعاون الاقتصادي الياباني الافريقي الذي احتضنه تونس، بل وتخصيص استقبال رسمي للمسمى أمينها العام، في سابقة مثيرة خارجة عن قواعد السياسة الدولية وأعراف الأمم المتحدة، وفي استفزاز عدائي لمصالح بلادنا ولمشاعر الشعب المغربي وقواه الحية.
تعلمون جيدا، أيها الإخوة والأخوات في تونس الشقيقة، أن بلدينا تربطهما أواصر وشيجة تاريخية وحضارية، وعلاقات جوار إقليمي ومغاربي وطيدة واستراتيجية، ومصالح متكاملة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية يتأكد معها المصير المشترك لبلدينا والحاجة الملحة والأنية للعمل الجاد والناضج من أجل تخطي كل الإشكالات والتحديات خدمة لمصلحة الشعبين المغربي والتونسي وتوقهما إلى وضع وحياة أفضل ومستحقة على كافة المستويات، خاصة في وضع دولي وإقليمي معقد ومفتوح على الكثير من الاحتمالات والنكوص. وبدل أن يكون هذا الوعي والاستيعاب الناضج للطرفية والرهانات والمصير المشترك هو المؤطر للسياسات الخارجية، أبت السلطات الجديدة في بلادكم إلا أن تخون مشتركنا ومصيرنا وأن تقدم على خطوات سياسية متهورة في عناد ينم عن قصر نظرها ونضجها السياسي ووعيها لطبيعة الصراع المفتعل الذي حشرت فيه نفسها، رغم أن دولة وشعب تونس ظلا على الدوام يحرصان على إما أن يلعبا دورا إيجابيا لحل النزاع أو التزام الحياد في أصعب الظروف التي مر منها خاصة خلال الحرب الباردة وأوج سياسات خلق وتمويل الصراعات وتقسيم الدول واستغلال الأوطان.
إن الفعل السياسي المشين الذي أقدمت عليه السلطات الجديدة في تونس، يعتبر عملا عدائيا صريحا لم يسبق أن حصل بهذا الشكل والسياق مع دول وأنظمة أخرى، خاصة أنه جاء في سياق تحولات دولية كبرى في التعاطي مع الملف، ومنها اعتراف دول كبرى في العالم بمغربية الصحراء واعتبار مقترح الحكم الذاتي الحل الموضوعي ذا مصداقية والقابل للتحقق، وإقدام عشرات الدول من عدة قارات على فتح قنصلياتها بالأقاليم الجنوبية لبلادنا، مما يعني بأن القرار المستفز لسلطات بلادكم الجديدة في هذه الظرفية، هو قرار خارج المعطيات الموضوعية لتطورات الملف والسياق الدولي، وبالتالي لا يعدو أن يكون قرارا "غير سيادي" لأنه لا يستحضر المصالح والوضع الاعتباري لتونس في المحيط الإقليمي والمغاربي، والتطورات الجيو استراتيجية في منطقة شمال إفريقيا وجنوب الساحل بل وفي العالم.
كما أن هذا العمل العدائي "المجاني" ضد المغرب، وإن كان مؤدى عنه بثمن بخس، وفي هذا التوقيت الحساس، يظهر أن سلطات الرئاسة في تونس، للأسف الشديد، تفتقد إلى الوعي الاستراتيجي والكفاءة السياسية لاستثمار مثل هذا المؤتمر في الاتجاه الصحيح الذي يخدم فعلا مصالح الشعوب الإفريقية.
أيها السادة والسيدات في الشقيقة تونس،
نتمنى صادقين أن تعملوا من أجل وقف هذا التدهور في سياسات من يتولى زمام السلطة ظرفيا في تونس، وحفظ مصالح بلدينا الاستراتيجية وخدمة مصيرهما المشترك بحس تاريخي ومستقبلي ممتد، بدء برفض وشجب القرارات غير الناضجة وغير المفيدة للسلطات الجديدة في بلدكم وعلى رأسها سعيد قيس ومن معه.
 
رشيد الحاحي، أستاذ باحث وفاعل مدني