الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الله بوصوف: مغاربة العالم وثُـنائية الحكامة والسياسات العمومية..

عبد الله بوصوف: مغاربة العالم وثُـنائية الحكامة والسياسات العمومية.. عبد الله بوصوف
الدعوة لإعـادة قراءة خطاب عيد ثورة الملك و الشعب ليوم 20 غشت لسنة 2022، هي عودة للوقوف بشكل أعمق على رسائل و دلالات التفكيك القوي لمرحلة مفصلية يعيشها المغرب في ظل متغيرات دولية لها علاقة بملف الصحراء المغربية وأيضا بالظروف العالمية كتداعيات كوفيد وأيضا الحرب الدائرة في أوكرانيا و حرب الحبوب والطاقة وتداعيات التغييرات المناخية (لحرائق وقلة الأمطار…) و غيرها من العوامل المؤثرة في معادلات العلاقات الدولية…
 
وإذا كانت روح ثـورة 20غشت 1953 قـد طبعتها التضحية والتضامن والالتفاف حول المقدسات الوطنية والترابية..فإن نفس هذه الثوابت أمًنَتْ للمغرب البقاء واقفا على رجليْه و سمحت له بفرض شروطه و أن لا يُـفاوض على صحرائه وأنها مقياس صِدق الصداقات و نَجاعة الشراكات…
 
فالقيام بقراءات متعددة للخطاب هي قراءة جديدة في دلالات لحظات التوشيح الملكي أو الإشادة الملكي بمغاربة العالم بما فيهم اليهود المغاربة، بأرفع الأوسمة، نظير دورهم المحوري في الدفاع عن ملف الوحدة الترابية في بلدان الإقامة أو في أعمال التضامن مع الأسر المغربية أو عمليات الاستثمار و التنمية…
 
الأكيد أن الخطاب سيكون لـه ما بعده، والمؤكد أنه سيُؤسس لمرحلة جديدة في ما يتعلق بقضايا ومؤسسات الهجرة سواءً من خلال الإطار التشريعي لتلك المؤسسات أو من خلال نموذج الحكامة وسؤال السياسات العمومية المتعلقة بقضايا مغاربة العالم..
 
وذلك في أُفُـق الإجابــة على انتظارات مغاربة العالم فيما يخص عراقيل المساطر الإدارية أو مآلات ملفات الاستثمار وكذا التاطير الديني والتربوي ووشائج الهوية المغربية…وكذا احتضان الكفاءات والموهوبين المغاربة بالخارج ومواكبة الشباب حامل المشاريع والمبادرات…
 
بالمقابل فقد حدد الخطاب بدقة كبيرة إحداثيات خارطة طريق جديدة، تناولت عمليات التحديث والتأهيل للإطار المؤسسي، وهو ما سيتطلب تـدخل المشرع لتعزيز الترسانة القانونية، سواء في إطار إختصاصات الحكومة أو البرلمان، وهو ما عبر عنه الخطاب بالإطار التشريعي..
 
إن تعــدد المتدخلين والمؤسسات المكلفة بالهجرة والمتمثلة في وزارة الخارجية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني ومجلس الجالية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة التعليم وغيرها …يضعنا أمام العديد من البرامج المتضاربة أو المتعارضة أو المكررة أحيانًا من جهة، ويخلق نوعا من التنافسية و عدم التكامل وغياب الانسجام بين كل تلك المؤسسات من جهةٍ ثانية … وهو ما وقف عليه بالفعل تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات في سنة 2018 بخصوص العرض الثقافي الموجه لمغاربة العالم خلال سنتي 2016 و2017، وهو التقرير الذي حمل خُلاصات صادمة تتعلق بعدم التكامل وعدم التتبع وقياس الأثــر..الشيء الذي يرفع من درجة استعجال " إطار تشريعي " جديد يُحدد اختصاصات كل مؤسسات الهجرة بـدقـة، ويضمن مساحات مهمة للتكامل و التعاون بينها .. ويَمنع تعارضها و تضارب اختصاصاتها …
 
ليس هذا فحسب ، بل إن التحديث و التأهيل المؤسسي ، يعني أيضا الشروع في تنزيل الفصل 163 و إخراج قانون تنظمي لنسخة جديدة لمجلس الجالية تضمن له " الإحالة الذاتية " و " المبادرة " في إبـداء آرائه في كل الإجراءات و القوانين التي لها علاقة بقضايا مغاربة العالم ..على اعتبار أن مجلس الجالية هو المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها توفير المعرفة العلمية لكل قضايا الهجرة ، بفضل تراكم سنوات طويلة في البحث العلمي و القيام بدراسات في ظاهرة الهجرة اعتمادا على العلوم الإنسانية والاجتماع والتاريخ وغيرها…هذا مع التذكير بضرورة مراجعة الاطار التشريعي لمؤسسات قوية من حجم وزارة الخارجية ومؤسسة الحسن الثاني ذات طابع اجتماعي و ثقافي وخطوط التماس مع وزارة التعليم أو الثقافة أو الأوقاف و الشؤون الإسلامية والمجلس العلمي المغربي بأوروبا..
 
فالمعنى القوي كمصطلح " الإطار المؤسسي الخاص بفئة مغاربة العالم "، يجعلنا نميل الى أن نص الخطاب شمل كل مؤسسات الهجرة رغم تعددها وتنوعها…وبالتالي إخضاعها أيضا لكل عمليات التحديث والتأهيل..لما فيه مصلحة مغاربة العالم…
 
وقــد كانت " إعادة النظر في نموذج الحكامة بالمؤسسات الموجودة قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها…" إحدى أهم الفقرات القوية في خطاب الثورة لسنة 2022، إذ وُجُوب إعادة النظر لم يـشمل " مؤسسات " الحكامة الواردة في الوثيقة الدستورية، بل " نموذج " الحكامة…وهو ما يطرح إشكالية ثـنائية الحكامة و صناعة السياسات العمومية الخاصة بمغاربة العالم…؟.
 
ويظهر من خلال تعريف مصطلح " السياسات العمومية " حسب معهد الدراسات العمومية بفرنسا بأنها " مجموع القرارات والاعمال والتدخلات المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين و الاجتماعين لاجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي ما "..
 
بمعنى أن السياسات العمومية يقوم بها الفاعل المؤسساتي/ الحكومي بالإضافة الى الفاعل الاجتماعي والذي يمكن أن يكون نُخبا في العلوم الاجتماعية و الاقتصاد والاجتماع أو هيئات استشارية / عمالية / مهنية…
 
وهنا لابد من استحضار الفصل 163من الدستور حيث خص المشرع الدستوري مجلس الجالية بإبداء آرائه بخصوص توجهات السياسات العمومية في مجالات الهوية و حقوق مغاربة العالم و مساهمتهم في تنمية الوطن.
 
وإذا كنت السياسات العمومية هي مجال اشتغال وتطبيق الحكامة… والتي تعني من خلال التعاريف المفاهيمية بأنها طريقة تدبير السياسات العمومية والموارد الاقتصادية لتحقيق التنمية الاجتماعية…فإنه من البديهي طرح سؤال الحكامة الجيدة أو تخليق الحياة العامة.. وهو الأمر الذي تناوله المشرع المغربي سواء في تصدير دستور2011، أومن خلال العديد من الفصول الدستورية خاصة الفصل13 وكذا دسترة مؤسسات الحكامة الجيدة من 161الى 170 والفصل 151 والخاص بالمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي..
 
لذلك وحتى نعيد النظر في نموذج الحكامة بالمؤسسات الموجودة (الخاصة بمغاربة العالم) …فإنه يتوجب على الفاعل الحكومي أن يجعل من كل المؤسسات وهيئات الحكامة المكلفة بمغاربة العالم ..شريكًا حقيقيًا في القرار السياسي وفي تنفيذ برامج السياسات العمومية المتعلقة بمغاربة العالم.. وليس كغريم سياسي ومنافسه في السلطة…وهو ما سيرفع لا محالة من نجاعتها ويضمن تكاملها وتطبيقا لمبادئ الحكامة الجيدة في السياسات العمومية…
 
لأنه لا يمكننا الاستمرار في حالة تجاهل الفاعل التشريعي (برلمان وحكومة) لقضايا مغاربة العالم والتعامل معها بكيفية مناسباتية فقط كشهر رمضان أو عملية عبور..إذ كيف نفسر انه طيلة الولاية التشريعية التاسعة 2011/ 2018 لم تنـل قضايا مغاربة العالم الاهتمام الواجب و اللازم داخل قبة البرلمان فمين بين 23077 سؤالا كتابيًا لكل القضايا، كان نصيب قضايا مغاربة العالم134 سؤالًا فقط أي بنسبة 0,58 في المائة.. ومن بين 9583 سؤالا شفويا لكل القضايا، كان نصيب مغاربة العالم 113سؤالا فقط…اجابت الحكومة عن 77 سؤال كتابي و51 سؤال شفوي بمجموع 128 إجابة…نعتقد ان لغة الأرقام ليست وجهة نظر بل حقيقة دامغة تُعجل بضرورة إعادة النظر في نموذج الحكامة كما جاء في خطاب الثورة لسنة 2022…
 
ومن جانب آخر، فإن خارطة الطريق نبهت إلى ضرورة انفتاح قطاع المال والأعمال الوطني والمؤسسات العمومية على الكفاءات والمواهب الشابة من مغاربة العالم من أجل دعمهم وتمكينها بعد تعثر العديد من البرامج الحكومية الخاصة بالكفاءات والمواهب مثل " فينكوم " و " مغربكم " و الجهة 13"… أكثر من هذا فالطريق مُعبـد الآن للتعجيل بخلق " وكالة ثقافية " تحتضن أفكار وأحلام الأجيال الجديدة و تقدم صورة إيجابية عن مغرب اليوم ..
 
إن التعجيل بتنزيل فلسفة مضامين خطاب 20 غشت يجب أن يحتل مراتب الأولوية في الولاية التشريعية الحالية حتى نكون قادرين جميعًا على تقديم الإجابة لسؤال جلالة الملك…ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن..؟.