أكد إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن حرص المغرب على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه التقليديين، لم يمنعه من التوجه نحو تنويع شراكاته الاستراتيجية، كما أنه أيضا ليس بمنأى عن التحديات السياسية والأمنية والدبلوماسية الجسيمة والحاسمة، التي تعني مصير قضية الصحراء المغربية.*
جاء ذلك في مقال توصلت جريدة "أنفاس بريس" بنسخة منه، ضمن سلسلة المقالات التي يطرح فيها إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، تحليله للقضايا الكبرى للبلاد:
رسمت مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، معالم حصيلة عشرية أخيرة في التعاطي المحمود والمثمر لقضية الوحدة الترابية، وهو ما يمكن اعتباره نقطة تحول جوهرية للدبلوماسية الملكية التي أضحت أساس دينامية المواقف العلنية المؤيدة لسيادة المغرب على صحرائه، والتي يتم التعبير عنها على المستويين الاقليمي والدولي.
كما أن الخطاب كذلك مترابط وبشكل موازي تطرق إلى أهمية تعزيز وحدة الجبهة الداخلية، والدعوة إلى مواصلة التعبئة لكل المغاربة داخليا وخارجيا صونا للمكتسبات التي تحققت.
تتمحور الرؤية الملكية حول ما تتطلبه هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها العالم، وذلك الدور المتنامي للعمق الاستراتيجي الذي أصبح المغرب يلعبه.
أصبح المغرب يراهن على لغة المصالح القائمة كمعيار اساسي لتقييم أي قرار تتخذه مختلف العواصم العالمية في الوقت الراهن، وهو ما يعني أن المغرب في تقييمه الدبلوماسي، لم يعد يريد أن يبقى أسيرا للدبلوماسية السرية، كان السياق السابق قد فرضها مع حلفائه التقليديين، كما لم تعد هناك ثمة رغبة في مجاراة حلفاء جدد محتملين بالمثل.
دافعه في ذلك كون هذا التبادل الدبلوماسي تغيب فيه المكاشفة، وتكون معاملاته عرضة للابتزاز والمساومة الدائمين حول نزاع أرهق جهود العالم دون حل في الأفق.
الجرد التسلسلي خلال هذا الخطاب لجملة المكاسب التي حققتها الدبلوماسية الملكية في ظرف زمني قياسي، بدءا بالاعتراف المحفز للولايات المتحدة الأمريكية والذي برهن على ثباته في وجه متغير سدة حكمها مرورا بالتأييد المتنامي لقوى أوروبية وازنة، ودول من مختلف أرجاء إفريقيا واخرى بأمريكا اللاتينية، ومنطقة الكاريبي، ترجمه ميدانيا وجود ثلاثين قنصلية موزعة بين مدينتي العيون والداخلة، وصولا إلى الاعتراف المدوي الرسمي الإسباني وهو ما أعطى زخما قويا في معركة إثبات سيادة المغرب على إقليم الصحراء المستعمرة الإسبانية سابقا وما لذلك من أبعاد تاريخية وقانونية تعزز مشروعية مطالب المملكة.
كل هذا وذاك ينم عن التفسير بكون المغرب بلد مستقل في قراره، وأنه انتهج استراتيجية جديدة في علاقاته بالقوى الكبرى، بحثا عن موقع جديد في عالم متعدد الأقطاب.
إن حرص المغرب على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه التقليديين، لم يمنعه من التوجه نحو تنويع شراكاته الاستراتيجية، كما أنه أيضا ليس بمنأى عن التحديات السياسية والأمنية والدبلوماسية الجسيمة والحاسمة، التي تعني مصير قضية الصحراء المغربية.
فبالإضافة إلى التهديدات المتتالية لزعزعة استقرار كامل المنطقة المغاربية، ينضاف في الحسبان العودة الانية لدبلوماسية النفط والغاز للواجهة، والتي من المرجح أن تستعملها الجارة الشرقية كورقة للمساومة واستمالة مواقف دول أوروبية وغير أوروبية ضدا على الوحدة الترابية للمملكة، علما أن اهتماما أوروبيا متزايدا بالغاز الجزائري الذي يشكل سيناريو محتمل لتفادي أزمة الغاز المرتقبة هذا الشتاء، وتداعياتها العسيرة على اقتصاد ووضع الاوروبيين.
تجليات هذا التوجه الملكي، ما فتئت تعكسه وتيرة تقوية الشراكات القطبية من خلال بروتوكولات التعاون الاقتصادي والصناعي وكذا الأمني والدفاع الاستراتيجي، جعلت من ذلك قاعدة برغماتية تؤطر السياسة الخارجية للمملكة الشريفة، وربما كان ذلك من وراء التأييد الواسع للمشروع الوحدوي المغربي.
بات يقينا، أن تفعيل هكذا نوع من المبادرات بطابعيها الإقليمي والدولي، ذات الاهتمام المشترك، وبمنطق رابح لرابح، سمة تحرك هذه الدبلوماسية في الآونة الأخيرة، لتشمل مختلف الفاعلين والقوى الحية على امتداد الأركان الأربعة للمعمور انطلاقا من فهم عميق لطبيعة المتغير السياسي والاقتصادي الاستراتيجي للتنافسية العالمية، وتأثيرها المحتمل على التوازن الدولي، وهو المنحى الذي سلكت سبيله المملكة عبر انفتاح غير مسبوق على التنين الصيني لما يمثله من وزن اقتصادي عالمي، والذي لا يرى العالم إلا من خلال هذه النظارة، بإنشاء شراكة استراتيجية بين البلدين، ينضاف إلى ذلك مكانته كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن، ولاعبا وازنا في التجاذبات السياسية الدولية، خاصة أن موقفه من ملف نزاع الصحراء المغربية قد يصبح أكثر انسجاما مع المبادرة المغربية، بعد الموقف الثابت والمسؤول للمملكة للحفاظ على سلامة ووحدة وامن الأراضي الصينية، بعد التصعيد الذي عرفته ازمة تايوان مؤخرا.
مكاسب الانفتاح المتبصر لهذه الدبلوماسية الملكية، يقودها بسعي حثيث لتعميق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا الفدرالية، إرهاصاتها جاءت في البيان المشترك للبلدين، وهي مؤشرات إيجابية في اختراق قد ينجم عنه استمالة صناع القرار في الكرملين لمسلك أكثر نضجا وتفهما لنزاع الصحراء المغربية، أو على الأقل ضمان حياد إيجابي لروسيا بدعم حل سياسي متوافق عليه برعاية اممية.
مواقف الدول تصنعها عموما المصالح أولا، ويبقى الرهان مستمرا على تعزيز ما تحقق على هذا الصعيد من مكاسب وانتصارات، يقوي فرض الاستمرار في تبني هذه الدبلوماسية الهجومية الهادفة، والتي لن يشتد عودها كما ورد في الخطاب إلا بتقوية الجبهة الداخلية، وتعبئة مغاربة العالم بكل شرائحهم وأطيافهم، بما في ذلك اليهود المغاربة.
الواقع، ما تحقق للدبلوماسية المغربية من إشعاع مرده للدور المحوري للملك، تجلى في مراجعة جذرية لضوابط اللعبة الدبلوماسية الدولية، مما جعلها تسير بالسرعة القصوى، أصبحت معها باقي أجنحة الفعل السياسي والدبلوماسي الوطني مطالبة بمراجعة استراتيجياتها وتعميق إصلاحها سواء أكانت حكومية أم برلمانية أو حزبية ثم مدنية.
ولعل الإشادة الاستثنائية لجلالة الملك بمغاربة العالم لا تخرج عن هذا السياق في تعزيز متطلبات الاستقبال والاستثمار التي تتناسب مع هذا الطموح الجديد للمملكة.
لقد سعى المغرب طوال عقود اربعة ماضية إلى تطبيق خطة طموحة لتحقيق تنمية اقاليمه الجنوبية بمستوى مواز لمستوى الانماء الوطني، وهو ما نجح فيه إلى حد كبير بربط التنمية بالاستقرار والتسوية السياسية النهائية للنزاع وها هي اليوم شروط استكمال نضج المقترح المغربي اكتملت على المستوى الخارجي بالترحيب الدولي الواسع، يوازيها داخليا حث جلالة الملك على إصلاح مؤسساتي قادر على استيعاب التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه استقرار وسلامة المغرب.
جاء ذلك في مقال توصلت جريدة "أنفاس بريس" بنسخة منه، ضمن سلسلة المقالات التي يطرح فيها إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، تحليله للقضايا الكبرى للبلاد:
رسمت مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، معالم حصيلة عشرية أخيرة في التعاطي المحمود والمثمر لقضية الوحدة الترابية، وهو ما يمكن اعتباره نقطة تحول جوهرية للدبلوماسية الملكية التي أضحت أساس دينامية المواقف العلنية المؤيدة لسيادة المغرب على صحرائه، والتي يتم التعبير عنها على المستويين الاقليمي والدولي.
كما أن الخطاب كذلك مترابط وبشكل موازي تطرق إلى أهمية تعزيز وحدة الجبهة الداخلية، والدعوة إلى مواصلة التعبئة لكل المغاربة داخليا وخارجيا صونا للمكتسبات التي تحققت.
تتمحور الرؤية الملكية حول ما تتطلبه هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها العالم، وذلك الدور المتنامي للعمق الاستراتيجي الذي أصبح المغرب يلعبه.
أصبح المغرب يراهن على لغة المصالح القائمة كمعيار اساسي لتقييم أي قرار تتخذه مختلف العواصم العالمية في الوقت الراهن، وهو ما يعني أن المغرب في تقييمه الدبلوماسي، لم يعد يريد أن يبقى أسيرا للدبلوماسية السرية، كان السياق السابق قد فرضها مع حلفائه التقليديين، كما لم تعد هناك ثمة رغبة في مجاراة حلفاء جدد محتملين بالمثل.
دافعه في ذلك كون هذا التبادل الدبلوماسي تغيب فيه المكاشفة، وتكون معاملاته عرضة للابتزاز والمساومة الدائمين حول نزاع أرهق جهود العالم دون حل في الأفق.
الجرد التسلسلي خلال هذا الخطاب لجملة المكاسب التي حققتها الدبلوماسية الملكية في ظرف زمني قياسي، بدءا بالاعتراف المحفز للولايات المتحدة الأمريكية والذي برهن على ثباته في وجه متغير سدة حكمها مرورا بالتأييد المتنامي لقوى أوروبية وازنة، ودول من مختلف أرجاء إفريقيا واخرى بأمريكا اللاتينية، ومنطقة الكاريبي، ترجمه ميدانيا وجود ثلاثين قنصلية موزعة بين مدينتي العيون والداخلة، وصولا إلى الاعتراف المدوي الرسمي الإسباني وهو ما أعطى زخما قويا في معركة إثبات سيادة المغرب على إقليم الصحراء المستعمرة الإسبانية سابقا وما لذلك من أبعاد تاريخية وقانونية تعزز مشروعية مطالب المملكة.
كل هذا وذاك ينم عن التفسير بكون المغرب بلد مستقل في قراره، وأنه انتهج استراتيجية جديدة في علاقاته بالقوى الكبرى، بحثا عن موقع جديد في عالم متعدد الأقطاب.
إن حرص المغرب على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه التقليديين، لم يمنعه من التوجه نحو تنويع شراكاته الاستراتيجية، كما أنه أيضا ليس بمنأى عن التحديات السياسية والأمنية والدبلوماسية الجسيمة والحاسمة، التي تعني مصير قضية الصحراء المغربية.
فبالإضافة إلى التهديدات المتتالية لزعزعة استقرار كامل المنطقة المغاربية، ينضاف في الحسبان العودة الانية لدبلوماسية النفط والغاز للواجهة، والتي من المرجح أن تستعملها الجارة الشرقية كورقة للمساومة واستمالة مواقف دول أوروبية وغير أوروبية ضدا على الوحدة الترابية للمملكة، علما أن اهتماما أوروبيا متزايدا بالغاز الجزائري الذي يشكل سيناريو محتمل لتفادي أزمة الغاز المرتقبة هذا الشتاء، وتداعياتها العسيرة على اقتصاد ووضع الاوروبيين.
تجليات هذا التوجه الملكي، ما فتئت تعكسه وتيرة تقوية الشراكات القطبية من خلال بروتوكولات التعاون الاقتصادي والصناعي وكذا الأمني والدفاع الاستراتيجي، جعلت من ذلك قاعدة برغماتية تؤطر السياسة الخارجية للمملكة الشريفة، وربما كان ذلك من وراء التأييد الواسع للمشروع الوحدوي المغربي.
بات يقينا، أن تفعيل هكذا نوع من المبادرات بطابعيها الإقليمي والدولي، ذات الاهتمام المشترك، وبمنطق رابح لرابح، سمة تحرك هذه الدبلوماسية في الآونة الأخيرة، لتشمل مختلف الفاعلين والقوى الحية على امتداد الأركان الأربعة للمعمور انطلاقا من فهم عميق لطبيعة المتغير السياسي والاقتصادي الاستراتيجي للتنافسية العالمية، وتأثيرها المحتمل على التوازن الدولي، وهو المنحى الذي سلكت سبيله المملكة عبر انفتاح غير مسبوق على التنين الصيني لما يمثله من وزن اقتصادي عالمي، والذي لا يرى العالم إلا من خلال هذه النظارة، بإنشاء شراكة استراتيجية بين البلدين، ينضاف إلى ذلك مكانته كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن، ولاعبا وازنا في التجاذبات السياسية الدولية، خاصة أن موقفه من ملف نزاع الصحراء المغربية قد يصبح أكثر انسجاما مع المبادرة المغربية، بعد الموقف الثابت والمسؤول للمملكة للحفاظ على سلامة ووحدة وامن الأراضي الصينية، بعد التصعيد الذي عرفته ازمة تايوان مؤخرا.
مكاسب الانفتاح المتبصر لهذه الدبلوماسية الملكية، يقودها بسعي حثيث لتعميق الشراكة الاستراتيجية مع روسيا الفدرالية، إرهاصاتها جاءت في البيان المشترك للبلدين، وهي مؤشرات إيجابية في اختراق قد ينجم عنه استمالة صناع القرار في الكرملين لمسلك أكثر نضجا وتفهما لنزاع الصحراء المغربية، أو على الأقل ضمان حياد إيجابي لروسيا بدعم حل سياسي متوافق عليه برعاية اممية.
مواقف الدول تصنعها عموما المصالح أولا، ويبقى الرهان مستمرا على تعزيز ما تحقق على هذا الصعيد من مكاسب وانتصارات، يقوي فرض الاستمرار في تبني هذه الدبلوماسية الهجومية الهادفة، والتي لن يشتد عودها كما ورد في الخطاب إلا بتقوية الجبهة الداخلية، وتعبئة مغاربة العالم بكل شرائحهم وأطيافهم، بما في ذلك اليهود المغاربة.
الواقع، ما تحقق للدبلوماسية المغربية من إشعاع مرده للدور المحوري للملك، تجلى في مراجعة جذرية لضوابط اللعبة الدبلوماسية الدولية، مما جعلها تسير بالسرعة القصوى، أصبحت معها باقي أجنحة الفعل السياسي والدبلوماسي الوطني مطالبة بمراجعة استراتيجياتها وتعميق إصلاحها سواء أكانت حكومية أم برلمانية أو حزبية ثم مدنية.
ولعل الإشادة الاستثنائية لجلالة الملك بمغاربة العالم لا تخرج عن هذا السياق في تعزيز متطلبات الاستقبال والاستثمار التي تتناسب مع هذا الطموح الجديد للمملكة.
لقد سعى المغرب طوال عقود اربعة ماضية إلى تطبيق خطة طموحة لتحقيق تنمية اقاليمه الجنوبية بمستوى مواز لمستوى الانماء الوطني، وهو ما نجح فيه إلى حد كبير بربط التنمية بالاستقرار والتسوية السياسية النهائية للنزاع وها هي اليوم شروط استكمال نضج المقترح المغربي اكتملت على المستوى الخارجي بالترحيب الدولي الواسع، يوازيها داخليا حث جلالة الملك على إصلاح مؤسساتي قادر على استيعاب التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه استقرار وسلامة المغرب.
إبراهيم بلالي اسويح/ عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية