الثلاثاء 16 إبريل 2024
سياسة

وصفها بـ"المرأة الرائدة"..شهادة "لحبيب بلكوش" في حق الديبلوماسية والخبيرة الحقوقية "حليمة الورزازي"

وصفها بـ"المرأة الرائدة"..شهادة "لحبيب بلكوش" في حق الديبلوماسية والخبيرة الحقوقية "حليمة الورزازي" حليمة مبارك ورزازي رفقة لحبيب بلكوش
في شهادة له ذات تكريم للديبلوماسية، والخبيرة بدواليب الأمم المتحدة "حليمة الورزازي"، وصفها الحبيب بلكوش بـ" المرأة الرائدة".
قال لحبيب بلكوش في كلمته التي عنونها بـ" ذاكرة حليمة مبارك ورزازي..امرأة حلقت في فضاءات حقوق الإنسان قبل زمانها"، والتي سبق نشرها في العدد الثاني من مجلة دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية (شتنبر 2021)، إن حليمة الورزازي تتمتع بشخصية قوية وطموحة ومرحة في آن، وبطبع حاد وعزم على رفع التحدي بدون عجرفة.
وبداية من ترؤسها سنة 1966 اللجنة الثالثة المعنية بالقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية..إلى دفاعها المستميت عن احتضان جمهورية الصين الشعبية للمؤتمر رغم المعارضة القوية لجل الدول الغربية...كتب "بلكوش" هذه الشهادة. 

ذاكرة حليمة مبارك ورزازي..امرأة حلقت في فضاءات حقوق الإنسان قبل زمانها
قد يكون من المؤكد أن جل المعنيين بحقوق الإنسان مؤسسات، ونشطاء في المغرب، وخارجه في المجال المغاربي، وحتى دوليا لا يعرفون حليمة مبارك ورزازي، هذه المرأة المغربية التي ترأست سنة 1966 اللجنة الثالثة المعنية بالقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية، وأدارت المفاوضات وحققت مع فريقها التوافق المطلوب لاعتماد أهم وثيقتين أمميتين بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بعد مخاض طويل ونقاشات واعتراضات وتحفظات وتحديات دامت زهاء 17 سنة في دواليب الأمم المتحدة على خلفية الصراع بين المعسكر الغربي، والمعسكر الشرقي آنداك، وكانت الحرب الباردة في أوجها ودول الجنوب حديثة العهد بالاستقلال، أو لازالت مستعمرة، وتتجاذبها القوى الدولية المسيطرة على العالم.
وتقدم حليمة الورزازي في كتابين لها تفاصيل هذه الصراعات وتقنيات تدبير النقاش قصد الوصول إلى النتيجة المطلوبة : اعتماد العهدين الدوليين. ومما تحكيه أنه في كل اجتماع لرؤساء لجن الجمعية العامة للأمم المتحدة مع الأمين العام آنذاك (يوتانط U. Thant ) يتوجه إليها بالسؤال مع تحريف طفيف لإسمها "السيدة ورزيزي، هل سنتمكن من اعتماد العهدين خلال هذه الدورة ؟"، فتجيب "نعم السيد الأمين العام" بحذر وقلق من يعيش حجم الصراعات الدائرة في اللجنة الثالثة. وذلك ما تحقق فعلا بعد المصادقة على العهدين بالإجماع داخل اللجنة ونفس الشيء حين اعتمادهما بالإجماع خلال جلسة الجمعية العامة. 
وبعد تنويه رئيس الجمعية العامة والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بعمل اللجنة، ورئيستها في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي، طلب من حليمة الورزازي دون سابق إخبار إلقاء كلمة بالمناسبة.
وتصف هذه اللحظة على النحو التالي: " شعرت برهبة وطلبت من مدير حقوق الانسان إعفائي من ذلك، لكنه أصر على ضرورة إلقاء كلمة إثر خطاب الأمين العام... وأنا متجهة إلى المنصة، ساد صمت رهيب داخل القاعة، علما أن الجمعية العامة تثير الرهبة بحكم العدد الهائل من أعضاء الوفود داخلها. وكم كان تأثري قويا لما وصلت إلى المنصة، وأنا أسمع فجأة تصفيقات حارة من جميع أعضاء الوفود وهم واقفون. تأثرت إلى حد أنني بقيت صامتة حوالي دقيقتين قبل ارتجال كلمتي. وفي هذه اللحظة، تذكرت تلك المرأة المغربية التي كنت سنة 1959، وأنا عضوة مجهولة وخجولة تدخل أروقة الأمم المتحدة".
التحقت حليمة الورزازي، المزدادة بالدار البيضاء سنة 1933، بوزارة الخارجية المغربية سنة 1957 تم عينت سنة 1959 ملحقة ثقافية بسفارة المغرب بواشنطن قبل أن يقرر عبد الله إبراهيم وزير الخارجية ورئيس الحكومة آنذاك إلحاقها بالبعثة الدائمة للمغرب بالأمم المتحدة في نيويورك إثر مشاركته في أشغال دورة الجمعية العامة.
أكيد أن ذلك كان نتيجة عوامل عدة، منها تمكنها من اللغات (الاسبانية، والفرنسية والانجليزية والعربية) بعد أن تابعت دراستها الابتدائية والإعدادية باسبانيا والثانوية بالمدرسة الفرنسية بالقاهرة، وحصلت على الإجازة في الآداب من جامعة القاهرة سنة 1956.
كانت حليمة الورزازي تتمتع بشخصية قوية وطموحة ومرحة في آن، وبطبع حاد وعزم على رفع التحدي بدون عجرفة.
تحكي أنها كانت المرأة الرابعة التي عملت بوزارة الخارجية، بل وأن هذا المسار لم يجد الترحيب من إدارة ذكورية بامتياز سواء بالإدارة المركزية آنداك أو بسفارة المغرب في واشنطن أو بعثة المغرب بالأمم المتحدة !
عادت حليمة الورزازي إلى اللجنة الثالثة المكلفة بالقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية مرة أخرى وفازت بانتخابها نائبة رئيس اللجنة سنة 1965 لتترشح لرئاستها في السنة الموالية (1966) وتفوز بها بدعم من الدول الافريقية التي احتضنت الترشيح ودول أمريكا اللاتينية وآسيا، في حين تخلفت جل الدول العربية التي دعمت مرشحا عربيا منافسا لها.
تقول في كتابها (رحلة في الذكريات / بالفرنسية ) :  " كان دخولي لمجال الرئاسة مدهش، صحيح أنني كنت المرأة الوحيدة في مكتب اللجنة، ولكن أحيانا كنت أشعر بالخجل من سني وأنا أمام هؤلاء الرجال الذين، خارج رئاستهم للجنة، كانوا يتقلدون مناصب سامية في بلدانهم. لكن ذلك لم يكن ليمنعني من الترديد أمام الجميع بأن بلدي شاب وأن الشباب هم بناة المستقبل".
تقلدت حليمة الورزازي بعد ذلك عدت مسؤوليات في هذا المسار الدولي منها مقررة خاصة لدى اللجنة الفرعية وعضو باللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال الميز العنصري (1974-1978) ومقررة خاصة حول الممارسات التقليدية الماسة بصحة النساء وأطفالهن، ثم رئيسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر العالمي للحقوق الإنسان الذي انعقد سنة 1993 ورئيسة اللجنة الفرعية بالأمم المتحدة المكلفة بالنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، وساهمت في بلورة واعتماد عدد من الاتفاقيات الدولية إضافة إلى العهدين منها تلك المتعلقة بالتمييز ضد النساء والطفل والعمال والمهاجرين والتعذيب وغيرها.كما أنها تقلدت مسؤوليات أخرى بالمغرب منها مديرة قسم المنظمات الدولية بوزارة الخارجية وعضو بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (2002). 
كانت حليمة الورزازي تحظى بتقدير ودعم قويين أساسا من ممثلي دول الجنوب من أمريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا، لكونها ظلت طوال مشوارها تدافع عن قضاياهم مهما كان معسكر أنظمتهم. وشاءت الظروف أن أكون مشاركا في إحدى دورات مجلس حقوق الإنسان، فعاينت اصطفاف العديد من وفود دول الجنوب خصوصا للسلام عليها وتحيتها بتقدير كبير وهي في المكان المخصص للمغرب.
ومن شهادات أخرى، أنه خلال انعقاد مؤتمر بيجين العالمي حول المرأة سنة 1995، استقبلت الصين الشعبية الوفد المغربي بالبساط الأحمر (tapis rouge) تكريما لهذه السيدة التي دافعت باستماتة عن احتضان جمهورية الصين الشعبية للمؤتمر رغم المعارضة القوية لجل الدول الغربية. 
ظلت حليمة الورزازي منخرطة بقوة في النهوض برسالتها، والدفاع عن قضايا بلدها المغرب، وبلدان الجنوب عموما إلى سن متأخر خلال أواسط العشرية الثانية من القرن الحالي، قبل أن ينال منها الزمن، وتدخل دواليب النسيان بعد مسار دام نصف قرن داخل دواليب الأمم المتحدة المكلفة بحقوق الإنسان.
إحالات:
- Les Nations Unies ou la fin d’une belle époque, Halima Mbarek Warzazi (234 pages) 2004 ;
- Voyage autour des mes souvenirs, Halima Mbarek Warzazi (236 pages) 2011 ;
- Document du Haut Commissariat aux Droits Humains A/HRC/7/64 (C.V de Mme Warzazi).
(عن مجلة" دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية " العدد 2، شتنبر 2022)