الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي:الحكومة مريضة..  إنكار للأزمة وإشادة بالوهم مع حمى الغرور...

محمد الشمسي:الحكومة مريضة..  إنكار للأزمة وإشادة بالوهم مع حمى الغرور... محمد الشمسي
اجتمعت الأغلبية الحكومية أو "الحكومة مكرر" مع نفسها، زوال يوم الجمعة المنصرم، ثم انهالت على نفسها مديحا وامتنانا، فنوهت الحكومة بمنجزات الحكومة وثمنت وأثنت على منجزاتها وأوراشها وإصلاحاتها، التي لا وجود لها إلا في مخيلة الحكومة نفسها، وتحدثت الحكومة عن اعتزازها بتنزيل "برنامجها الحكومي" و"رؤيتها الاستراتيجية"، وعن... وعن ...وعن...وآرا ما تعنعن... كان البيان ضربا من الهذيان.
ورد في التراث المغربي أن لعروسة تشكرها أمها وخالتها، بمعنى أن المديح في شكل محاباة يأتي من الغير ومن الآخر، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تشكر العروسة نفسها، لكن الحكومة قررت أن تزكي نفسها وتطري عليها وتنوه بها وتعظمها تعظيما، وهذه بدعة سياسية، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في علم السياسة هي في مزبلة التاريخ...
صفوة القول أننا أمام حكومة مريضة بمرض الإنكار، ويعرف علم النفس الإنكار بأنه اختيار من الإنسان لتجنب الحقيقة غير المريحة له، وهي حكومة مريضة بداء الغرور الذي يرقى إلى النرجسية، فيحدث أن يكذب المرء على نفسه، ويكد ويشقى لإقناع نفسه بكذبته، ويحدث أن يغتر الإنسان بنفسه فيدخلها في "ثالوث الظلام" الذي يضمن لها كمية هائلة من الأنانية، لكن الحقيقة العلمية الثابتة أن كل ما سبق بيانه مجرد أقنعة ومساحيق تخفي خلفها حالة هشة من الثقة في النفس، ومن العجز، ومن الفشل...
الثابت أن الوطن في محنة، وأن السواد الأعظم من المواطنين يعيشون مشقة، عنوانها الأبرز "سعار الغلاء "، ومؤشر الأسعار تمرد عن التوقف أو الهبوط، هذه حقيقة راسخة ونفيها أو محاولة طمسها يسميه علماء النفس ب"الباطل الصريح" الذي يقوم على لوم طرف آخر، أوالتقليل من هول الأزمة، أوتبريرها بمبررات لا علمية ولا واقعية...فحين يصف رئيس مجلس النواب المغاربة الغاضبين من سياسات حكومتهم ب"المرضى"، وحين ينعت السياسي من يتألمون من قسر السياسة ب"المرضى" ويصبح المرض في هذه الحالة سلاحا للصد، ووسيلة للقصف والرد، ويتخندق السياسي المسؤول في خندق الخصم للمواطن المقهور، ويعتقد هذا الصنف من السياسيين أنه بهكذا "نزق سياسي" وبهكذا هروب أمكن مداواة الجروح، يصبح المواطن منشغلا أيما انشغال على الحالة الصحية والذهنية والنفسية لحكومته التي تسوسه، مثلما ينشغل الراكب بسكر السائق وخبله، ونصبح جميعا مطالبين ليس بإيجاد حلول للأزمات، بل بتخصيص أجنحة في كبريات المستشفيات لمرضى البارانويا التي يجب أن يساق إليها بعض السياسيين قهرا صونا لهم وللمحيطين بهم.
مرض هذه الحكومة وتوهمها، كحال أسطورة اليوناني بجماليون ذلك الشاب الذي نحت تمثالا فتعلق به وبات يحدثه ويمتدحه، بل وحاول أن يبعث فيه الروح، قبل أن يستفيق من وهمه، ويقرر تحطيم التمثال بعدما تبين له أن الحجر يبقى حجرا مهما كان أملسا مصقولا...
إلى متى تنكرون الأزمة؟ وتشيدون بالوهم؟ وقد انتابتكم حمى الغرور...
وإن الأزمة قائمة ثابتة لعن الله من أنكرها...