شهدت مناطق من شمال المغرب، منذ الأسبوع الثاني من يوليوز 2022، اندلاع حرائق أتت على آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية، وخلفت خسائر مادية هائلة. حصيلة ثقيلة ساهم في اتساع رقعتها موجات الحر، قلة الأمطار ورياح الشركي... في البداية بادر السكان بالتصدي لها بإمكانياتهم المحدودة، غير أن هول وعظمة الحرائق حتمت تدخل طائرات الإطفاء لكن بعد أن التهمت مساحات ضخمة خسر معها السكان مصدر عيشهم ومنازلهم.

هذا الوضع دعا الحكومة المغربية للتدخل عبر حزمة من الإجراءات الفورية للحد من تأثير الحرائق، وذلك من خلال توقيع اتفاقية إطار. ورصد 29 مليار سنتيم لإعادة تأهيل المجال الغابوي ودعم المتضررين. مجهود رائع وجميل جدا، اللهم زد وبارك.

لكن على العكس من ذلك شهدت واحات الجنوب الشرقي الغناء -والتي كانت تعاني من ضربات الجفاف- العديد من الحرائق المتوالية أتت هي الأخرى على آلاف الهكتارات من أشجار النخيل والأشجار المثمرة مصدر رزق جل ساكنة الواحات. غير أن استجابة الحكومة لنداءات الجنوب الشرقي قصد الدعم لم تكن في المستوى المأمول، بل كانت منعزلة عن الواقع. نداءات دوت في بئر عميقة ليس لها قرار.

لا مراء إذن أن هذا السلوك الإقصائي الحي والصارخ من قبل الحكومة يكرس المزيد من الاختلالات المجالية والمزيد من التهميش والإقصاء غير المفهوم. واللافت في الأمر أن الحكومة لم تهرع من أجل الجنوب الشرقي كما هرعت من أجل الشمال!! هنا يطرح السؤال لماذا هذه الازدواجية في المعايير؟ لماذا الكيل بمكيالين؟ إلى متى سيظل الجنوب الشرقي يعاني من غياب العدالة المجالية؟ لماذا تكريس التفاوت المجالي؟ لماذا لا يستفيد الجنوب الشرقي من الإنفاق العمومي؟ إلى متى سيستمر تهميش الجنوب الشرقي؟ ألا يفترض أن تكون الحكومة ممثلة لكل أبناء هذا الوطن وتنأى بنفسها عن هذه الازدواجية والتمييز؟

في ظل هذا الفصل، حري بنا أن ندق ناقوس الخطر بما سيحيق بالمجال الواحي من اختلال ديموغرافي، ستزيد بسببه نسبة البطالة، سيهجر الانسان الواحي مجاله، ستفنى الواحات بسبب الحرائق، الإهمال، التصحر، الجفاف. ستصير الآبار أعمق مما كانت عليه، سيستنزف ما تبقى من الفرشة المائية بفعل سياسة فلاحية لا تتلاءم البتة مع هذا المجال... وسيفنى معه تراث طبيعي ثقافي معماري وحضاري متميز الى الأبد، والذي عمر لقرون عديدة.

أبمثل هاته الرؤى والمقاربات المتحيزة والإقصائية سنبني نموذجا تنمويا أكثر فعالية ونجاعة وعدالة بين أبناءه؟ هل هذا هو التصور الحقيقي للجهوية المتقدمة؟ أليس من حق جهة درعة تافيلالت الدعم الذي توفره الدولة للجهات؟ أين هي الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان؟ أين هو صندوق الكوارث الطبيعية؟ أين هو المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي؟ على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها بتقليص الفجوات المجالية بتوزيع متوازن ومتكافئ للاستثمار والدعم، والاستفادة المتوازنة من خيرات هذا الوطن. عليها وضع منظومة شاملة لتوقع المخاطر. عليها بلورة برامج ومشاريع تؤهل وتدعم واحات الجنوب الشرقي من خلال تصور تنموي مندمج يعيد لهذا المجال اعتباره ووهجه الطبيعي، الاجتماعي والاقتصادي.

يا سادة.. أنصفوا الجنوب الشرقي...

عبد العزيز عليلي، رئيس جمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن