الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

صبري: ديميستورا يعاين تنفيذ الحكم الذاتي في الصحراء المغربية والتطورات تجاوزت حضور الجزائر وموريتانيا

صبري: ديميستورا يعاين تنفيذ الحكم الذاتي في الصحراء المغربية والتطورات تجاوزت حضور الجزائر وموريتانيا صبري الحو
لا نتسائل عن سبب زيارة ستيفان ديميستورا للمغرب، فتلك مهمته الأساسية كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة؛ يزور، يلتقي، و يحاور، ويعاين ويستمع وينقل . ولكن نتساءل في هذه الورقة عن لماذا الآن وفي هذه اللحظة بالذات ؟ ولماذا المغرب والاقليم حصريا؟ ولماذا استثناء باقي المحطات في الجزائر وموريتانيا؟ وكيف سيكون رد المغرب الذي يطالب بتنفيذ قرارات مجلس الأمن واعتبار الجزائر طرفا أصليا؟.
 
يبدو الجواب على هذه الأسئلة صعبا، و بمثابة من يتكهن بالأمور في ميدان السياسة، الذي لا تضبطه قواعد العلوم الحقة، ويراعي فقط المصالح و التوازنات. و مع ذلك فان من تابع و واظب تاريخ الملف و مراحله و مواقف الأطراف والتطورات الآنية يدرك أن مآلات النزاع رجحت بفارق كبير، و يستبعد هامش المفاجئة لصالح الحسم للمغرب في اطار الشرعية الأممية، و التاريخية و الرجحان القانوني، وكل ذلك معزز باتباع المغرب لمبدأي الواقعية في اعداد و عرض المبادرة بالحكم الذاتي كحل سياسي وسط وعملي بين الاندماج والانفصال، ورفضه التطرف على نفسه قبل مطالبة الآخرين بنهجه والتخلي عن الحلول الطوباوية و غير العملية.
 
ورغم كل هذه الصفات والأوصاف التي تتحد وتتوحد في العمل والمبدأ والموقف المغربي، و المعضد بقبول وانخراط واندماج عنصر الساكنة في الاقليم محل النزاع في كل مناحي الحياة سياسيا اقتصاديا واجتماعيا بما يؤكد استجماع المغرب لكافة معايير وشروط الحسم داخليا. فان النزاع مقبل على اتخاذ مرحلة صعبة بصعوبة القرارات التي تتمخض عنها.
 
فهي مرحلة جد حساسة ولا تقل صعوبة عن كل ما سلف. فالكشف و الاعلان عن الحل الذي يضمن التنمية والأمن والاستقرار للمنطقة المغاربة والساحل والصحراء وتأييده في ظل هروب الجزائر للتوافق السياسي عليه، لاعطاء اشارة أن ذلك يفتح الفرصة لعودة الصراع كاحدى كل الاحتمالات والفرضيات المتشائمة في اطار ما يسمى في أدبيات التعبير الأممي بالحرب الشاملة، . ولهذا كان اهتمام الأمم المتحدة منذ 2006 منصبا على اهمية التوافق السياسي، بيد أن المغرب يشعر، بل انه أدرك وتفطن أن التعنت الجزائري لا حد له ولا نهاية له، في عدم رغبتها في ادراك الحل ولا تحمل مسؤوليتها من أجله . ولهذا يرافع المغرب ديبلوماسيا من أجل اقناع الأمم المتحدة بذلك، وقد نجح في جعلها طرفا اصليا ، و في نفس الوقت يشتغل لضمان بقاء و استمرار سيرورة الاقناع الدولي بشكل ينقل الضغط جهة الجزائر، و يجعلها تخضع للواقعية والعملية .
 
ولا يتوانى المغرب في تصحيح المغالطات الجزائرية ، والكشف عن مناوراتها و اسقاط كل الأقنعة التي تتموه داخل جوفها الجزائر وتختفي خلفها. مع ابداء الصرامة والحزم بما يعطي الدليل أن المغرب لا يمكن ان يستمر في الصبر، وان يتم رهن مساره تطوره و موارد من المفترض ان تعزز احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الى مالانهاية، وليس المغرب من يتأثر سلبا من استمرار النزاع بل يطال المنطقة المغاربية في التنمية كاملة، وتمتد تردداته على مستوى الأمن والاستقرار الى الساحل والصحراء .
 
و قد يكون المجتمع الدولي والأممي يستعد لاعلان قراره الأخير بسيادة المغرب على الاقليم و السير في اطار التفاوض لتطوير المبادرة و تطبيق الحلول الدائمة الخاصة باللجوء، ذلك أن اقدام مجموعة كبيرة من الدول على فتح قنصلياتها في الاقليم والاعتراف الأمريكي بشرعية سيادة المغرب على كل الصحراء ودعم اسبانيا كقوة استعمارية للاقليم لمبادرة المغرب بالحكم الذاتي ليس مجرد محض صدفة، بل انها اتخاذ من الدول لقرارات صعبة و بمثابة تنفيذ فعلي دولي للحل .
 
ولهذا تأتي زيارة ديميستورا لمعاينة هذه التطورات ميدانيا على كل الأصعدة؛ تنموية وأمنية و معاينة التطبيق الدولي للحكم الذاتي واستجواب ولقاء ممثلي الساكنة وباقي المحاورين في علاقة بذلك، وهو سر ولغز الزيارة الخاصة، رغم انني اخشى ان تتحول الى نهج مبتكرة بصيغة جديدة، فالمحاور صاحب المصلحة هو المسؤول وممثل الساكنة. و العبرة بما يتحقق على الأرض وارادة الساكنة بالقبول به ومعاينة انخراطها واندماجهم الفعلي بعيدا عن خطاب التأكيد و خطاب النفي.
 
فالمبعوث الشخصي يحاول اقامة الحجة من معاينته الرسمية، لينقلها الى الأمين العام ومن خلاله الى مجلس الأمن، فالزيارة تتجاوز مجرد الاعداد لتقرير اكتوبر المقبل، وتتجاوز الاعداد لمناقشات المائدة المستديرة بل تأتي في اطار مغاير ، وتؤسس لمنعطف جديد هو تأكيد حل يستند على التاريخ والقانون وله مرجعية قضائية، و يتماشى مع الارادة الدولية المجسدة على ارض الواقع والمتطابقة مع مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، ولا شك أن الرفض الجزائري حضور مناقشات المائدة المستديرة وخرق البوليساريو لوقف اطلاق النار و فسخه سيكون موضوع تقارير خاصة تنقل الى مجلس الأمن، و سيتخذ دليلا على وضع المسؤولية عليهم.
 
و قد يزور مبعوث الأمين العام الآن، او وفي وقت لاحق لم يعين بعد باقي الأطراف، فهو في وضع مريح مادامت الأحداث والتطورات التي حدثت مؤثرة جدا في نتيجة النزاع لفائدة المغرب. في فتح الدول لقنصلياتها في جهتي الاقليم؛ الداخلة والعيون، و في قناعة مجلس الأمن الثابتة في قراراته ، والاعتراف التأكيدي الأمريكي والدعم الاسباني، كل ذلك جعل من المائدة المستديرة واطرافها الأخرى متجاوزة.
 
فالأهم أن قناعة أممية ودولية حصلت ونفذت الى اعتقادها الصميم و الراسخ، ويتم تنفيذها من طرف الدول من كل القارات بما فيه الدول القوية . و إن الجزائر وموريتانيا- وبغض النظر عن الصفة والمصلحة في حضورهما كأطراف اصلية او مراقبة او ملاحظة في مناقشات المائدة المستديرة-فان التطورات التي حصلت تجاوزت هذه المائدة ومناقشاتها، و قزمت حضور الجزائر وموريتانيا وافرغته من محتواه ومضمونه، والعبرة بالرأي والموقف والقرار المغربي، والباقي كله أصبح مجرد جزئيات، فالثقل عليهم لاتخاذ مبادرات جريئة للرجوع الى وسط الديناميكية الدولية للحضور في عمليات صناعة الحل في اطار السيادة المغربية.
 
و ستجد الجزائر نفسها في مواجهة مباشرة مع المفوضية الأممية لغوث اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة والمجلس الدولي لحقوق الانسان لتطبيق قواعد القانون الدولي الخاصة باللجوء، وسيتم دعوتها الى تطبيق القانون الدولي بتفكيك المخيمات و تطبيق الحلول الدائمة الخاصة باللجوء.
 
وذلك بالسماح لمن اراد من ساكنة تندوف ومن اللاجئين العودة الى المغرب و الاقليم ، أو الاندماج في النسيج الوطني والاجتماعي الجزائري، الحق الذي توفر لكافة لاجئي مخيمات تندوف بعد قضائهم مدة أكثر من سبع سنوات كحد أدنى مطلوب للحصول على الجنسية الجزائرية، ولا علاقة لذلك بتقرير المصير الذي تتشبت به الآن . أما الحل الثالث في اطار انهاء اللجوء فيكمن في اعادة التوطين صوب موريتانيا لمن يعتبر موريتانيا من الأصل قبل ادعاء اسباب اللجوء.
 
صبري حو، محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي قضايا الهجرة ونزاع الصحراء