الجمعة 17 مايو 2024
كتاب الرأي

مصطفى شكٌري:من الأستاذ المصاحب إلى المفتش المصاحب.. هل سيصبح إطار المفتش التربوي في طريق الانقراض؟

 
 
مصطفى شكٌري:من الأستاذ المصاحب إلى المفتش المصاحب.. هل سيصبح  إطار المفتش التربوي في طريق الانقراض؟ د. مصطفى شكٌري
كنا كتبنا منذ الدقائق الأولى لصدور مذكرة الأستاذ المصاحب (بتاريخ 11 دجنبر 2015 تحت رقم 134/15) مقالة تحت عنوان هل تضع مذكرة الأستاذ المصاحب إطار المفتش التربوي في طريق الانقراض؟ وها نحن نعيد نشر بعضا من فقراتها لأن كثيرا من معطياتها مازالت تنطق بلسان الحال اليوم، وقد بدت في الأفق بعضا مما قد يكون  إذاك شبه استشراف لما نحن فيه اليوم مع ما يتسرب من دهاليز القاعات المغلقة من "بركات" نظام أساسي جديد يريده العقلاء منصفا ومحفزا وضامنا للحكامة والجودة، ويريده الماسكون بزمام "الأمن التربوي" مغرقا في الضبابية والتعويم والسلطوية.
وقد قمنا بعد عملية توصيفية لمضامين المذكرة تلك بإبداء ملاحظات وطرح تساؤلات جوهرية حول الموضوع، وهي تساؤلات تسري حول كل ما تتخذه الوزارة وتلبسه لبوس الإصلاح:
1- سؤال منهجية الاعتماد والتنزيل:
لا يجف مداد الركام الوثائقي الضخم الصادر عن مؤسسات مختلفة في المهام والوظائف ولا يتم بعد الاطلاع بله الاستيعاب لمضامين و إجراءات هذه الوثائق، حتى يتم إصدار مذكرات أجرأة لكثير مما تم اعتماده في تلكم الوثائق بعيدا عن أي مشاورات حقيقية مع مختلف المتدخلين والفاعلين التربويين المعنيين مباشرة. وهو ما يركز الطوابع الارتجالية والاستعجالية لمختلف القرارات المتخذة في تاريخ المنظومة منذ ما سمي بالميثاق على نحو يجعل هذه الإجراءات تواجه بالشك وبالمقاومة وبالتفاعل الضعيف.
2- سؤال المرجعية المؤطرة: 
تستند كثير من المذكرات في  بناء مستندها المرجعي على الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، وعلى القانون الإطار، وعلى تقرير النموذج التنموي، وبعضها حتى على تعليمات الوزير، وطبعا الكل يعلم الطريقة التي تم بها اعتماد الرؤية الاستراتيجية وما خرج من رحمها من وثائق على الرغم من لبوس الطوابع الاستشارية التي أريد لها أن تلبسها نظرا لارتهانها للمنهجية العتيقة تاريخيا في فرض إصلاحات المنظومة بعيدا عن منهجية تشاركية ديموقراطية شعبية حقيقية.  وكلها وثائق صادرة  في الحقيقة عن مؤسسة استشارية تحولت بقدرة قادر إلى مؤسسة منظرة مدبرة بانية، بينما هي في الواقع  مؤسسة صنعت على أعين الماسكين الحقيقيين بخيوط سياسة المنظومة من دون أن تخضع للنقاش المجتمعي ولا للتصويت البرلماني مما يضيع هويتها القانونية والدستورية.
3- إطار المفتش التربوي والطريق إلى الانقراض:
تكفي القراءة السطحية لكثير مما يروج ويصدر ليكتشف هذا المكر الهادئ الكامن الذي يضع وظائف إطار قانوني وإداري ( هو إطار المفتش التربوي) كان أداة متميزة في التأطير والتكوين والمراقبة والتقييم لسنين عديدة موضع التساؤل. 
 ما عاد  السادة المفتشون التربويون يذكرون إلا في مواضع باهتة محدودة أصبحت تقتصر على  ذكر جهة المرسل إليهم، وأحيانا لتأثيث المشهد في بعض اللجان، وعند الحاجة إليهم في حمل الأثقال في مجال التنزيل والتنفيذ ( واسأل مخططات التكوين الأخيرة !!).
من بين الأسئلة التي طرحت مع مذكرة المصاحبة التربوية، ولعلها الآن أشد ملحاحية وراهنية في الطرح:
ما الذي تبقى للمفتشين التربويين من مهام بعد إجراءات تنزيل مهام الأستاذ المصاحب، وبعد تدخلات مقص المركز لتقزيم مهام المفتش التربوي، وقضم عديد من مهامه المخولة له بقوة القانون؟
ما العلاقة النظامية التي تربط الأستاذ المصاحب بالمفتش التربوي، وبغيره ممن أصبحوا يزاحمونه في عمله؟
هل الأستاذ المصاحب هو الحل الاستراتيجي أو المؤقت للخصاص المهول في  هيئة التأطير والمراقبة التربوية؟
ما حدود اختصاصات كل طرف؟ ما هي إمكانات التداخل والتضارب أو الالتقائية في هذه الاختصاصات؟
ما وظيفة التفتيش التربوي في تأطير ومصاحبة الأستاذ المصاحب؟
هل تشي هذه الخطوات الإجرائية بتطور في منظور التفتيش التربوي لدى القائمين على الأمر يقصر وظائفهم على جوانب تقييم وتقويم الممارسة الفصلية وافتحاص نتائج العمل بمعزل عن وظائف التأطير والتكوين؟ أم أن الأمر معكوس على حسب ما يتم تسريبه من نزع عنصر التقييم والتقويم من المفتش لصالح شركاء متشاكسين متعددين متنافرين، وقصر مهام المفتش على التأطير والتكوين، مما سيؤدي إلى عملية سوريالية غريبة متناقضة تجعل الأستاذ مصاحبا، ثم تتوب لتجعل المفتش نفسه مصاحبا فقط؟ 
هل هذه هي بعض من بركات استجابة  الوزراة لما تطرحه هيئة التأطير التربوي من إشكالات مرتبطة بالوضع الاعتباري للهيئة وبوظائفها في دعم جهود ما يعتبره البعض إصلاحا وبانتسابها الإداري واستقلالها الوظيفي؟
هل اختلط على وزارتنا الأمر ففهمت معنى الاستقلالية الوظيفية بمفهوم الإقالة من المهام فنابت عن الهيئة في حل مشاكلها عن طريق التمهيد لوضع إطار المفتش التربوي موضع الانقراض من باب كم من حاجة قضيناها بتركها والأمر ما ترى لا ما تسمع ؟ 
أسئلة تدخل في دوائر المسكوت عنه في  منطوق الوزارة بصمتها عن التطرق إليها أو الإلماع إليها.