الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

شراد يجري تحليلا مختبريا على عيطة "السَّبْتِي مُولَى بَابْ لَخْمِيسْ"

شراد يجري تحليلا مختبريا على عيطة "السَّبْتِي مُولَى بَابْ لَخْمِيسْ" عبد الرحيم شراد (يسارا) والشيخ الصوفي أبو العباس السبتي

طرح الناظم بلسان الدارجة المغربية في عيطة "ضَيْفْ اللهْ يَا اَلسَّبْتِي مُولَى بَابْ لَخْمِيسْ"، سؤالا: "سَالُو مَالُو خَلَّى كْتَابُو خَلَّى دَالِيلُو". (المقصود بالسبتي هو أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي). لكن الأستاذ الباحث عبد الرحيم شراد أعاد صياغة هذا السؤال بالعربية الفصحى حيث كتب: "اِسْأَلْهُ مَا بَالُهُ قَدْ نَسِيَ فِي بَيْتي كِتَابَ دَلائِلِ الخَيْراتِ؟".

 

في هذا السياق يوضح الأستاذ عبد الرحيم شراد: "نقلته إلى العربية الفصحى، حتى أبين أمرين. الأمر الأول هو أن متون العيطة جميلة في مبناها وبليغة في معناها. و الأمر الثاني، هو أن هذه المتون كتبها شعراء كانوا على دراية بفنون القول والكلام. و كانت لهم ثقافة عالمة...".

 

عندما نعود إلى هذا المقطع الذي استشهد به، يوضح عبد الرحيم شراد، نجده جاء في العيطة بلسان دارج على الشكل التالي: "سَالُو مَالُو خَلَّى كْتَابُو خَلَّى دَلِيلَهُ". وعندما نقف عند عبارة "سَالُو مَالُو"، ندرك أنها جاءت بقصد تقديم الدليل الدامغ والحجة البينة.

 

إن توظيف هذه العبارة بالضبط (سَالُو مَالُو) تبين لنا أن الشاعر كان على دراية بالنص القرآني . حيث جاء في الآية 50 من سورة يوسف : "ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن".

 

بالنسبة للباحث فإنه يرفض مسألة الحشو في العيطة حيث يقول: "شخصيا ما لا أستسيغه في العيطة، عندما أستمع لها تغنى، هو الكثير من الحشو، الذي لا يمت للنص الأصلي بصلة. بل قد يفقده معناه".

 

إن المقصود بـ "اَلدَّلِيلْ"، هو كتاب (دَلَائِلْ اَلْخَيْرَاتْ) الذي يحمله فرسان التْبَوْرِيدَةْ داخل جراب جلدي صغير مطرز. (أصبح يصنع من معدن الفضة). ويحسم عبد الرحيم شراد النقاش بقوله: "إن نسيان الجراب و بداخله الكتاب (دليل الخيرات)، في بيت الحبيبة أمر مقبول. لكن ما لا يقبله العقل هو عندما نجد بعض المطربين الشعبيين، يسترسلون في الغناء فيقولون كلاما زائدا، من قبيل:  "خَلَّى مْضَمْتُو" أو "خَلَّى قَفْطَانُو".

 

إن الرجل يمكن أن يخرج من بيت حبيبته، ناسيا، الجراب وبداخله كتاب دلائل الخيرات. هذا أمر محتمل ومقبول، لكن أن يخرج دون حِزَامْ " خَلَّى مْضَمْتُو". أو دون لباس يستره "خَلَّى قَفْطَانُو"، فهذا من سابع المستحيلات. أحيانا قد ينساق بعض المطربين و خصوصا في الأعراس مع مثل هذا الكلام فتجدهم يرددون "نْسَى رَزْتُو (عمامته) نْسَى تْمَاﯕُو (حذاء الفرسان) نْسَى بَلْغْتُو  (النعل) نْسَى جَلَّابْتُو (الجلابة) نْسَى سَلْهَامُو (السلهام)"...

واستغرب عبد الرحيم شراد كون استعمال هذه الكلمات لا ينتهي، والغرض منها إطالة الوقت في الغناء وإن كان هذا على حساب المضمون العام للعيطة.

 

لقد آن الأوان أن نراجع متون العيطة ونقوم بتنقيحها وتدوينها موسيقيا حتى نتركها للأجيال القادمة، ما دام هناك بصيص من الأمل. أما أن يستكين المثقف إلى الصمت ويترك الحبل على الغارب للمتطفلين، فلن يخدم هذا التراث اللامادي على الإطلاق.

 

من هو المتصوف أبو العباس السبتي دفين مراكش؟

حسب المعلومات المتوفرة في صفحة "ويكبيديا" بالشبكة العنكبوتية، فقد ولد أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي بمدينة سبتة، سنة 1129م (524 هجرية)، وتوفي سنة 1204م. ويعتبر من أكبر أولياء مدينة مراكش، الذي لا يخلو من ذكره كتاب عن التصوّف في بلاد المغرب، وهو أشهر رجالات مراكش السبعة على الإطلاق.

وقد خصه أبو الحسن البوجمعوي الدمناتي بتأليف في مناقبه، وضمن ابن الزيات التادلي آخر كتابه "التشوف" أخبارا وافية عنه سماها "أخبار أبي العباس السبتي"، وترجم له بعض المشارقة كالإمام النبهاني في كتابه "جامع كرامات الأولياء."

ينتسب أبو العباس السبتي إلى أسرة أمازيغية فقيرة إذ بوفاة والده اضطرت أمه إلى إرساله إلى حائك لتعلم الحرفة مقابل أجر. وبالرغم من أن أبا العباس كانت له رغبة في العلم، فإنه كان (كما تقول الروايات)، يفر من معمل الحائك ليلتحق بكُتّاب أبي عبد الله محمد الفخار فتلحق به أمه لتعيده إلى الحائك بعد معاقبته. ومع تكرار الحادث تدخل (معلمه/ الفقيه) مقترحا على الأم أن يعلم الصبي ويدفع لها.

وعن خلوته، يذكر أنه في السنة التي تأكد فيها انتصار الموحدين على المرابطين، خصوصا بعد مقتل يوسف بن تاشفين عام 1144م، أبدى أبو العباس رغبته في السفر طلبا للعلم ولقاء المشايخ، وعمره ست عشرة عاما، ووقع اختياره على مراكش،. لأنها عاصمة الدولة الجديدة.

وجد أبو العباس مدينة مراكش في حالة حصار (استمر من محرم إلى شوال عام 541 هجرية 1146م، فصعد إلى جبل كيليز ، وبقى في خلوته هناك مع وصيفه مسعود الحاج أربعين سنة.

دخل أبو العباس إلى مراكش، وقطع خلوته الطويلة حيث وصلت أخبار كرامات أبي العباس بعد نزوله على جبل كيليز، إلى المنصور وأعيان المدينة مما جعلهم يطلعون إليه للتبرك، ودعاه الخليفة إلى الإقامة بالمدينة وحبس عليه مدرسة للعلم والتدريس ودارا للسكنى. وفي هذه المرحلة تم نشر مذهبه على نطاق واسع إذ كان يطوف بنفسه في الأسواق ويحث الناس على الصدقة وعلى المتاجرة مع الله. حيث توفي بمراكش في اليوم الثالث من جمادى الأخيرة عام 601هـ/1204م.

كان أبو العباس، حسب بعض المراجع والوثائق التاريخية، "مشاركاً كبيرا في علوم الإسلام، فقيها على مذهب مالك، وكان حائزاً لرئاسة الفقه في وقته، بصيراً بدقائق المذهب، ضابطاً لقواعده، عارفاً بصناعة الأحكام. وكان بالعلم والعمل والزهد والورع والتصدق نموذجا يحتذى، وتمم كل هذا بحسن الأقوال وجمال الأفعال، حتى وصفه ابن المؤقت المراكشي في كتابه "السعادة الأبدية في التعريف برجال الحضرة المراكشية"، "بحجة المغاربة على أهل الأقاليم".