Thursday 12 June 2025
سياسة

عبد الوهاب الكاين يفضح ورطة الجزائر في ادعاءات قصف المغرب لشاحناتها

 
عبد الوهاب الكاين يفضح ورطة الجزائر في ادعاءات قصف المغرب لشاحناتها عبد الوهاب الكاين
ضمن مقولة "اكذب، اكذب، حتى يصدقك الناس"، ما تزال الجزائر وفية لها، وآخر الكذب، اتهامها المغرب باستهداف قوافل تجارية على الحدود الموريتانية بأسلحة وصفتها بالمتطورة، دون أن تقدم أي أدلة أو تفاصيل تهم هذه العمليات المزعومة، وذلك على غرار اتهامات مماثلة في وقت سابق.
في هذا الحوار مع عبد الوهاب الكاين، رئيس المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان، يتحدث عن ما اعتبره بلاغ "الورطة" التي سقطت فيها الجزائر..


كيف يمكن تفسير سر هذا العداء للنظام الجزائري للمغرب، وذلك على خلفية بلاغات ما تعتبره أقصاف مغربية في أراضيها؟
إن المتتبع للسلوك السياسي للسلطات الجزائرية طوال العشرية الأخيرة، يقف مشدوها أمام هذا الخلل السلوكي الخطير على أمن وسلامة الجزائريين بالدرجة الأولى، ودول الجوار والمنتظم الدولي بدرجة ثانية. فكل خرجة أو تصريح لجهة من الجهات الرسمية العاكسة لممارسة السيادة في البلد، تبعث برسائل مقلقة حول من يحكم الجزائر أهي سلطة تنفيذية منبثقة عن مسار ديمقراطي تداولي للحكم بطريقة سلمية عبر تنظيم انتخابات شفافة وببرامج واستراتيجيات واضحة المعالم لخدمة وضمان حقوق وأمن المواطن الجزائري في المقام الأول، أم أن الأمر يتعلق بجماعة غاب لا تنضبط لأي ضوابط قانونية ولا تخضع لمراقبة أو تقييم من أي جهة كانت، وتحوز صفة الإطلاقية في علاقة بممارسة السلطة. 
 
السؤال هو عن طبيعة النظام الحاكم في الجزائر؟
أعتقد أن الإكثار من طرح الأسئلة بخصوص طبيعة النظام الجزائري، قد لا يفيد في رحلة البحث عن جواب مقنع لما نحن بصدد النبش عن حقيقته، وقد يقول قائل أن استعراض أخطاء هذا النظام كفيل بتحديد ماهية وطبيعة السلطة  فيه.
على أية حال، ومتابعة لعديد البيانات الرسمية للسلطات الجزائرية بخصوص وقوع حوادث قتل أو قصف لشاحنات في مناطق مقيدة الاستخدام المدني والعسكري، يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن حكومة الجزائر في بحث مضن ومستمر عن شماعة لتعليق كل خيباتها على جارها الغربي في ارتباط بتنافس شرس بين المملكة المغربية والدولة الجزائرية على صدارة منطقة الشمال الغربي لإفريقيا.

قد يتساءل المرء، كيف لمدنيين تواجدوا في منطقة مقيدة الولوج والاستخدام وتعرضوا لقصف أودى بحياتهم في سيناريو يتكرر بنفس الإخراج والتواجد في منطقة غير امنة ومكان مكشوف لكل نوع من أنواع القنص سواء أكان قصفا أو بالشبكة؟ وإذا افترضنا جدلا أن الأمر ليس سوى مجرد صدفة، هل الدولة التي تظهر بمظهر الطهرانية، في حل من تحمل مسؤولية حماية مواطنيها؟ أو في الحد الأدنى تنبيههم بأن المنطقة المقيدة محظورة على الأشخاص وعلى أي استخدام بشري، وأن المسألة تحتاج ترخيصا صريحا من جهة ما، قد لا تتساهل مع المخالفين لاتفاقات وقف إطلاق النار الموقعة منذ 1991؟
 
ماهي قراءتك للبلاغ الصادر عن الجزائر بخصوص هذه الادعاءات؟
من الطبيعي أن نتوصل إلى نتيجة مخيبة للآمال حال قراءة البيان "الورطة"، لأسباب ترجع أساسا إلى كون اللغة المستعملة ركيكة إلى حد إثارة الضحك، ونتمنى ألا يكون نص البيان مستوحى من سلسلة النصوص التي يكلف التلاميذ بتحريرها في المنزل دون مراقبة وتقييم بعدي، وبالتالي ينتج الطالب نصا أشبه ببيان الخارجية الشهير!!.

إن الخطاب المتضمن في البيان ينم عن نفس انهزامية، تتحين أي فرصة لإطلاق موجات من الاتهامات المجانية ضد المغرب ومصالحه، بهدف تشويه صورته دوليا، وفي أحيان كثيرة تستهدف حتى هيئات المجتمع المدني التي تعبر عن آراء تعاكس رغبات الأجهزة الأمنية الجزائرية المتحكمة في التناول السياسي والحقوقي لنزاع الصحراء محليا وإقليميا ودوليا، وتصفهم بالخونة والعملاء بلا هوادة، رغم استنكار آليات الأمم المتحدة الحمائية لهكذا خطابات محرضة على العنف والكراهية واستهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الانسان حالما يتناولون بالنقد موضوع حقوق الإنسان بالجزائر ومخيمات تندوف.
 
لم يخل البلاغ من عبارات تصف المغرب بأبشع النعوت، بل وبالإرهاب، ما الغرض من هذا؟
إن وصف المملكة المغربية بالعدو وبالطرف الخارجي والقوة المحتلة والتوسعية، وربط ذلك بقضايا من قبيل إرهاب الدول والقتل خارج نطاق القانون والقضاء وعدم الإفلات من العقاب (أو المساءلة بلغة البيان)،  وزعزعة الأمن بالمنطقة وتحدي مجلس الأمن وتعريض جهود التهدئة بالمنطقة وولاية المبعوث الأممي "ستافان دي ميستورا" والانتهاكات الخطيرة والمتكررة للأمن في الأراضي الصحراوية وجوارها المباشر، أمر مستعصي على الفهم، لأن المسألة في اعتقادي لا تعدو اضطراب شراهة في الإساءة بمناسبة أو بغيرها لجار لم يفوت حدثا إلا ويمد يديه للتعاون وشحذ الهمم لتعزيز التنمية والبناء لخدمة شعوب المنطقة، غير أنه يقابل بخطابات الجفاء والعداء عن سبق اصرار وترصد.

وقد سبق هذا البيان الخطيئة، تصريحا  آخر أوائل نونبر 2021 يتهم المغرب بقصف شاحنات تجارية في منطقة بئر لحلو المقيدة الولوج والاستخدام، وقد تساءل خبراء الأمم المتحدة حول تواجد شاحنات تجارية في ذلك المكان، غير أن السلطات الجزائرية لم تثبت حتى اللحظة إن كان الأمر يتعلق بقصف بطائرة مسيرة أو احتراق ناجم عن اشتعال عود ثقاب لأحد السائقين أثناء لحظة انتشاء بسيجارة مهربة !!! 

والمثير في الأمر أن فطنة حكام المرادية تجاوزت المألوف حينما أومأت إلى مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان بالتهجم على دولة ذات سيادة ونعتها بالعدو ودعم رغبة السلطات الجزائرية في الرد والانتقام لمحاولة توريط المغرب حقوقيا، وهي إطلالة لعمري أقبح من بيان وزارة الخارجية ويضرب في الصميم ولاية المجلس الوطني لحقوق الانسان الجزائري ومبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. 
 
ما الذي ينتظر من مثل هذه البلاغات المليئة بالتحريض ضد المغرب وتهديد أمنه وسلامته؟
في هاته السياقات التي يكتنفها الغموض، لا يجد المرء من بد سوى انتظار تغليب الحكمة في الخطاب السياسي الجزائري للتعامل مع القضايا الدولية، لأن مزاجيته المعتادة قد تبقيه معزولا عن العالم، خصوصا في علاقة بنزاع الصحراء ودورها في إطالة أمد عزلته، لأن قرار تنظيم البوليساريو السياسي والتفاوضي والتدبيري كذلك للمخيمات لا يتم إلا بتأشيرة من مكتب التنسيق العسكري، رغم أن الحكومة الجزائرية نفت غير ما مرة اعتبارها طرفا رئيسيا في النزاع.

ختاما، لابد أن نبقى متفائلين بشأن إصلاح الوضع المختل للنظام الجزائري وحالة العداء الشديد اتجاه دول الجوار، بانتصار خطاب العقل والحكمة والانصات للمجتمع السياسي غير الحاكم ومنظمات المجتمع المدني الجزائري التي لا تتوانى في التنبيه إلى أن الوضع يحتاج إلى وقفة متأنية لإحداث تغيير جذري في السياسة والاقتصاد والمجتمع وإصلاح أحوال الوطن والمواطنين والانصات الجيد لتطلعات الشعب الجزائري في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وفتح مجال لقراءة الماضي الدموي للنظام، وكشف حقيقة ما جرى بروية وجبر ضرر الضحايا وذويهم وعدم إفلات المخالفين من العقاب وسن تشريعات وطنية تضمن عدم تكرار ما جرى ويجري من انتهاكات بالغة الخطورة لحقوق الانسان، خلفت حالة قلق واضطراب مستديمة بين كافة شرائح المجتمع الجزائري.