Monday 15 December 2025
منبر أنفاس

فؤاد عبد العالي: ليس المطر من قتلهم: آسفي تحاكم الإهمال

فؤاد عبد العالي: ليس المطر من قتلهم: آسفي تحاكم الإهمال فؤاد عبد العالي
كان يومُ الأحد جرحًا مفتوحًا في ذاكرة مدينة آسفي، حاضرة المحيط التي طالما واجهت البحر بصبرٍ وكبرياء. لم تكن العاصفة مجرد حدثٍ عابر، بل صفعةً قاسية أيقظت الألم المؤجل. سيولٌ جارفة اندفعت بلا رحمة، حملت معها الخوف، واقتلعت البشر والحجر، وخلّفت خسائر في الأرواح والأموال، كأنها تُعيد كتابة مأساةٍ كان يمكن تفاديها لو أُصغي لصوت المدينة وهي تُهمل بصمت.
 
آسفي لم تُفاجَأ بالعاصفة؛ الذي فاجأها هو استمرار الإهمال. عقودٌ من التهميش جعلت البنية التحتية هشّة، والمصارف مسدودة، والتخطيط غائبًا، فصار المطر اختبارًا قاسيًا لمدينةٍ أُنهكت قبل أن تُبتلى. كنا ننتظر الفاجعة كي نلتفت، وكأن الألم وحده يملك حقَّ التنبيه، وكأن الأرواح لا تُحصى إلا بعد أن تُفقد. وحين وقعت الكارثة، سارعنا إلى فتح التحقيقات، متناسين أن “التحقيق” الحقيقي كان ينبغي أن يبدأ منذ سنوات، يوم كانت المدينة تُستنزف ببطء، على مرأى ومسمع الجميع.
 
ليس ما حدث قضاءً وقدرًا فقط، بل نتيجة تراكمات من قرارات مؤجلة، ومسؤوليات مُرحّلة، وصمتٍ طويل. الإبادة الرمزية التي طالت المدينة لم تكن وليدة يومٍ واحد، بل سياسة زمنٍ ممتد، سبق إصرارٍ وترصّدٍ غير معلنين، تُمارَس عبر الإهمال، وتُبرَّر بالاعتياد، وتُغطّى بالنسيان.
 
فهل نحتاج في كل مرة إلى ضحايا كي نعترف بالتقصير؟
وهل تُدار المدن بالتحقيقات بعد الكوارث أم بالوقاية قبلها؟
ومن يحاسب الإهمال حين يصبح عادة، والتهميش حين يتحول إلى سياسة؟
وأخيرًا، متى نصغي لآسفي وهي تحذّر قبل أن تصرخ؟