الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

هل تتجه حكومة أخنوش لإعلان سنة دراسية بيضاء؟

هل تتجه حكومة أخنوش لإعلان سنة دراسية بيضاء؟ عزيز أخنوش رئيس الحكومة إلى جانب وقفة احتجاجية لأساتذة التعاقد
منذ انطلاق الموسم الدراسي في أكتوبر 2021 وإلى اليوم، لم يتوقف نزيف الإضرابات والاحتجاجات في قطاع التعليم، ولم يشفع الاتفاق المبرم بين الوزير بنموسى برعاية عزيز أخنوش رئيس الحكومة، والكتاب العامين للنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية في تهدئة الأوضاع وصد الإحتجاجات ووقف نزيف الإضرابات وهدر زمن التعلمات الصفية، ومعه الزمن الإداري بسبب غياب الثقة واليأس الذي تسرب إلى نساء ورجال التربية والتكوين، عمقت جراحها إضرابات يقودها أكثر 116 ألف أستاذ متعاقد، ونحو 85 ألف أستاذ(ة) من الأساتذة المقصيين من خارج السلم، جميعهم في سلكي التعليم الإبتدائي والثانوي الإعدادي، إلى جانب أساتذة الزنزانة 10، فضلا عن ملحقي الاقتصاد والإدارة والملحقين التربويين، ومستشاري التخطيط والتوجيه التربوي، وغيرهم من الفئات.
 
270 ساعة ضائعة في 9 أسابيع
ما بين أكتوبر 2021 ومارس 2022، بلغ حصاد أيام الإضراب لأساتذة التعاقد لوحدهم 50 يوم دراسة ويوم عمل تعطل فيه ملايين التلاميذ عن الاستفادة من دروسهم إسوة بأقرانهم في باقي مناطق المغرب. فمن أصل 34 أسبوعا تعطلت الدراسة في تسعة أسابيع، وفي كل أسبوع نحو 30 ساعة يقضيها المتعلم، بلغة القانون الإطار 51.17، في فصول الدراسة، أي أن 270 ساعة ضائعة من زمن التعلمات منذ بداية السنة الدراسية الجارية 2021/2022 بالنسبة للفصول الذين أسندت إلى أساتذة التعاقد مهمة التدريس، دون احتساب إضرابات خاضها أساتذة الزنزانة 10 والزنزانة 11، وكلهم يشكلون القاعدة الأساس في تدريس مستويات التعليم الابتدائي، والثانوي الإعدادي.

وفي قراءة متأنية لمسار الإضرابات التي نفذت هذا الموسم منذ تعيين عزيز أخنوش رئيسا للحكومة، وشكيب بنموسى وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فإن نزيف هدر الزمن المدرسي لم يتوقف، إضرابات كل شهر في نونبر2021، وفي دجنبر 2021، وفي يناير 2022، لترتفع حدتها خلال شهر فبراير ومارس 2022، لم يوقف زحفها اتفاق 18 يناير 2022 لتحقيق السلم الاجتماعي، في قطاع يجر من وراءه خيبات ووعود وزراء ومسؤولين كانوا يقدمون الوعود وكفى، والتلميذ هو الضحية الأول والأخير.
 
مارس شهر الإضرابات بامتياز
ورغم الاقتطاعات التي يصفها أساتذة التعاقد بأنها «مجحفة وسرقة من أجورهم، لم يتوقف النزيف، إذ خلال شهر مارس 2022، تعطلت الدراسة لأكثر من ثلاثة أسابيع، وهو الشهر الأكثر تعطلا عن الدراسة، وشهر الإضرابات، لأساتذة التعاقد وأساتذة الزنزانة 10 والأساتذة المقصيين من خارج السلم، إلى جانب إضراب ليومي خاضه ملحقو الإدارة والاقتصاد والملحقون التربويون يومي 2 و3 مارس 2022، حتى أن مدارس في عدد من مناطق المغرب أغلقت بالكامل، وتعطلت بها الدراسة، في مقابل تلاميذ مدارس التعليم المدرسي الخصوصي، والعمومي غير المسندة لأساتذة التعاقد يواصلون تنفيذ مقررهم الدراسي، وشرعوا في إجراء فروض المراقبة المستمرة قبل عطلة منتصف الأسدوس الثاني من السنة الدراسية 2021/2022، التي ستنطلق يوم 03 أبريل 2022.

ووسط كل هذا بقيت النقابات والوزارة تتفرجان على ما يحصل من ضياع للزمن المدرسي وهدره، رغم التفاوتات المجالية بين الأكاديميات وما بين المديريات، حيث أن مناطق المغرب غير النافع يشكل فيه أساتذة التعاقد كتلة كبيرة بنسبة حصيص تتراوح ما بين 60 و80 في المائة من أطر التدريس، ومنها على وجه الخصوص مناطق شفشاون، وأزيلال، والدريوش، ودمنات، والحوز، وزاكورة، وتينغير، وآسا الزاك، تارودانت، وطاطا، وتيزنيت، وطانطان...
وحسب دراسة قامت بها جمعية «أماكن» المتخصصة في دراسة وتتبع «جودة المنظومة التربوية بالمغرب»، فالهدر المالي الناجم عن توقف الدراسة والهدر المدرسي والتكرار الدراسي ناهز 25 مليار درهم سنة 2020، وما بالك عن المبلغ الذي ستحتاجه الدولة لإقرار سنة دراسية بيضاء.

وأمام هذا الوضع الملتبس، اضطر الوزير بنموسى وفريقه للقاء ممثلي جمعيات الآباء والأمهات الذي نقلوا أنينهم إلى الوزارة والحكومة، وقلقهم من ضياع الزمن المدرسي وتواصل هدره، في ظل الأخذ والرد بين الطرفين مع الأساتذة.. والضحايا التلاميذ.
 
تناقضات والتباس
وبالرجوع إلى تصريحات أدلى بها الوزير مصطفى بايتاس، وهو رجل تعليم سابق في أيت باعمران (سيدي إفني)، الناطق الرسمي باسم الحكومة، فقد أقر قبل دخوله للحكومة بأن «مهمة التعليم مهمة شاقة جدا، ومهمة تتطلب مجهودا كبيرا، وأنا أتضامن مع الأساتذة بشكل كبير».

وأضاف بايتاس في حوار سابق نشره له، أن «البقاء في ميدان التعليم يتطلب صبرا كبيرا، ويتطلب من الدولة أن تُوفر الإمكانيات، لأن الأشخاص الذي ستتاح لهم الفرصة لتغيير الإطار سيغادرون».
وبخصوص موقفه من أساتذة التعاقد، مضى بايتاس قائلا: «هذه الصفحة يجب أن تُطوى، ويجب أن تُطوى بشكل نهائي، والوزير الوصي على القطاع يجب أن يناقش بكثير من الانفتاح».

وتابع قوله: إن كان هناك من حل يؤدي إلى إدماجهم يجب أن يُتخذ.. باراكا من الأساتذة متهان الكرامة ديالهم فشوارع محمد الخامس والحسن الثاني في الرباط، الله يجعل البركة.. فهؤلاء الأساتذة يجب أن يكونوا في مدارسهم، يؤدون مهامهم، ويجب على الحوار أن يكون حوار موضوعيا حقيقيا، كما يجب على بعض الجهات التي تلعب بالنار، أن تبتعد عن هذا الملف».

غير أنه عاد اليوم، بعدما صار وزيرا ناطقا رسميا باسم حكومة أخنوش، لينقلب 360 درجة قائلا: «لا مبرر لإضراب الأساتذة وأطر الأكاديميات، المعروفين باسم “المتعاقدين”، مادام الحوار الحكومي مع النقابات مستمراً، ولا مبرر للإضراب مدته 14 يوماً، ولا معنى لعدم تمدرس التلاميذ… الفقراء والبسطاء هم الذين يدرسون في هذه المدارس التي تسجل فيها الإضرابات».

وبخلاف التطمينات والوعود التي قدمتها الأغلبية الحكومية خلال الانتخابات الماضية بإنهاء أزمة الأساتذة المتعاقدين عبر إدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية، استبعد الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية فوزي لقجع تحقيق هذا المطلب التي ترفعه باستمرار «التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد».

وبرّر لقجع رفض حكومة أخنوش إدماج الأساتذة المتعاقدين في أسلاك الوظيفة العمومية، بوجود إكراهات مالية تواجه ميزانية الدولة، لاسيما في ظل عدد كبير من الموظفين المشتغلين في عدد من المؤسسات العمومية الذين يعيشون نفس وضعية الأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مشيرا إلى أنه تم منذ سنة 2018، اعتماد مسار مهني جديد لأطر الأكاديميات، لولوج المنظومة التعليمية عبر التوظيف الجهوي.
 
«أوراش» عنوان»البريكولاج»
وفي ظل الأفق المسدود بين الوزارة والأساتذة ومواصلة الزمن المدرسي المهدور، استنفرت حكومة عزيز أخنوش، مواردها المالية والبشرية، فشرعت في إطلاق برنامج «أوراش» لتوجيهه نحو الدعم التربوي، بعد أن كان مخصصا، بحسب مذكرة للوزير بنموسى تحمل موضوع “تنزيل برنامج أوراش” ذات الرقم 007/22 بتاريخ 25 يناير 2022، خلال السنة المالية 2022، للتجريب، خاصة ما يتيحه من فرص وإمكانات للاستجابة لحاجيات المؤسسات التعليمية من الخدمات ذات الأولوية».

غير أن توجه الحكومة، لمواجهة صمتها تجاه إضراب الأساتذة وضياع أسابيع من زمن التعلمات، دفع بها لتحويل «أوراش» إلى الدعم التربوي، من أجل تهدئة الأوضاع التربوية والغليان التربوي الذي فجرته بيانات جمعيات الآباء والأمهات في كثير من المواقع. وهو ما أثار استهجان المتتبعين للوضع التربوي، حيث استغربوا في اتصالهم بـ «الوطن الآن»: كيف يعقل أن تتجه الحكومة، ومعها الوزارة الوصية، إلى التعاقد مع أشخاص بلا تكوين ولا تأطير، فقط بشهادة الإجازة، لتقديم حصص الدعم التربوي لتلاميذ حرموا من الاستفادة من الدروس النظامية ومن المقرر الدراسي، الذي ينبغي أن يكون أصلا. أما الدعم التربوي والبيداغوجي فهو مكمل، ولا يمكن أن يتم من دون شبكات تقييم وتراعي الفروق الفردية للمتعلمين داخل الفصل الواحد، والأستاذ المدرس هو سيد قسمه، هو من يعرف الفروقات الفردية، وينجز دعما يتناسب وقدرات ومهارات كل متعلم».

واعتبروا أن «أوراش» لا تلبث أن تكون «ذرا للرماد في العيون»، و»إسكاتا للغضب» بلا نتيجة ولا روية ولا دراسة ولا تمعن، فالشأن التربوي، وعلى وجه الخصوص الشق البيداغوجي منه، يتطلب من يباشره كفاءة وتكوينا عمليا ومعرفيا ديداكتيكيا بيداغوجيا لا يمكن أن يباشره أي كان، مهما كان مستواه العلمي والأكاديمي، خاصة وأن المتعلمون يواجهون امتحانات إشهادية لها أطر مرجعية تحكم بناءها ومنهجها.

وتساءل هؤلاء: على من يضحك أخنوش ومن معه؟ فالبيداغوجيا ليست كمن يمارس الكنس في الشارع، أو الحراسة في مؤسسة أو مرفق، بل لها خصوصيات وملكات ينغي توفرها في الأستاذ.
هذا الموقف عبر عنه أساتذة التعاقد في هاشتاغ  بكتابتهم: أوراش عنوان البريكولاج.