الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

أبو وائل الريفي:  معسكر النواعرية يتبنى القضايا الخاسرة ويلعب بالنار بعد التغلغل في الإلتراس

أبو وائل الريفي:  معسكر النواعرية يتبنى القضايا الخاسرة ويلعب بالنار بعد التغلغل في الإلتراس مشهد من أحداث مباراة الجيش والمغرب الفاسي ومحمد العبادي زعيم العدل والاحسان، ومصطفى ابراهمة زعيم النهج الديمقراطي(يسارا)
بعد فشل الرهان على الشارع، وبعد فشل الاستغلال السياسوي لجائحة كوفيد، وبعد فشل الركوب على جواز التلقيح، وبعد فشل خيار مقاطعة الانتخابات، وبعد فشل الحملات الدعائية ضد الاتفاق الثلاثي، وبعد فشل انتظار تراجع أمريكي عن الاعتراف بالوحدة الترابية لم يأت ولن يأتي، وبعد فشل أسلوب التبوحيط لاستدرار عطف المغاربة، نلاحظ هذه الأيام تسابق محموم مع الزمن للركوب على موجة الغلاء وملف الأساتذة المتعاقدين واستغلال عودة الجماهير الكروية للملاعب لـ "تسخين الطرح". وكالعادة، لن تكتمل "الجدبة النضالية" بدون الدعوة إلى "الجبهة الموسعة" التي يراد لها، بشكل متعسف وغير منطقي، أن تجمع ما لا يجتمع وأن تتقوى بالمتناقضات، والسبيلُ إلى ذلك هو تبادل "الغزل السياسي" وتناسي الماضي والخلافات العميقة. وكل شيء يجوز ضد المخزن الذي لم ير منه هذا الجانب إلا من يرى المغرب بنظارات سوداء لا يغيرها في الليل والنهار وفي كل الفصول ومنذ عقود وكأن لا شيء يتقدم في هذا البلد التي تبذل مجهودات ليكون لها موقع قدم تحت هذه الشمس الحارقة وهذا العالم المتقلب الذي يستوجب من الجميع الاصطفاف وراء مصلحة الوطن وليس اتباع مقامرات هذا التنظيم أو نزوات تنظيم آخر.
للحقيقة، تعكس خطابات وشعارات هؤلاء المعارضين مستواهم لأن كل إناء بما فيه ينضح، وتبين أفكارهم ضحالة تفكيرهم، وأنهم هواة مبتدؤون في العمل العام غارقون في الأحلام الرديئة والطوباويات البئيسة.
أصبح المغاربة يعون وضع البلاد جيدا، ويستوعبون الأسباب الموضوعية لموجة الغلاء، ويتابعون هذه الموجة التي عمت كل دول العالم، ويعرفون حدود الممكن بالنسبة لدولة محدودة الإمكانيات مثل المغرب ومع ذلك تستمر في تحمل التحكم في أسعار مواد أساسية حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن. ولهذا يعرف معسكر النواعرية حالة بوار يريدون أن يغطوا عليها بمزيد من التطرف وتبني القضايا الخاسرة واللعب بالنار، ولا يهمهم في سبيل ذلك ما يلحق الشباب الذي يوظف في معارك يتضرر منها أكثر من غيره. يريد هؤلاء النواعرية لفت الانتباه بأنشطة وندوات لا يشاهدها إلا عشيرتهم وزبائنهم ويكفي النظر لنسب المتابعة ليعرف كل واحد حجمه وقدره.
الفرصة الذهبية ل"عدلاوة" و"نهجاوة" سيطول انتظارها ولن تأتي، والرغبة في الركوب على احتجاجات عادية وتسييسها و"تثويرها" و"تحزيبها" خيار فاشل جربوه أكثر من مرة وتكون النتيجة دائما انصراف الناس من حولهم، وهو ما دفعهم في الآونة الأخيرة إلى سلوك طريق "التقية السياسية". ودور الرأي العام اليقظة الدائمة تجاه هذه الأجندات التي تجيز استعمال كل شيء من أجل مصلحة تنظيمات هامشية غامضة الأهداف والولاءات والأجندات.
أكبر خطأ يقع فيه اليسار هو التقدير الخاطئ لقوة جماعة عدلاوة. للأسف يظنون أنها جماعة تتمتع بقوة سياسية وحضور شعبي وتأثير ميداني ويتناسون حالة التراجع والانحسار التنظيمي والسياسي الذي تعيشه منذ سنين، ويتجاهلون الأعداد المتزايدة للانسحابات من داخلها لمن قضوا فيها سنوات طويلة فاكتشفوا حقيقتها من الداخل، ويتناسون إخلافها للمواعيد وإخلالها بالاتفاقات وتنقيصها من كل اليسار ومشروعُها الذي يحن إلى زمن من شأنه إدخال البلاد في ظلمات بعضها فوق بعض. يتناسى الرفاق أن الجماعة منقسمة إلى جماعات لم يعد يربطها حتى الاسم حيث كل مجموعة تدعي إرث جزء من شعارها وتنفي عن المجموعة الأخرى تمثيلها وتمثلها له.
أصبح هؤلاء النواعرية "يلهثون بحثا" عن كل قضية أو نصف قضية أو ربعها والمهم أن الماكينة التهويلية قادرة على تضخيم كل شيء وتصيد الفرص وأشباه الفرص لخلق حالة الفوضى والتوتر. ولكن هيهات هيهات.
لقد عشنا نهاية الأسبوع الماضي أحداثا مأساوية في ملعب مولاي عبد الله بالرباط. لا يمكن توصيف تلك الأحداث خارج نطاق الشغب المدان الذي لا يمكن تبريره أو تفهم بعض من دوافعه أو التقليل من آثاره. لا يمكن تفهم شباب جانح يخرب الملك العام ويعتدي على سيارات المواطنين ورجال الأمن ويفقد هذه الرياضة متعتها بتسببه في دوامة العنف والعنف المضاد التي قد تُعرف بدايتها ولكن لا يمكن التكهن بنتائجها. اللعب على هذا الوتر خطير والأطراف التي تراهن على عنف الملاعب وتوظيف الشباب ومباريات الكرة بتحويلها إلى ساحات وفضاءات احتجاج لا تستوعب خطورة هذه الخطوة وحساسيتها وتداعياتها على البلاد كلها. استثمر هؤلاء النواعرية منذ مدة ليست بالقصيرة في التسرب والتغلغل في مجموعات الألتراس وتوظيفها سياسيا وتوجيه احتجاجاتها ضد السلطة وافتعال صراعات وهمية معها لتوتير الأجواء، وها هم يرون اليوم حصاد زرعهم. الأكيد أنهم لم ولن يحققوا مبتغاهم، ولكن ليست هناك ضمانة أن مثل هذه الرهانات لن تخلق ضحايا سيؤدون ثمن ما ينفذونه بدون وعي كامل بخلفيات المخططين له.
الرياضة أخلاق والتشجيع غير منفصل عن ذلك، والربح والخسارة جزء من متعة الكرة، وخلط التنافس الرياضي بالصراع السياسي مهلكة لهما معا ويؤدي ضريبته الجمهور الكروي قبل غيره، ولذلك وجب الحذر من اللعب بالنار. لو كان النواعرية يعارضون بحس وطني لما فكروا في توظيف جماهير الكرة في مخططاتهم التي لن تنجح ولكن قد يكون لها ضحايا كثر. وسيفهم الجميع هذه الحقائق حين ينال كل مخرب جزاءه كما ينص على ذلك القانون. وحينها على هؤلاء المعارضين مراجعة هذه الأساليب إن كان ما زال عندهم وازع أخلاقي أو ضمير حي أو حرص على سلامة وأمن المغاربة.
ولأن كل هم النواعرية إشاعة الفوضى وإشعال نار الفتنة فإن بالهم لا يهدأ حتى يخربوا كل شيء. وها هم يركبون على ملف الأساتذة المتعاقدين لإطالة أمد احتجاجاتهم ومعها الامتناع عن التدريس الذي لا يتضرر منه سوى أبناء الشعب الذين يخسرون فرصا للتعلم الجيد الكفيل وحده بتوفير فرص الترقي لهم. للأسف، من يطيل عمر الاحتجاجات ويباركها وينفخ فيها هم من يتباكى على التعليم المتخلف والمدرسة العمومية الرديئة وضياع أبناء الشعب، مع أنهم هم السبب المباشر لذلك. لا يتحمل كلُّ هؤلاء المسؤوليةَ في القرارات والاختيارات التي يتسببون فيها والتي تضرب استمرارية المرفق التعليمي مع ما يترتب على ذلك من أضرار. هل كل هذه الإضرابات وتعطيل مرفق عام حيوي مبرر بنظام التعاقد؟ وحتى إن كان هو السبب، هل يمكن تبرير كل هذا التصعيد رغم أن أبواب الحوار لازالت مفتوحة؟
نظام التعاقد خيار ساهمت في العمل به عوامل متعددة، وهو لا يختلف عن الوضعية النظامية التي يتمتع بها غير المتعاقدين. يتلقى الجميع نفس الأجور ويستفيدون من الحقوق نفسها، والاستثناء الوحيد هو نظام التعاقد، وهو الآخر سيتم إصلاحه مستقبلا في اتجاه توحيد كل الصناديق. أين المشكل إذن؟ وهل يستدعي كل هذه الإضرابات؟ وهل يتناسب حجم الاحتجاجات مع طبيعة هذا المشكل؟
الإجابة عن هذه الأسئلة تجعل كل ذي عقل ومنطق سليم يفهم حقيقة تحريك هذه الملفات في هذه الظرفية بالضبط، ومن له مصلحة في ذلك، ولماذا. والمؤكد أن الأساتذة المتعاقدين يخطئون مرة أخرى قراءة قضيتهم وتدقيق مطلبهم واختيار توقيت وطريقة احتجاجهم، ووحدهم سيؤدون ثمن ذلك ولكن سيتضرر أبناء الشعب ومكانة المدرسة العمومية أكثر من ضررهم. وخطواتهم القادمة ستكون فيصلا في مصداقيتهم عند ملايين الأسر التي ترى حصيلة عملهم في أبنائها الذين تراهن على استفادتهم من تعليم جيد. ليت هؤلاء الأساتذة ناضلوا من أجل جودة المناهج والبرامج والبنايات وعوامل أخرى بشكل متوازي مع المطلب الذي يعكس أنانية تضع درجة مواطنتهم في الميزان.
 
عن موقع "شوف تيفي"