السبت 11 مايو 2024
كتاب الرأي

بديعة الراضي: هناك مثقف يسكن ذاته وهناك مثقف يسكن المجتمع  

بديعة الراضي: هناك مثقف يسكن ذاته وهناك مثقف يسكن المجتمع    بديعة الراضي

السؤال حول دور المثقف في الرقي بالأدوار الطلائعية داخل المجتمع، ليس وليد اليوم، لسبب تسجله الذاكرة في تجارب هذه المجتمعات، التي أكدت دور الثقافة والمثقفين في تخليق الحياة المجتمعية ،من منطلق الترافع حول القيم والمبادئ التي تحفظ للإنسانية أدوارها في حماية المجتمعات من الإنزلاق نحو اللإنسانية ، من كافة الواجهات.

كما أن الذاكرة الثقافية، في سجلاتها المجتمعية، كشفت عن دور المثقفين في التغيير نحو بناء المجتمعات الكفيلة بحماية الإنسان من نفسه أولا كي يكون عنصرا فاعلا وقويا في بناء مجتمع التقدم والتطور والتنمية .فكلما اتسعت رقعة إصلاح العقول فإنها تشكل عناصر متضامنة في بناء المجتمعات المتطورة والمتقدمة.

وفي هذا الصدد فإن المجتمعات المتقدمة تعتمد في منظومتها على الثقافة ، بناء على عامل التشارك والإشراك، حيث تجد الثقافة في عمق الصناعات الفكرية، والمثقف في هياكل هذه الصناعات، موجها ومؤطرا، ومقترحا، حتى في اختيار فضاءات الإنتاج الكفيلة بتوفير نمط معين من طرق الاستقبال للإنسان المتعطش إلى مخاطبة عقله وإحساسه معا.

وفي كلّ عمليات الحفاظ على المجتمعات أو تغيير المجتمعات يعتمد الأمر على المثقفين والمبدعين في شتى المجالات. فالمثقف والمبدع هو ضمير المجتمع، وهو صمامه، وهو المنبه، وباستطاعته أن يرفع درجة القلق، ويفرض درجات اليقظة عندما يستشعر الخطر على قيم المواطنة، وقيم الوطن، ومبادئ الإنسانية، من أجل الحفاظ على ركائز السلم والسلام، والتعايش، والأمان  .هذه الركائز هي العدل والأمن والصحة والتعليم والعيش الكريم.

إذا المثقف هو لسان المجتمع، هو عقله وقلبه، هو الوسيط الفعلي بين الإنسان والانسان، وبين الضفاف، والمجتمعات، وهو الناطق بإسم الحفاظ على مصالح الوطن والمواطن في مقدمة التراب.

المثقف هو المستشعر بالأخطار، وهو الذي يرسم مختلف مقترحات الخرائط لمواجهتها. والمثقف هو واضع طاولة الحوار، وهو مبدعها ،هو المحلل والناقد، وناشر الوعي، وحامي المجتمع، والمدافع عن تطوره، وغارس الأمل، وململم الشتات، وموزع الثقة في الدروب، ومنير المظلمة منها، في يده قلم وشمعة ،وقصيدة الدعوة الى بناء المستقبل المشرق، وهو الكاشف عن الحقيقة ، وواضع البدائل لمعالجة تداعياتها على مستقبل الإنسانية. و المثقف هو الضمير الحي، هو العقل المتجدد، وهو قارئ التاريخ من أجل بناء جسره نحو المستقبل.

إلا أن المثقفين أنواع منهم من توجه لبناء ذاته من أجل أن يسكن فيها، ودوره هو الجلوس في سطح بيته، يتابع كمتفرج على مشهد عابر في مجتمع محتاج إلى أدوار المثقفين لبناء صرحه. يظل هذا النوع من المثقفين غارق في أنانيته، باحثا عن مقاعد مريحة في الصفوف الأمامية من الطيران الدولي، لتمثيل الذات المريضة، والحكي عن بطولاتها الدونكيشوتية، وعن فتوحاته في عوالم هي في أحيان كثيرة نابعة من أوراق اعتقد أنه صانعها، يؤسس من خلالها لعدمية تساعده بالفعل كي لا يرى حقيقته، لكونه بنى زمنا من آجور أوطان مغايرة، استعصى عليه في لحظات المكاشفة، أن يصارح نفسه، بأنه اقترف جرم الهروب الكبير من مسؤوليته كمثقف نحو مجتمع تواق إلى أدوار تفاعلية مع قضايا الوطن والمواطن وقضايا الإنسان.

وهناك من المثقفين من توجه لبناء الذات من أجل ان تسكن المجتمع وتفكر في بناء الوطن، وتنخرط في كافة معارك التنمية والتغيير، بحس عال مسؤول ومواطن.

إن المثقف هو كبير المترافعين عن الإنسان في المجتمع. يعتمد في الترافع على الإيمان الحقيقي بالقيم العالمة والناتجة عن امتلاك الفكرة والرغبة والإرادة والقدرة التي تمتهن من العلم وعالم الفهم الناتج عن قراءة وتحليل مختلف المرجعيات والتصورات و الحضارات والمعتقدات.

يتفاعل المثقف، ويستخلص ويقارن ويقارب بين توجهات الإنسان بمختلف معتقداته وحضاراته، كي يكون منسوب الأنسة مرتفعا ومحاصرا لأي صدام حضاري أو ثقافي أو عقائدي ديني. ودوره هو الدفاع عن حوار الحضارات، وتعميق الإيمان بالإختلاف، والتكامل، واحترام الآخرين، مهما كانت درجات التباعد الفكري والحضاري والعقائدي. المثقف الحقيقي مسكون بأسئلة المجتمع، يبحث باستمرار عن آليات تدفع بالمجتمع للأفضل بمزيد من الحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية.

بديعة الراضي رئيسة كاتبات المغرب