الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

سهام وعلي: علاقة التبعية وأهميتها في قانون الشغل

سهام وعلي: علاقة التبعية وأهميتها في قانون الشغل سهام وعلي

باعتبار الحق في الشغل القاسم المشترك بين أفراد المجتمع والركيزة التي تضمن الاستقرار والتوازن للإنسان؛ فإن قانون الشغل يعد حجر الزاوية في التشريعات الاجتماعية.

قانون الشغل هو مجموعة قواعد قانونية تحكم العلاقات الناشئة عن العمل التابع التعاقدي الخارج عن إطار الوظيفة العمومية؛ فهو قانون متفرد؛ واقعي يراعي في مقتضياته حماية الطرف الأضعف اقتصاديا والأقوى اجتماعيا والأكثر تأثير سياسيا ألا وهو الأجير.

يرجع ظهور هذا القانون لمنتصف القرن 19 إبان الثورة الصناعية؛ أما في المغرب فقد تدرجت أحكامه من الفقه الاسلامي ونظام الطوائف قبل الحماية مرورا بتنظيم قانون الالتزامات والعقود لعقد إجارة الخدمة ومختلف الظهائر الشريفة التي أصدرت في عهد الاستقلال وصولا إلى القانون بمثابة مدونة الشغل رقم 65.99 الذي أنهى فكرة السخرة وأحل محلها النظرة الحقوقية ومصلحة الأطراف .

 

لعلاقة التبعية أهمية بالغة على جميع الاصعدة اجتماعيا؛ اقتصاديا وسياسيا على اعتبار أن العلاقة الشغلية تمتد إلى باقي الشرائح من تحديد لساعات العمل وأيام الراحة الأسبوعية ونظام التعويضات، وهذا ما يجعل اثبات هذه العلاقة وإشكالاتها توجد على رأس المنازعات في المادة الاجتماعية عمليا، أما نظريا فيبقى الخلاف الفقهي الذي صاحبها ورفض البعض لمفهومها الاقتصادي هو الأهم على الإطلاق.

 

إن علاقة التبعية بصفتها أهم ركن في العلاقة بين الأجير والمؤاجر تطرح عدة إشكالات محورية أهمها: ما هو مفهوم التبعية؟ ماهي أنواعها؟ وما هو موقف كل من القضاء والتشريع المغربيين منها؟

هذا ما سنفصل فيه حسب التصميم التالي:

 

أولا: مفهوم التبعية وأنواعها

ثانيا: موقف القضاء والتشريع المغربي من علاقة التبعية

 

أولا - مفهوم التبعية وأنواعها :

دأب الفقه على تقسيم العمل إلى قسمين عمل مستقل وتابع سنعرف التبعية في الفقرة الأولى ونتطرق لأنواعها في الفقرة الثانية

 

1- مفهوم التبعية :

تعرف التبعية حسب معجم المعاني الجامع بانها اتبع وتتبع المنهج نفسَه: قلَّده وتتبع أَعْمَالَهُ عَنْ قُرْبٍ: عَايَنْتُه وَدَقَّقْتُ فِيهَ بِتَمَهُّلٍ وَرَوِيَّةٍ وقانونا هي العلاقة التي تميز العمل الذي يؤديه الاجير ويكون تحت مراقبة وإشراف وتوجيه من يؤدى هذا العمل لحسابه: المشغل والذي يملك كذلك حق التأديب عند إخلاله بمظاهر المراقبة والإشراف، وكان هذا المفهوم محل اجتهادات كثيرة في بعده القانوني جسده الفقه التقليدي وبعده الاقتصادي؛ تبناه الفقه الحديث...

بطبيعة الحال يبقى هذا الامتثال للأوامر ليس مطلقا؛ إذ يؤطر بطبيعة العمل المتفق عليه وأن لا يكون مخالف للنظام العام والأخلاق الحميدة.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المفهوم من الأهمية بما كان لأنه من خلاله نستطيع تحديد ماهية العمل الخاضع لمقتضيات مدونة الشغل عن سواه ويميز به عقد الشغل عن غيره من العقود التي ترد بدورها على العمل.

 

2- أنواع التبعية :

التبعية القانونية :تظهر التبعية القانونية في هيمنة المشغل على نشاط الأجير وقوامها هو نوع من السلطة تتجسد في حق المشغل في التوجيه والاشراف والمراقبة وأيضا في الجزاءات التي يمكنه توقيعها على الأجير عند المخالفة.

إنها تبعية في أداء العمل وفي تنفيذه وفي تصورها لا عبرة هنا بوضعية الأجير أو أجره، إذ يستوي المهندس والطبيب أو مسير المقاولة؛ ومهما كان الجهد المبذول في العمل ونوعيته.

 

التبعية الاقتصادية: عند تخلف التبعية القانونية أصبح ضروري ايجاد معيار لتحديد العمل الخاضع وقد أثارها أول مرة الفقيه CUCH سنة 1913، ومعناها حاجة الأجير إلى الأجر واعتماده عليه في عيشه كمصدر رزق وحيد يقضي فيه جل وقته، وقد ظهر هذا الاتجاه الجديد في التبعية استجابة للوعي الاجتماعي النامي بضرورة حماية طبقة الأجراء وإحلال فكرة علاقة الشغل بدل عقد الشغل، كأساس لتطبيق قواعد قانون الشغل وخاصة في غياب أي تنصيص على الكتابة كشرط انعقاد .

 

2: موقف التشريع والقضاء المغربيين من التبعية

1- موقف التشريع: عرف المشرع للمغربي عقد الشغل من خلال الفصل 732 من قانون الالتزامات والعقود والذي كان محط انتقاد الفقه لغياب عنصر التبعية وهذا راجع لعدم الدقة فقط لأنه ومن خلال تعريفه للأجير على أنه كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين.. فقد أخذ بها كعنصر من عناصر عقد الشغل وكمناط لتطبيق مدونة الشغل الزمه بضرورة التقيد بأوامر المشغل وتنفيذها؛ كما اعتبر ايضا في المادة 39 من نفس المدونة أن رفض الأجير لأي شغل في صلب اختصاصه عمدا وبدون مبرر خطأ جسيما قد يؤدي إلى الفصل .

 

2- موقف القضاء: إن الاجتهاد القضائي المغربي؛ وإن كان يأخذ بالتبعية القانونية واستثناء بالتبعية الاقتصادية، فإن الاجتهاد القضائي لم يصفها بأي وصف؛ وهكذا جاء في مجموعة من القرارات:

وحيث أن الذي يميز عقد الشغل هو عنصر التبعية من اشراف وتوجيه ورقابة المشغل تجاه أجيره...

وحيث أن القرار المطعون فيه لما اعتبر أن العلاقة الرابطة بين الطرفين هي علاقة شغل اعتمادا على الأجر فقط دون أن يبرر بقية العناصر...

وحيث إن عنصر التبعية القانونية هو أساس التمييز بين عقد الشغل والأوضاع القانونية الأخرى.

 

إن إشراف المشغلة في ظل التبعية الإدارية التنظيمية لا يمس جوهر العمل الذي يؤديه الأجير من الناحية الفنية بصفته طبيبا لأن التبعية القانونية تتحقق حتى لو كان يتمتع باستقلال كبير من الناحية الفنية في القيام بعمله.

 

يظهر من خلال القرارات أنه غالبا ما تقترن التبعية القانونية بالتبعية الاقتصادية؛ وكيف ما كان الموقف من التبعية، فهي تعد العنصر الجوهري الذي يميز عقد الشغل ويكيف العلاقة بأنها علاقة شغل خاضعة لمقتضياته مهما كانت صور هذه التبعية....

 

المراجع :

- الوسيط في مدونة الشغل للدكتور عبد اللطيف خالفي الطبعة الاولى 2004. الصفحة 349 وما يليها

- معجم المعاني الجامع pdf

- موقع المرجع القانوني للمعلوماتية.. عناصر عقد الشغل https/almarej.com

- ملف عدد.2014/2/5/804 منشور بموقع Maroclaw.com

- مدونة الشغل

 

سهام وعلي، باحثة في العلوم القانونية