الثلاثاء 23 إبريل 2024
اقتصاد

مبارك اوتشرفت: رجاء أوقفوا زراعة الدلاح الأحمر والأصفر التي تهدد واحات إقليم طاطا

مبارك اوتشرفت: رجاء أوقفوا زراعة الدلاح الأحمر والأصفر التي تهدد واحات إقليم طاطا مبارك اوتشرفت مع جانب من إحدى واحات إقليم طاطا

تفاقم القلق في طاطا بعدما انتشرت زراعة البطيخ كالسرطان في كل مكان بالإقليم واستنزفت القطرات المتبقية من الفرشة المائية، وبات الدلاح  يهدد الأمن المائي واستقرار السكان؛ وزادت عوامل الجفاف والحرائق من حدة الأزمة بحيث ساهمت في أفول الواحة التي لم يعد نخيلها سوى سيقان عجفاء خاوية على عروشها.

"أنفاس بريس" كان لها لقاء في هذا الإطار مع مبارك أوتشرفت، رئيس منتدى إفوس للديمقراطية وحقوق الانسان ومنسق نافذة التشاور المدني بإقليم طاطا -عضو حركة مغرب البيئة 2050:

 

+ تحتل  الواحات بالمغرب مساحة مهمة في المغرب، مما جعلها  تمتاز منذ القدم بثقافة تدبيرية يتناغم فيها الماء والفلاحة والرعي؛ كيف يمكن تقديم وضعية الواحات اليوم؟

- الواحات منظومة بيئية من صنع عبقرية الإنسانécosystème artificiel  ، تنتشر في بيئة معادية بشكل عام، الصحراء أو المناطق الجافة (un milieu hostile) من عنصرين أساسيين: الماء وشجرة النخيل المتمر، l’Arbre Roi  وتتميز غالبية الواحات بندرة الموارد المائية.

تتواجد الواحات بشكل رئيسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وبنسبة اقل في آسيا وأستراليا وأمريكا، وتغطي الواحات 33 إلى 40% من الكرة الأرضية، 66% منها في القارة الإفريقية، يقطن بها ما يقارب ملياري من الساكنة، ما يعادل 28% من الساكنة العالمية، تغطي واحات النخيل ما يقرب مليون هكتار، يعيش بها حوالي 10 ملايين شخص.

يحتضن المغرب أكبر مجال واحي عالميا، حيث تغطي الواحات المغربية مساحة تقدر بـ 115.563 كيلومتر2، ما يعادل 15٪ من إجمالي مساحة البلاد، وتتواجد الواحات بثلاث جهات، 8 أقاليم و113 جماعة، ويصل سكان الواحات إلى 1,733 مليون نسمة، أو 5٪ من السكان المغرب،  وتتميز الواحات المغربية بتنوع بيولوجي كبير، نظرًا لوجود العديد من المحاصيل المرتبطة بها، وخاصة في بساتين النخيل، حيث يوجد ما يصل إلى ثلاثة مستويات من النباتات.. تلعب الواحات دورا أساسيا في الحد من تأثيرات التغيرات المناخية وتعتبر آخر حاجز وقائي ضد التصحر.

وعرف المجال الواحي المغربي، طيلة النصف الثاني من القرن الماضي، تراجعا كبيرا يجعله اليوم في وضعية مقلقة، أصبحت تهدد استمرارية هذا الموروث الحضاري الإنساني. ويتجلى هذا التدهور في العديد من المظاهر السلبية  منها علي الخصوص:

تجفيف أكثر من 50٪ من العيون (الخطرات) (من أصل 570 موجود أصلاً فقط 270 سيظل قيد التشغيل)

إتلاف ما يزيد 2/3 المساحات المغروسة، بسبب مرض البيوض في بعض مناطق المجال الواحي

فقدان أكثر من 40٪ من الغطاء النباتي في العديد من الواحات

انخفاض عام في مستويات المياه الجوفية بمتوسط يتراوح بين -15 إلى -20م

انخفاض كبير في المحصول الزراعي ولاسيما إنتاج التمور الذي لنخفض بـ 34٪...

 

+ لوحظ أن الواحات أصبحت اليوم مهددة بتوسع التصحر وزحف الكثبان الرملية؛ ما هي في نظرك أسباب ذلك؟

- أصبح النظام الايكولوجي للواحات  اليوم مهددا بالتراجع وعدم الاستمرار. ومن بين الأسباب نجد عاملين اثنين ساهما في تدهور هذا المجال الفلاحي الذي يعد متنفسا بيئيا كذلك في المناطق الصحراوية. أولا: التغيرات المناخية، وثانيا: إهمال الإنسان لهذه الواحات التي أدمجتها منظمة اليونيسكو في الشبكة العالمية للمحميات الحيوية منذ سنة 1987.

ساهمت عدة عوامل في التدهور الذي عرفته الواحات المغربية منها:

العوامل الطبيعة، وتتجلي بالخصوص في: شح الموارد المائية نتيجة توالي فترات الجفاف الطويلة المدى؛ عدم انتظام التساقطات المطرية في الزمان والمكان؛ ضعف تدبير الموارد المائية جراء الاختلالات التي عرفها انظام التقليدي العرفي لتدبير الموارد المائية؛ تدهور جودة المياه المتأثر بالتلوث؛ تآكل التربة وتراجع التنوع البيولوجي داخل الواحات...

العوامل الإنسانية: تراجع الأنشطة الاقتصادية؛ التحولات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية التي أدت الي تفكك مجتمعات الواحات؛ فقدان الثقة في الواحة خصوصا لذي الشباب نتجت عنه هجرة مكثفة خارج الإقليم؛ تراجع جاذبية الواحات وعدم قدرتها علي استقطاب الشباب خاصة؛ الهجرة الجماعية للذكور خاصة هروبا من البطالة؛ التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية؛ غياب سياسات عمومية خاصة بالواحات لفترة طويلة...

 

+ هل للتغيرات المناخية والجفاف، والتطورات السوسيو الثقافية المرتبطة بنموذج إنتاجي استهلاكي كالزراعات الحديثة مثل الدلاح لها تأثير في استنزاف الفرشة المائية؟

- بشكل يومي تقاوم أشجار النخيل التغيرات المناخية، من قبيل؛ التصحر الذي يرتبط بالتعرية الريحية، وزحف الرمال، وندرة المياه وملوحتها إلى جانب تدهور التربة، هذا مع ذكر، الأمراض التي تقضي على النشاط الطبيعي للنخيل، لاسيما مرض البيوض الذي يهدد بقاء الآلاف من أشجار الواحات.

واجتازت الواحات الصيف الأخير اختبارا صعبا، امتحنت فيه النار صمود الواحات حيث قاومت ألسنة اللهب التي استمرت لساعات طويلة وهي تتلذذ بأشجار النخيل، إذ نجحت في تدمير المئات منها على مساحات كبيرة.

فيما ساهمت عدة التحولات اجتماعية  في الحد من العمل اليومي بالواحات كهجرة الشباب نحو المدن، وعدم تثمين منتوجاتها وتراجع العمل التعاوني وضعف صبيب العيون والخطارات؛ بالمقابل نلاحظ تزايد الزراعات المكثفة المستهلكة للماء بالقرب من الواحات مؤخرا، حيث أكدت دراسة لمنظمة أجنبية التي تشتغل على مشاريع النخيل بواحات إقليم طاطا مؤخرا خطورة السماح بزراعة الدلاح الأحمر والأصفر بمناطق إقليم طاطا، وطلبت بوضع حد لهذه الزراعات الدخيلة على الواحات والمستنزفة للماء والمؤثرة على النظام الايكولوجي للواحات... حيث كشفت منظمة Alcesdam Maroc "جمعية محاربة الانجراف والجفاف والتصحر بالمغرب" في تقرير نشرته بتاريخ 9 سبتمبر 2021 في تقريرها عدة نقط منها وسجلت ما يلي:

ـ توسعت زراعة البطيخ الأحمر بشكل مدهش في إقليم طاطا في السنوات الاخيرة خاصة  سنة 2021؛

ـ يتم تسويق معظم الانتاج خارج المنطقة بنسبة تقدر ب 70%؛

ـ يبلغ صافي الدخل بالنسبة للمزارعين ما بين 60000 و75000 درهم للهكتار الواحد، كما يوفر حوالي 50 يوم عمل؛

ـ يستنزف البطيخ الأحمر على مدى 4 أشهر موارد مائية هائلة، فإنتاجه يتطلب حوالي 750 لتر من الماء للكيلوغرام الواحد، أو 7.5 متر مكعب لإنتاج 10 كيلوغرام من البطيخ، و15 متر مكعب لـ 20 كيلوغرام؛

ـ تتعدد الأمراض المرتبطة بهذه الفاكهة وكذا الضواري في بيئة على هامش الصحراء... حيث يستخدم المزارعون في هذه المنطقة D.D.T أو البيرفيكتيون Perfekthion؛

ـ يستأجر هذه الأراضي ويزرعها مهنيون معظمهم أجانب عن إقليم طاطا؛

ـ تفصل بين فترتي الزرع والجني حوالي 4 أشهر، فيكون انتاج المحصول كثيفا وسريعا جدا، وبالتالي يستنزف المياه وينهك التربة؛

ـ لا يعمل المزارعون على إعادة الأراضي إلى حالتها الطبيعية بعد جني البطيخ، أو جمع وإتلاف "البلاستيك" المستعمل في الزراعة على أقل تقدير.

كما عبر العديد من  الفلاحيين بواحات طاطا عن غضبهم من جراء استمرار هذه الزراعات المستنزفة للماء، وخاصة بفم زكيد التي تعرف خصاص مهول في مادة الماء الصالح للشرب، حيث تعرف احتجاجات مستمرة لفعاليات المجتمع المدني باستمرار، كما يطالب المجتمع المدني الفاعل بطاطا من وكالة الحوض المائي لدرعة وادنون الإفراج عن الدراسة وخرائط الماء لإقليم طاطا، والاستمرار في تنفيذ الإجراءات والتدابير المتضمنة في القرار العاملي بتاريخ 22/03/2021 تحت رقم 38 يعلن بموجبه إقليم طاطا منطقة متضررة من أثار الجفاف.

هذا القرار الذي لم يستسغه  لوبي مزارع الدلاح بالإقليم، وحاولوا مراسلة السيد العامل بدعوى أن قراره يعيق الاستثمار الفلاحي بطاطا، ويحد من فرص الشغل بالإقليم.

وعلاقة بالموضوع راسل منتدى إفوس للديمقراطية وحقوق الانسان السيد العامل للمبادرة لعقد لقاء دراسي  حول: "أي استراتيجية إقليمية لتفعيل السياسة العمومية الخاصة بالماء والحد من الجفاف بالإقليم" بحضور مختلف المتدخلين والفاعلين الترابين بهدف الخروج بتوصيات وقرارات ملزمة للجميع.

 

+ كيف يمكنك تقييم مشروع "النهوض بالتدبير المندمج للموارد المائية في الأوساط الواحية"، الذي يهم  الواحتين  النموذجتين: واحة فركلة بإقليم الرشيدية وواحة أكنان بإقليم طاطا؟ وما هي أهدافه؟ وما هي  في نظرك شروط نجاحه؟

- مشروع "النهوض بالتدبير المندمج للموارد المائية في الأوساط الواحية"، يهدف إلى المساهمة في المحافظة على واحات الجنوب المغربي، بتبني مقاربة مندمجة، وإرساء مقاربة تشاركية للتدبير المندمج للموارد المائية بكل من الواحتين، وتسهيل تملكه الفعلي والمستدام من طرف الساكنة من خلال مخططات التدبير المندمج للموارد المائية بالوسط الواحي، وتنظيم أنشطة نوعية وإنجازها، بغرض تقليص الهجرة القروية في فئة الشباب الواحي، عبر تشجيع مبادرة إنشاء مقاولات في مجال الماء والتطهير الصحي وبناء مشا ريع تنموية أخرى.

نتمنى أن يتم تعميمه بواحات اقليم طاطا، ونحن سنعمل على تتبع كل مراحله كمنظمة حقوقية بالإقليم، وسنعطي اقتراحاتنا لتحسين وتجويد التدخلات .

وهي مناسبة لتأكيد على أهمية التنسيق بين مختلف المتدخلين والفاعلين والشركاء الوطنيين والدوليين  اللذين يشتغلون على الواحات بالإقليم لمعالجة اشكالات التغيرات المناخية و النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لساكنة الواحات.

 

+ أنشأتم منذ سنتين نافذة الكترونية تحمل اسم التشاور المدني بإقليم طاطا، تحدث لنا عنها باختصار، وما اقتراحاتكم كفاعل حقوقي للترافع على قضايا الواحات بإقليم طاطا؟

- تم انشاء المجموعة  الواتسابية "التشاور المدني لإقليم طاطا" رمضان 1441 هجرية الموافق لـ 20 أبريل 2020 بعد نقاش مستفيض، وتتأسس الفكرة على اتاحة الفرصة للفاعلين المدنيين المنخرطين في الديناميات المحلية بإقليم طاطا للتعبير والتفاعل والنقاش المسؤول، ولقد أنجزت العديد من التقارير الموضوعاتية، ومنها المتعلقة بمجال الواحات والفرشة المائية، ويسعدنا تقاسم معكم بعض التوصيات الصادرة عنها ومنها:

مخرجات ملف حماية الواحات:

ابتكار أساليب جديدة للتأقلم مع الواحة والتغيرات المناخية.

دعوة جميع الفاعلين المحليين وصناع القرار ومهندسي السياسات العمومية الترابية إلى التفكير في طرق الحفاظ على النظام الإيكولوجي للواحة.

وضع سياسة استغلال المياه العادمة لخلق مناطق خضراء بجنبات الواحة.

استحضار مقاربة الحفاظ على جمالية الواحة من خلال السياسة العمرانية.

المطالبة باستعمال قانون التعمير كألية لحماية الواحة (قرار منع البناء بالإسمنت في المناطق الواحاتية).

ضرورة تثمين الزراعات والأشجار الواحاتية عوض الزراعات الدخيلة (البطيخ...)

استغلال المناظر الطبيعية للواحات في القطاع السياحي.

التوعية والتحسيس بأهمية الواحة خاصة بالوسط المدرسي.

التصدي للرعي الجائر الذي يهدد تنوع الغطاء النباتي بالواحة.

ضرورة الترافع لإدماج وتسجيل الواحات لدى منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي الإنساني.

مخرجات ملف الفرشة المائية بإقليم طاطا :

الترافع من أجل استصدار قانون يمنع انتشار الزراعات المستهلكة للماء  بالمناطق الواحاتية.

العمل على اعداد دراسات وإحصائيات دقيقة حول موارد الماء، وإخراج وكالة الحوض المائي لدرعة الخريطة المائية  لإقليم طاطا .

الترافع من أجل استصدار قرار عاملي لمنع البطيخ بالإقليم لأنه يسبب في استنزاف الفرشة المائية.

ضرورة العودة للاشتغال على الطرق التقليدية لتدبير الماء بمناطق الواحات.

استعمال المياه العادمة في سقي الحدائق والمستنبتات عوض الماء الصالح للشرب.

بناء السدود التلية لتجميع مياه الأودية واستغلالها.

وفي سياق الترافع الدولي حول قضايا الواحات، ينبغي التذكير بالمبادرات المغربية علي الصعيد الدولي أنه في المؤتمر الواحد العشرون للأطراف COP 21 باريس فرنسا دجنبر 2015 تم الاعتراف رسميا بضرورة حماية النظم البيئية الأكثر ضعفا، وتشجيع معالجة قضايا تغير المناخ من خلال إجراءات التكيف مع احترام خصائص كل نظام بيئي والدعوة لتعاون دولي قوي لصالح المناطق الأكثر عرضة للتغير المناخي، كما هو حال الواحات (المادة 7 من اتفاق باريز).

ختاما ندعو جميع الأطراف العمل من أجل وقف ظاهرة التدهور وإنقاذ الواحات وتنميتها المستدامة، وضع استراتيجية وطنية أفقية بمقاربة تشاركية ينخرط فيها جميع الفاعلين لحماية الواحات ومكوناتها الإحيائية واللاحيائية، وعلى الحكومة المغربية تنفيذ التزاماتها الوطنية من خلال احترام الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة والتقدم في تنفيذ أجندة الالفية الثالثة وتوصيات القمم العالمية للمناخ...