الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

مذكرات امحمد التوزاني : التحاقي بالكلية الحربية بحمص ولقائي بالمهدي بنبركة (10)

مذكرات امحمد التوزاني : التحاقي بالكلية الحربية بحمص ولقائي بالمهدي بنبركة (10) امحمد التوزاني يمينا) والراحل المهدي بن بركة

المناضل امحمد التوزاني.. سليل حركة التحرر المغاربية والعربية من مواليد سنة 1938 بتازة، حمل في المنفى 13 اسما حركيا، من بينه خالد (بتسكين اللام) وحسن.. صديق الروائي والقاص والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني ورفيق درب المناضل الاتحادي المرحوم الفقيه البصري. ناضل بمعية وتحت قيادة الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد باهي، وغيرهم..

التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة التأسيس وتكلف ضمن اللجنة التنظيمية للمؤتمر بالجانب التنظيمي واللوجستيكي إلى جانب المرحوم مصطفى القرشاوي وفاضل الناصري وأحمد الخراص.

التقى أول مرة بالشهيد المهدي بنبركة عام 1962 حين كلف بمهمة استقباله بفاس والذهاب به إلى تاهلة ليؤطر تجمعا جماهيريا كان قد هيأ له الفرع الحزبي هناك.

ساهم في تأسيس حركة الاختيار الثوري بعد انتقاله إلى باريس إلى جانب عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي رغم كفره بمغامرات قائده ومثله الأعلى محمد الفقيه البصري..

"أنفاس بريس" تنشر مذكرات المناضل امحمد التوزاني، والتي تسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب السياسي...

 

+ الأستاذ امحمد التوزاني في الحلقة السابقة وقفنا عند استقبالك من طرف الرئيس السوري السابق المرحوم أمين الحافظ، هل من إضافة أخرى بشأنه؟

- أقول لك إن الرجل إلى حدود استقباله لي كان يكره البيروقراطية، وكان بسيطا بساطة جميع السوريين في ذلك الزمن، وكان لا يهتم بالبروتوكول  بدليل أنه استقبلني في غضون خمس دقائق أنا الرجل الغريب عنه، وكما قلت لك فقد كان متواضعا ولطيفا وقوميا صادقا وعسكريا شجاعا.

قد آتي لاحقا على شيئين حصلا معه، لكن يجذر بي الآن أن أخبرك أنه لما كنت بصدد مغادرة المكتب الذي استقبلني به سلمني 150 ليرة سورية.

 

+ وماذا بعد مغادرة المكتب الذي قابلت فيه الرئيس السوري الأسبق؟

- قبل ذلك أريد أن أدقق معك أمرا مر بنا في الحلقة السابقة حتى لا يخلق لبسا، فالطلاب المغاربة بسوريا كانوا يأخذون 50 ليرة شهريا كمساعدة من الدولة السورية، وهي منحة أقل من التي يستفيد منها الطالب السوري، وكان الطلاب الجدد يعانون ضيق ذات اليد في الثلاثة أشهر الأولى من الموسم الدراسي لأن اعتمادات السنة المالية كانت تصرف آنذاك في شهر دجنبر، وكان أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بدمشق يتضامنون مع زملائهم الطلبة الجدد و يكتتبون لهم بمساهمة مادية قدرها خمس ليرات في الشهر لكل طالب. وبالإضافة إلى ذلك كان مسؤولي الاتحاد يتصلون ببعض الوزارات لدعم الطلبة الجدد ماديا من الصناديق السوداء، لقد كان مسؤولو تلك الوزارات لا يتأخرون في تقديم المساعدة ويتعاونون بشفافية كبيرة مع مسؤولي نقابات الطلاب العرب.

 

+ من مكتب الرئيس الأسبق أمين الحافظ إلى أين كانت الوجهة؟

- خرجت من المكتب وقد بعث معي الرئيس من يقودني الى وجهتي وهي مقر القيادة القومية، حيث قابلت علي غنام عضو القيادة وهو سعودي الجنسية، وقد أحالني هذا الأخير على وزير الخارجية حسان مريود  والذي سألني عن حاجتي، فأجبته بأنني أريد أن أكمل دراستي. أقترح علي أن أكون طالبا بالكلية العسكرية، راقني الأمر. وبعد أن كنت أكره مهن حمل السلاح ها هو ذا أصبح يبدو لي الجيش شيء جميل بعد كل ما دقته من تعذيب أثناء اعتقالي بالمغرب.

وافقت على الأمر، وطلبت أن أوجه إلى الطيران كي أصبح ربانا بالطيران العسكري.

لم يوافقني وزير الخارجية السوري على الاختيار، إذ قال لي أن دراساتي السابقة والتي هي في مجال العلوم الإنسانية لا تأهلني كي أكون طالبا ناجحا في الطيران، وأوضح لي أن كل طالب طيران يكلف سوريا مليون ليرة، وينجح في النهاية فقط عشرة في المئة من مجموع الطلاب، ولذلك وجهني للمشاة فقبلت اقتراحه.

وعلى هامش اللقاء معه أخبرني أن المهدي بنبركة يوجد بسوريا بفندق "سميراميس"، كما قال لي إن المهدي "غير توجهه القومي" وخان القومية وأصبح ناصريا ويتقول فينا نحن البعثيين، وختم حواره معي قائلا لي إن بإمكاني أن أذهب عند المهدي. وقد فهمت من الأمر أنه يوحي لي بأن أبلغ المهدي بما سمعت.

 

+ وكيف كان رد فعلك بعد الذي سمعت من حسان مريود وزير الخارجية السوري الأسبق؟

- لما غادرت من عند حسان مريود ذهبت مباشرة إلى فندق "سميراميس" وقابلت رفيقي وقائدي الملهم الذي أحبه المهدي بنبركة وأخبرته أنني سألتحق في الأيام القادمة بالكلية العسكرية للدراسة، وقد شجعني على الأمر وقال لي نحن في حاجة للأطر العسكرية. كما أخبرته بالذي قاله عنه وزير الخارجية، وقلت له أن بعض قادة البعث بسوريا غير راضون عنه نظرا لعلاقته بالزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.

امتدت دردشتي مع المهدي حوالي ساعة وبعدها غادرت الفندق وعدت الى رفاقي الطلبة الاتحاديين وأخبرتهم أن مشاكلي قد حلت وأنني سألتحق بالكلية العسكرية.

 

+ بعد العسر الذي عانيته بالمغرب، هل لك أن تشرح أسرار هذا اليسر والحظ السعيد الذي عشته منذ ركوب طائرة الورود بالدار البيضاء نحو باريس ثم بغداد؟

- لا يوجد أي سر، من كل تلك اللقاءات تحكمت فيها الصدف، ومن جهة أخرى كنت أتحرك في المجال القومي العربي، وكلا النظامين العراقي والسوري في ذاك الوقت كانا نظامين ثوريين في بداية حكمهما، وكانا يعيشان "شهر العسل الثوري الرومانسي" ويحلمان بالوحدة العربية، وكانا لم يتكلسا بعد ولم تغزو دولتهما بعد تلك البيروقراطية القاتلة، كما أن الشعبين أيضا كانا لا يزالان يعيشان على سجيتهما و لعلمك ففي غمرة تلك الرومانسية الثورية كان عدد من قادة وحكام البعث بسوريا  ليسوا سوريين.

 

+ السي امحمد هل يمكن أن تطلعنا على تفاصيل الالتحاق بالكلية العسكرية؟

- بعد أيام من مقابلتي لوزير الخارجية قال لي الطالب المغربي حسن إبراهيم يجب أن تذهب للمستشفى العسكري لإجراء الفحوصات كي تلتحق بالكلية العسكرية. وفي نفس الوقت أتتني رسالة من وزارة الدفاع كي ألتحق بالمستشفى وبذلك رجحت أن رفيقي حسن إبراهيم انتمى للبعث.

المهم ذهبت الى المستشفى حاملا أغراضي ولما وصلت وجدت عددا كبيرا من المرشحين للكلية فقضينا اليوم كله في إجراء الفحوصات بشكل دقيق وشامل وبعد قياس طولنا ووزننا ونبضنا تم فحص أعيننا وآذاننا وأسناننا وتحليل البول وراديوهات الكشف الباطني والمقابلة الشفوية كي يعرفوا نفسياتنا وغير ذلك، و في ذلك اليوم تم إطعامنا بالمستشفى، وفي العشية ذهبوا بنا مباشرة إلى الكلية الحربية بحمص وبتناول ليلة في مضاجعنا.

 

+ كيف كانت أجواء التكوين بالكلية الحربية بحمص؟

- دفعتنا كان بها سبع مئة طالب ومنهم يمنيون و فلسطينيون بالعشرات، وكان معنا موريتاني، وكنت المغربي الوحيد، وعرفت أن الدفعة التي سبقتنا كان بها أيضا طالب مغربي.

الكلية تمتد على مسافة كبيرة، وبها قاعات ومطابخ ومكاتب وسكن للضباط، وقد كانت تسير على النمط الفرنسي، وكان مجموع من بها حوالي 3000 شخص بمن فيهم من مدربين وأطباء وممرضين وطباخين وغيرهم، وكان الضباط السوريون هم الذين يسهرون على تكويننا وتدريبنا، كانوا طيبون ويحبون المواطنين العرب، لكن كانوا لا يتساهلون معنا في ما يتعلق بضرورة التحصيل والتدريب والانضباط  وتنفيذ الأوامر.