الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد أكدال: التنقلات الحضرية بالدار البيضاء.. حقيقة الأزمة وأوجه التقصير

سعيد أكدال: التنقلات الحضرية بالدار البيضاء.. حقيقة الأزمة وأوجه التقصير سعيد أكدال

ساءت وضعية السير والجولان، بشكل مخيف، خلال العقدين الأخيرين؛ وأضحت الصورة الحالية تنبئ بولوج مدينة الدار البيضاء نادي المدن العالمية الكبرى التي تعاني من أزمة التنقل والمرور وما تتسبب فيه من انعكاسات سلبية اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا ونفسيا.

 

فما لا يجب أن يغرب أبدا عن أذهاننا هو أنه كلما تفاقمت هذه الأزمة إلا وارتفعت كلفة معالجتها وازداد إرهاق الميزانية المحلية واستنزافها، وذلك على حساب البرامج والمخططات التنموية والمبادرات الاستثمارية.

 

وبعبارة أوضح، عندما تستمر الإدارة المحلية مجندة بكل قدراتها البشرية والمادية لمواجهة القضايا المرتبطة بالسير والجولان، فإن ذلك يتطلب بذل المزيد من المجهود وضخ أغلفة مالية ضخمة وإهدار الوقت، وبالتالي تعطيل السير العادي لإدارة المدينة وتفويت الفرص التنموية.

 

فمنذ ثمانينات القرن الماضي تفاقمت مشاكل التنقل تدريجيا حتى وصل الوضع إلى ما هو عليه الآن. ولم توفق الأجهزة المتوالية المسؤولة عن تدبير الشأن المحلي في إيجاد القن السري للتمكن من تصحيح الاختلال الحاصل.

 

فبالرغم من المجهودات المتواصلة والمبادرات العديدة المتمثلة في خلق وسائل نقل بديلة وشق الأنفاق وإقامة القناطر وتحسين جودة النقل الحضري العمومي، تظل الأزمة قائمة.

 

والحقيقة التي اهتدينا إلى استنتاجها هي أن طريقة التعامل مع هذه الأزمة تعتمد منطلقات غير صائبة، إذ إن المقاربات التي تم تبنيها طيلة أزيد من ثلاثين سنة قصد التشخيص والمعالجة كانت وما زالت مقاربات أحادية المنظور.

 

فالدراسات التي أنجزت ظلت كلها وفية للنهج التقني، أي أن معضلة التنقل بالدار البيضاء ينظر إليها على أنها مسألة ذات أبعاد تقنية وتندرج ضمن كل ما له صلة بالهندسة المدنية.

 

بيد أن الحقيقة الواقعية هي أن السير والجولان ليس قضية مرتبطة فقط بالمجال الذي تتم داخله الحركية الحضرية، ولكنه مرتبط أيضا وبشكل كبير بمجتمع له خصوصياته وسلوكه. ومما نتأسف له كثيرا هو أنه لا يتم الاهتمام بسلوك المواطنين البيضاويين ودراسته بعمق.

 

فطيلة معايشتنا عن قرب لقضايا الشأن الحضري، لم نشهد أية محاولة لمعرفة حقيقة إدراك السكان للفضاء الذي يعيشون فيه وكيف يمارسونه ويتعاملون معه.

 

فالدراسات التي حظيت بكل الشروط المثالية لإنجازها، تناولت مدينة الدار البيضاء كحيز جغرافي لا فرق بينه وبين أي حيز حضري أجنبي، ودونما الأخذ بعين الاعتبار للخصوصيات المحلية التي يتميز بها هذا الحيز عن غيره، وكذلك تلك الخصوصيات التي يتميز بها المجتمع البيضاوي.

 

علاوة على ذلك، فإن قراءتنا لمخطط التنقلات الحضرية على مستوى الدار البيضاء تبين بعض أوجه التقصير وعدم الوقوف عند بعض الجوانب التي لا يقبل التغاضي عنها، كتلك المرتبطة بوسائل التنقل المعتمدة.

 

فقد لاحظنا بأنه من مجموع 000 950 7 تنقل داخل الدار البيضاء، ما يعادل 000 840 4 تنقل تعتمد على المشي على الأقدام، وهو ما يمثل 62% من مجموع الحركية الحضرية. وهذا الرقم بمفرده هو معبر جدا عن وضع لا يمكن التعامل معه بنوع من اللامبالاة. فمثل هذا الرقم إن دلت قراءته على شيء، فإنما تدل على وجود أزمة وتقصير على مستوى سياسة التدبير المحلي. كما أنه ترجمة واقعية لوجود هشاشة حضرية وضعف القدرة الشرائية لدى شريحة عريضة من المجتمع البيضاوي تعجز ماديا عن استعمال وسائل النقل العمومي.

 

كما لا ننسى أن لجوء 62% من البيضاويين للمشي قصد قضاء مآربهم المختلفة يفسر على أنه تجسيد لضعف تغطية وسائل النقل العمومي وعدم الاستجابة لانتظارات المتنقلين، وخاصة بالأحياء الهامشية. فهذه الأخيرة تظل تشتكي بقوة من ضعف الاستفادة من خدمات قطاع النقل العمومي، وهو ما يضطرها إلى الاستعانة بخدمات النقل غير المهيكل. وهو قطاع ما زال من الطابوهات التي يتم التغاضي عن التطرق إليها وإدماجها في الاستراتيجيات والمخططات.

 

إننا نِؤمن إيمانا راسخا أن مسألة التنقلات ليست فقط مسألة تقنية مرتبطة بتحسين الخدمات وتجويدها، بقدر ما أنها من تجليات وضع عام يقتضي تفكيك رموزه ومعالجة المسببات الحقيقية ذات الأبعاد السوسيو-اقتصادية. ولعل الفقر الحضري والتهميش الاجتماعي من ابرز تلك المسببات.

 

فمهما تحقق من اجتهاد قصد ابتكار حلول تقنية لمسألة التنقلات الحضرية كتوسيع الشوارع وتقنين حركة المرور وتنظيمها وتعزيز أسطول النقل بواسطة الحافلات وتوسيع شبكة الترامواي، فإن أزمة النقل ستظل تمثل أكبر المعضلات التي تواجهها أجهزة التدبير الحضري بالعاصمة الاقتصادية ما لم يتم تناول المسألة تناولا واقعيا بمقاربة بنيوية، وذلك بوضعها في إطارها الشمولي الرامي إلى تحقيق تنمية محلية تأخذ بعين الاعتبار كل مكونات المشهد الحضري المجالية منها والاقتصادية والاجتماعية...