الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

صابرين المساوي:الوفاء للفكرة اليسارية

صابرين المساوي:الوفاء للفكرة اليسارية صابرين المساوي
  إن التنسيق المشترك الجاد والممكن هو أن تدرك القوى السياسية التقدمية واليسارية وحدة مصيرها وأهدافها الكبرى، وألا تخطئ في تقديرها لخصومها وأعدائها، وألا تخدمهم ضدا على أسرتها التقدمية اليسارية، وأن تنصرف إلى تأطير المجتمع باسم القيم اليسارية.
   إن التنسيق المشترك بين القوى السياسية التقدمية و اليسارية هو أن تكون موحدة وجازمة في القضايا الكبرى والمعارك المصيرية ضدا على كل ما هو مناف لقيم اليسار ومبادئه ... هو تآزر فكري سياسي، عملي دائم ومستمر، حول الجوهر، ولا يمنع بل يشترط استمرار الحوار والجدال والنقد داخل أسرة اليسار.
   الاتحاد الاشتراكي قاطرة اليسار المغربي، ومن الخطأ الاعتقاد أن إضعافه يخدم الديموقراطية والتحديث، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح فصائل اليسار أن تقر بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديموقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون حزب يساري من وزنه.
إن حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي، من وجهة تشكل العائلات السياسية، واستحضار النضالات والتضحيات والمعارك المجتمعية، تؤكد هذه الخلاصة بجلاء، وتفضي إلى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي هو ملك لكل اليسار وليس ملك نفسه، وهو بذلك معني، من وجهة نظر التاريخ، ليس بمصيره الخاص فقط، بل بمصير العائلة اليسارية كلها والعائلة التحديثية بشكل عام، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم أساسي في أجندة البلاد، وعلى هذا الأساس ناضل ويناضل وعلى هذا الأساس جاء نداء الوحدة والمصالحة.
   من جهة أخرى، هناك سؤال لا بد أن يجيب عنه الذين غادرونا، أي قيمة إضافية في إعادة تشكيل الخريطة السياسية، جاءت بها (بدائلهم)؟! وإلى أي حد ساهموا في إضعاف الاتحاد الاشتراكي دون أن ينجحوا في المقابل في إنشاء أحزاب بديلة ذات شأن أو تقوية اليسار السبعيني ، والأرقام المسجلة دليل على ذلك ولا ضرورة للتذكير بها .
   لقد أثبت التاريخ فشل كل المحاولات التي أرادت أن تؤسس أحزابا على أقصى يسار الاتحاد الاشتراكي أنشئت (البدائل) ووحدت في (بديل)، وكانت الحصيلة أحزاب تخلت عن القيم اليسارية الكونية، والنضال من أجل مجتمع ديموقراطي حداثي، وتخصصت في (النضال ) من أجل إعلان (نهاية الاتحاد الاشتراكي )دكاكين تتجاهل ، عن سبق إصرار وترصد ، الخصم والعدو الحقيقي للديموقراطية والحداثة .
   إن حزب الاتحاد الاشتراكي ، وهو يقدم على المراجعات واتخاذ القرارات في المؤتمر الوطني العاشر ، استحضر كل الخلخلة التي يتطلبها الحقل السياسي من أجل تعزيز قوى الحداثة ، والطريق الذي لا زال ينتظر المغرب في مجال التحديث .لقد تبين له أن اليسار الموزع والمفكك على دكاكين بزعامات واهمة ، والذي أنشأ ( بدائل ) ووحد ( البدائل ) في ( بديل ) على أقصى يسار الاتحاد الاشتراكي ، سلوكا وممارسة ، غير معني بالتحديث ، وأنه تخلى عن القيم اليسارية الكونية ،تخلى عن الإنسان، وأنه يبني إمبراطوريات النضال الوهمية في دواخل استيهاماته ، لا هو متمكن من أدوات تطبيق شعارات يرددها وتنزيلها على أرض الواقع ، ولا هو ممتلك ناصية الحديث مع الشعب الذي يتحدث باسمه ليل نهار رغم أن هذا الشعب لا يعرفه !!! 
   مرت تحت الجسور سيول، ولم يعد وفيا للفكرة اليسارية إلا الاتحاد الاشتراكي الذي ظل على الإيمان المبدئي الأول المبني على الانتماء للإنسان، العاشق للحرية والديموقراطية والحداثة، المتمثل لها فعلا لا قولا وشعارا فقط.
   بعيدا عن جدل التبريرات الانهزامية والمواقف العدمية التي تجتر أطروحة " احتضار اليسار " ، بما هو خيار تقدمي ، ومسار مجتمعي ، نهضوي مرتبط بمطالب وتطلعات الفئات الشعبية الواسعة إلى الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ؛ فإن معضلة اليسار كامنة أساسا في أزمة اليساريين ذاتهم الذين انعزلوا عن ديناميات الحركية المجتمعية ، واختزلوا الانتماء اليساري في ترديد الشعار واصدار " الفتاوى " اليسارية ، بدل النهوض الفعلي ، العملي ، بمشروعه المجتمعي  ، بمقوماته المترابطة عضويا ؛ الفكرية والجماهيرية والنضالية .
   ما عاد أحد يجادل في أن اليسار بجميع خياراته وتوقعاته، إذا ما تركنا خطابات التمجيد النابعة حكما من الحاجة المستديمة " للصنمية التنظيمية " ، ليس أمامه إلا الدفاع عن الوجود في حده الأدنى .
    طرح السؤال الصادم الذي يتم الهروب منه: إلى متى سيستمر هذا الحال الدفاعي المتدني الأقصى، أمام هول فقدان الثقة العدمي في كل المؤسسات (حزبية ودولتيه) لدى جمهور الشارع اليوم وغدا، وأمام مجاهيله الكبرى!
   ولو أن الجميع أجاب أحزابا ومناضلين، عن هذا السؤال، وبصدق مع الذات، وبلا مكابرة ولا استخفاف بالآخر، وخصوصا بلا رتابة ذهنية مطمئنة لنفسها، لا تستشعر هول ما نحن أمامه من مجاهيل، فإننا سنصل لا محالة إلى الجواب الوحيد القادر على إخراج اليسار من دوامة انحباساته ، وذلك بالشروع في ترتيب مبادرة نهضوية توحيدية كبرى ، غير معتادة ، تقوم على أساس : 
§      مراجعة نقدية تركيبية للتاريخ النضالي المشترك لليسار، بمكاسبه وخساراته، ومع وضع كل مواقفه المتناقضة في زمنتيها المجتمعية النسبية؛
§       هيكلة تحافظ على تفاعل تنوع الرأي فيها، أي مع الوعي الضروري بترتيب الخلافات الراهنة بقدر أهميتها وأولوياتها مع الحاجيات الاجتماعية في الساحة الجماهيرية؛
§      التلازم مع الوعي الضروري أيضا بأن المهمة المركزية في الزمن المنظور على الأقل، ولا سواها، هي إعادة بناء قواعد اليسار الاجتماعية والجماهيرية، أولا وأخيرا.
   والقاعدة الحاكمة في جميع ما سبق، أن من لا يستطيع كسب الأغلبية داخل الهيكلة الموحدة المفترضة، فهو عاجز بالأحرى على أن يكسب لأطروحته الأغلبية الشعبية. 
   فكثير من الصبر والتأني إذن، استخلاصا من تسرعات جرت في الماضي، ومن أجل بناء هذا المشروع النهضوي الوحدوي الكبير، الذي وحده يمكن أن يستشعر الجماهير بتغير نوعي لدى اليسار، ووحده يساعد على تنمية الثقة فيها، من هنا نفهم دينامية المصالحة، الوحدة والانفتاح التي انخرط فيها الاتحاد الاشتراكي.
   إزاء ما ألم بمكونات الحقل الحزبي ببلادنا من وهن وتراخ في الاضطلاع بواجباتها الدستورية ، وفي القيام الفعال بمهامها السياسية والنضالية ، فإن بلادنا أمست في أمس الحاجة إلى إرساء قطب سياسي ، حزبي ، جماهيري ، حداثي ، تقدمي ، قادر على تجسير الفجوة المتفاقمة بين الطبقة السياسية ، الحزبية المنكفئة ، والقوى الشعبية المتحفزة ، من جهة أولى ، وعلى تأمين التجاوب الفعال مع الحاجات الأساسية والترقبات المشروعة للشعب من جهة ثانية ، وعلى استشراف أفق جديد ، وابتكار مقاربات مستجدة ، ومناهج مستحدثة للتأطير السياسي للمجتمع ، وتعبئة قواه الحية ، لمواصلة مسيرة التغيير والتحديث والتنمية من جهة ثالثة .
   ما زال اليسار مؤمنا بأن المستقبل قابل للتدارك، ولذلك نراه يسعى لاستعادة المبادرة، لأنه يعرف أن هذا قدره، وأن استعادة توازن ميزان القوى في المجتمع واجبه الذي لا مفر منه.
   لم يعش اليسار يوما إلا مسلحا بالشارع، حتى أن كل الذاكرة اليسارية لما تريد تمجيد ماضيها لا تقف إلا عند تواريخ من قبيل 1965، 1981، 1984، 1991 .... ولم يكن يوما ممكنا ذكر اليسار دون أن يكون مرفوقا بالإضرابات والاحتجاجات والتعبير عن نبض الشارع.
   ويوم اغتيل اليسار وتخلى عن الشارع، استوطنته جحافل الذين يدعون أنهم إسلاميين والعدميون الذين لا لون سياسي ولا ايديولوجي لهم، الذين لا يهمهم المغرب ولا شباب المغرب.
   وهنا كل الحكاية ومكمن الداء الذي يسعى بعض من اليسار، وفي طليعته الاتحاد الاشتراكي، علاجه، وليس أمامه من خيار آخر غير رفع راية النجاح في وجه الشامتين في حاضره والناقمين على ماضيه.