كنا أطفالا نلعب في الحارة بكل البراءة التي فُطرنا عليها و نملأ الزقاق شغبا ونتقمص أدوار الكبار مقلدين ومنبهرين، و صرنا شبابا في بداية اقتحامهم للحياة يغمرنا الحماس المبالغ فيه إلى درجة التهور،ثم طلبة في الجامعة نواظب على المدرج و نجتمع في مكتبتها نغرف عِلم الكتب ونلتهم المقررات وننفتح على علاقات جديدة، وفي حلقات الحرم الجامعي كنانستعرض ما حفظناه من شعر درويش و أغاني الشيخ إمام ومارسيل خليفة وأميمة الخليل ونحلم بتحرير فلسطين، وفي خفية كنا نستلذ أغاني الراي وأم كلثوم و نحرص على تبادل أشرطتها وقراءة قصص عبير والعربي الصغير، وفي أوقات الفراغ نمارس هواية الكرة ندحرجها كما دحرجتنا الحياة حتى كبرنا وبدأنا رحلة العمل فانشغلنا به حبا وواجبا، وفي طريقنا صادفنا الكثير من الناس وشموا حياتنا ووسموها بنياشين الحب والتقدير، حين نتذكرهم نبتسم ونحن إليهم كحنين درويش الى قهوة وخبز أمه.
لكنها الحياة تكبر فينا و تمر كسهم لا رجعة له، وحين أتأمل وأسترجع ما مر أستغرب كيف تسارعت الأحداث و مرت بهذه السرعة و كيف مر العمر سريعا وكأنه سرق منا..مقابل ذلك علمتني الحياة وما تزال أنه كلما امتد بنا العمر نزداد يقينا بأن الحياة لا تستحق كل هذا العناء والتهافت، هي تشبه بناء ببابين، على بابها الأول وضعت إشارة الدخول وعلى الثاني إشارة الخروج، شأنها كحال من قرأ كتابا بمقدمة وخاتمة وبينهما أحداث وخبايا، فمنها تعلمت أنها تشغلنا عن أقرب الناس إلينا ولا ندرك ذلك إلا إذا حلت بنا مصيبة أورحل عنا عزيز نجتمع ونبكي ونتحسر ثم لا ننفك نعود إلى سكتها فتشغلنا وتلهينا كما كانت وهكذا، ومن الحياة تعلمت أن العسر يعقبه يسر وأن الصبر أفضل من يأس أو استسلام وأن ما قد تضيق به نفسك قد يجعل الله لك فيه كل الخير، وأن الأحاسيس مؤقتة لا تدوم فلا حزن يستوطن ولا فرحة تسكن إنما هي ضيف يزور ويرحل كما نرحل نحن فجأة بلا وداع.
علمتني الحياة أن المصائب مهما أحزنتك واقتطعت من سعادتك وراحة بالك، لها جانب مشرق حين تقويك وتصقل شخصيتك ثم تكشف لك معادن الناس من حولك وحقيقتهم، وتعلمت من الحياة أن الإنسان للأسف يحيى بذاكرة قصيرة يغالبها النسيان والجحود، يتناسى حين يصير التذكر واجبا ويغيب حين يكون الحضور ضروريا، وتعلمت من الحياة أن أفضل النعم: ستر لايدركه إلا من افتضح، وصحة لا يدركها إلا من اعتل ومرض، وراحة بال لا يعيها إلا من اغتم واكترب،وتعلمت من الدنيا أن أكثر المنصتين يخونون فانتق الصديق الحميم ولا تبح إلا لمن يستحق ثقتك ويخفف عنك فهناك من يكشر عن أنيابه عند أول اختلاف فيصير البوح سلاحا بيده يهددك به، وإذا جادلت فلغاية الإفادة أو الاستفادة، وكن المنصت ولا تحقرن أحدا ولا تغرنك المظاهر فكم من لامع حين صقلناه أبان عن حديد علاه الصدأ.
ومن الحياة تعلمتُ أن لسانك إما يرفعك أو يسفل بك فلا تلكه إلا بما يرفع مقامك و يؤنس مخاطبك واحرص على ما تنطق به لحظات الغضب وأعلم أن الانسحاب أحيانا منجاة والخوف سلام قد يعفيك من كل ندم وأن حب العمل متعة لك يورثك السعادة الحقة، وأن فعل الخير أفضل غذاء للروح إن أنت أدمنته وجعلته خالصا لله، وأن في جبر الخواطر لذة و منتهى الأجر، واعلم أنك كما تدين تدان إما شرا أو خيرا، وأن ابتسامة أو كلمة طيبة تصدران منك لا تكلفانك جهدا لكن أثرهما بالغ في نفوس من هم حولك، واقتطع من يومك بعضا من الوقت تخلو فيه مع ذاتك تتأمل ما مضى و ترتب ما هو آت، وتذكر أن الإحسان بالوالدين وحسن معاشرتهما واجب قبل أن يكون لك منجاة ومنك مروءة، و كن اللين الذي لا يعصر والحازم الذي لا يظلم والمرن المتفهم العاذر للناس وإن أخطأوا فقد تكون سببا في صلاح غيرك،وإن غلبت فكن المتعفف بلا غرور ولا كبر وإلا فأنت تخطو أول خطوة في درب الفشل والسقوط.
تعلمت من الحياة أن أكثر الناس إنما يميل مع المصالح والنعماء، فمن يجتمع حولك اليوم يتفرق عنك غدا ما لم يجد منك ما يدعوه للمكث كحال خامعة لم تجد لحما ولا ورما فطارت إلى مكان آخر، وعلمتني الحياة أن شبابك اليوم وقوتك يستحيلان غدا هرما وضعفا فانتهزهما واجعلهما معينين لك على ما يعقبهما من زجر ونكوص، فحالك اليوم غير حالك غدا، وأن الاستثمار في تربية الأولاد أرقى من الاستثمار في الحجر، فتسلح بما يعينك سندا لك ومتكأ لهم، وعلمتني الحياة أن ما حزته وبلغته يزول ويفنى ويبقى فقط أثرك من بعدك فإحرص أن يكون طيبا،وأن العبرة بالخواتم وأن المواقف تولد فقط مع الرجال، وأن حبل الكذب قصير إذ لا يصح إلا الصحيح، وأن الأقنعة تسقط تباعا مهما حرص أصحابها على ارتدائها، وأن المناصب إلى زوال وأن الأدوار في تناوب فلكل شروق غروب وبعد كل القوة ضعف.
وعلمتني الحياة أن أزن الأشخاص لحظة الغضب والشدة وأن أحكم عليهم بتاريخهم لا بلحظات أخطائهم، وأن من يلوك لك أعراض الناس في غيابهم يلوك عرضك بينهم حين تغيب أنت أيضا، فاحرص على اجتنابهم ولا تأنس لحديثهم فهم كشظايا النار سرعان ما تنتقل لتحرق، ومنها تعلمت أن أحذر من أوقات الفراغ فهي محل لتفاصيل الشيطان، فاملأ فراغك بمجالسة كتاب يثري معارفك ويصقل معارفك، وهي أفضل رفيق لك في وحدتك وأنفع غذاء لفكرك. تعلمت من الحياة أن أحلى ما قد تتزين به في هذه الدنيا بساطتك وتواضعك ثم جميل أخلاقك فاحذر الغرور والتكبر وكن المنصت المتفهم وإذا جادلت فبأدب وإن غلبت ففي سماحة ودع الناس تدعو لك بظاهر الغيب بدل أن تضج بأنانية ونرجسية تشينانك ..
علمتني الحياة أن العمر يفنى وينقضي ولاينتهي الإنسان أبدا من أحلامه ورغباته، واللبيب من اعتبر واتعظ بدروس الغير قبل التورط في الخيبات، ومن الدنيا تيقنت أن أولوياتنا تتغير و يُعاد ترتيبها وأننا سنظل نتعلم ونستفيد، نفرح ونحزن ونحب ونكره، وهكذا حتى نرحل وفي أنفسنا أحلام ورغبات و أماني ما زالت قيد الانتظار شأن ككل من مات ورحل وفي جوفه شيئ من حتى...
لكنها الحياة تكبر فينا و تمر كسهم لا رجعة له، وحين أتأمل وأسترجع ما مر أستغرب كيف تسارعت الأحداث و مرت بهذه السرعة و كيف مر العمر سريعا وكأنه سرق منا..مقابل ذلك علمتني الحياة وما تزال أنه كلما امتد بنا العمر نزداد يقينا بأن الحياة لا تستحق كل هذا العناء والتهافت، هي تشبه بناء ببابين، على بابها الأول وضعت إشارة الدخول وعلى الثاني إشارة الخروج، شأنها كحال من قرأ كتابا بمقدمة وخاتمة وبينهما أحداث وخبايا، فمنها تعلمت أنها تشغلنا عن أقرب الناس إلينا ولا ندرك ذلك إلا إذا حلت بنا مصيبة أورحل عنا عزيز نجتمع ونبكي ونتحسر ثم لا ننفك نعود إلى سكتها فتشغلنا وتلهينا كما كانت وهكذا، ومن الحياة تعلمت أن العسر يعقبه يسر وأن الصبر أفضل من يأس أو استسلام وأن ما قد تضيق به نفسك قد يجعل الله لك فيه كل الخير، وأن الأحاسيس مؤقتة لا تدوم فلا حزن يستوطن ولا فرحة تسكن إنما هي ضيف يزور ويرحل كما نرحل نحن فجأة بلا وداع.
علمتني الحياة أن المصائب مهما أحزنتك واقتطعت من سعادتك وراحة بالك، لها جانب مشرق حين تقويك وتصقل شخصيتك ثم تكشف لك معادن الناس من حولك وحقيقتهم، وتعلمت من الحياة أن الإنسان للأسف يحيى بذاكرة قصيرة يغالبها النسيان والجحود، يتناسى حين يصير التذكر واجبا ويغيب حين يكون الحضور ضروريا، وتعلمت من الحياة أن أفضل النعم: ستر لايدركه إلا من افتضح، وصحة لا يدركها إلا من اعتل ومرض، وراحة بال لا يعيها إلا من اغتم واكترب،وتعلمت من الدنيا أن أكثر المنصتين يخونون فانتق الصديق الحميم ولا تبح إلا لمن يستحق ثقتك ويخفف عنك فهناك من يكشر عن أنيابه عند أول اختلاف فيصير البوح سلاحا بيده يهددك به، وإذا جادلت فلغاية الإفادة أو الاستفادة، وكن المنصت ولا تحقرن أحدا ولا تغرنك المظاهر فكم من لامع حين صقلناه أبان عن حديد علاه الصدأ.
ومن الحياة تعلمتُ أن لسانك إما يرفعك أو يسفل بك فلا تلكه إلا بما يرفع مقامك و يؤنس مخاطبك واحرص على ما تنطق به لحظات الغضب وأعلم أن الانسحاب أحيانا منجاة والخوف سلام قد يعفيك من كل ندم وأن حب العمل متعة لك يورثك السعادة الحقة، وأن فعل الخير أفضل غذاء للروح إن أنت أدمنته وجعلته خالصا لله، وأن في جبر الخواطر لذة و منتهى الأجر، واعلم أنك كما تدين تدان إما شرا أو خيرا، وأن ابتسامة أو كلمة طيبة تصدران منك لا تكلفانك جهدا لكن أثرهما بالغ في نفوس من هم حولك، واقتطع من يومك بعضا من الوقت تخلو فيه مع ذاتك تتأمل ما مضى و ترتب ما هو آت، وتذكر أن الإحسان بالوالدين وحسن معاشرتهما واجب قبل أن يكون لك منجاة ومنك مروءة، و كن اللين الذي لا يعصر والحازم الذي لا يظلم والمرن المتفهم العاذر للناس وإن أخطأوا فقد تكون سببا في صلاح غيرك،وإن غلبت فكن المتعفف بلا غرور ولا كبر وإلا فأنت تخطو أول خطوة في درب الفشل والسقوط.
تعلمت من الحياة أن أكثر الناس إنما يميل مع المصالح والنعماء، فمن يجتمع حولك اليوم يتفرق عنك غدا ما لم يجد منك ما يدعوه للمكث كحال خامعة لم تجد لحما ولا ورما فطارت إلى مكان آخر، وعلمتني الحياة أن شبابك اليوم وقوتك يستحيلان غدا هرما وضعفا فانتهزهما واجعلهما معينين لك على ما يعقبهما من زجر ونكوص، فحالك اليوم غير حالك غدا، وأن الاستثمار في تربية الأولاد أرقى من الاستثمار في الحجر، فتسلح بما يعينك سندا لك ومتكأ لهم، وعلمتني الحياة أن ما حزته وبلغته يزول ويفنى ويبقى فقط أثرك من بعدك فإحرص أن يكون طيبا،وأن العبرة بالخواتم وأن المواقف تولد فقط مع الرجال، وأن حبل الكذب قصير إذ لا يصح إلا الصحيح، وأن الأقنعة تسقط تباعا مهما حرص أصحابها على ارتدائها، وأن المناصب إلى زوال وأن الأدوار في تناوب فلكل شروق غروب وبعد كل القوة ضعف.
وعلمتني الحياة أن أزن الأشخاص لحظة الغضب والشدة وأن أحكم عليهم بتاريخهم لا بلحظات أخطائهم، وأن من يلوك لك أعراض الناس في غيابهم يلوك عرضك بينهم حين تغيب أنت أيضا، فاحرص على اجتنابهم ولا تأنس لحديثهم فهم كشظايا النار سرعان ما تنتقل لتحرق، ومنها تعلمت أن أحذر من أوقات الفراغ فهي محل لتفاصيل الشيطان، فاملأ فراغك بمجالسة كتاب يثري معارفك ويصقل معارفك، وهي أفضل رفيق لك في وحدتك وأنفع غذاء لفكرك. تعلمت من الحياة أن أحلى ما قد تتزين به في هذه الدنيا بساطتك وتواضعك ثم جميل أخلاقك فاحذر الغرور والتكبر وكن المنصت المتفهم وإذا جادلت فبأدب وإن غلبت ففي سماحة ودع الناس تدعو لك بظاهر الغيب بدل أن تضج بأنانية ونرجسية تشينانك ..
علمتني الحياة أن العمر يفنى وينقضي ولاينتهي الإنسان أبدا من أحلامه ورغباته، واللبيب من اعتبر واتعظ بدروس الغير قبل التورط في الخيبات، ومن الدنيا تيقنت أن أولوياتنا تتغير و يُعاد ترتيبها وأننا سنظل نتعلم ونستفيد، نفرح ونحزن ونحب ونكره، وهكذا حتى نرحل وفي أنفسنا أحلام ورغبات و أماني ما زالت قيد الانتظار شأن ككل من مات ورحل وفي جوفه شيئ من حتى...