الخميس 18 إبريل 2024
منبر أنفاس

محمد يسين: "الإحصاء".. فن الكذب

محمد يسين: "الإحصاء".. فن الكذب محمد يسين

جلست على كرسي بمقهاي المعتاد، محترما مسافة التباعد، أملتها علينا ثقافة "كوروناتية المنشأ"، نزعت كمامتي، أصبح لها مكان مفضل في معصمي بجانب الساعة اليدوية… صاح النادل: واش بحال ديما أسي محمد. عقبت بابتسامة وإشارة من الرأس، فأدرك النادل أنها  قهوة سوداء، بعد أن اختلطت علينا الألوان والرموز وما عاد لها رونق  المعنى والدلالة.

 

شعرت بحركة غريبة من أصابع يدي اليسرى، خلتها  تستفسر "الإبهام" عن علامة ذات لون قُرَنْفلي رسمت على ظفره، بعد تأدية واجب نعتبره وطني، علامة أعجبها المقام، فاستوطنت واستلذت بالمكان، ما نَفَعَ في إزالتها "صابون تازة" ولا جافيل لاكروا.

 

قلت لأصابع يدي اليمنى: لا ضير من ذلك يا رفاق الدرب.

عقب الخنصر والبنصر، بما يفيد اشمئزازهما من رائحة مداد غير مرغوب فيها البتة

ململت الوسطى نفسها ذات اليمين وذات الشمال، صحت فيها أن تسكت صونا للعرض، وتعفينا من مغبة السؤال… على حين غرة بدأت السبابة في الاحتجاج على رائحة "الماركور" فوق ضفر ابهامي، صاح الجميع:

عمو، عمو قُلْ لنا وللعصافير شي حاجة.

عقبت على أصابع يدي والحسرة غُصَّة في حلقي:

هدا ما تبقى لنا من الاستحقاقات.

 

وضع النادل فنجان قهوتي، دون مكعبات سكر، بعد أن اختلط علينا الحلو والمر والحار، وأنهكتنا رائحة الكمامة، ونحن نتساءل عن جدواها وفاعليتها في الحرص على سلامة ما نستنشقه ونشمه على مسافة الوطن

 

ذاك لَزِمته سقطة مدوية من الطابق الخامس والعشرين، ليحتل المرتبة الثامنة، وصِنْوٌ له استوطن المرتبة الأول متربعا على آفة "تعارض المصالح"le conflit d’intérêts ، ومنطق الأحداث والقوانين، يحتم عليه الاختيار بين أمرين أحلاهما مُرٌّ

 

أدركت إحاطتنا بآفة اختلاط الحابل بالنابل على معارج المعرفة والإدراك لزمن عز فيه المنطق والاستدلال

أدركت قولة لأستاذ الإحصاء ذات سنة للتكوين، حين سألناه عن أهمية "الإحصاء" ودلالته الوثوقية، فأجاب مبتسما: "الإحصاء فَنُّ الكذب".

 

دربت أخماس في أسداس، وقلت بنادل المقهى، حين أداء الثمن "هذا ما بقي من الانتخابات"، مشيرا إلى علامة إبهامي.