باشر الحاج عملية الإحماء، إلى جانب مرشحين آخرين يتأهبون لخوض مباريات الثامن من شتنبر. الحاج مرشح خبر بلاء الانتخابات أكثر من معرفته بكيد زوجته الحاجة، برلماني يحفظ عن ظهر قلب أروقة البرلمان أكثر من أثاث بيته. إلا أنه ولأول مرة يجري حملته الانتخابية بميكانزمات جديدة لاعترافه بصعوبتها، فهو لم يسبق له خوض مبارتين في يوم واحد، الأولى تقوده إلى معترك عمليات الجماعة المحلية، والثانية مباراة تصفية تؤهل لقبة البرلمان وكعكه وتعويضاته، حتى وإن كانت ستنتهي بضربات الجزاء، ولو في وقت متأخر من ليلة الاستحقاقات.
قيل والعهدة على الراوي أن الحاج رجل كريم، من أصحاب الحسنات، يده ممدودة للخير كيفما كان، فوق الطاولة وتحتها، حتى قيل في رواية والعهدة على زوجته، أن الحاج وقع على "بون كوموند" مع أحد صانعي الأسنان لصناعة اطقم أسنان إكراما منه لشياب دائرته الانتخابية، بعد علمه بضعف منسوب لياقتهم البدنية في مباريات كسر عظام الدجاج خلال الولائم والأعراس. إيمانا منه بثقافة الذبح، فهو لا يحفظ من شعر المتنبي إلا بيت يقول فيه قائله:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يراق على جوانبه الدم.
همست الزوجة في أذن السائق ذات يوم أنها صاحبة الفكرة. أما الحواريون من الشباب فكلفهم الحاج قبل أشهر بضرورة تشييد منصات افتراضية وصفحات فيسبوكية، لعلمه بأهمية السوشل ميديا في انتخابات تحتضنها كورونا وسلالاتها. وقيل مما قيل والعهدة على الحاجة، أنه توصل بتسريبات بخصوص تدابير الحملة في عهد الكوفيد التاسع عشر.
في الحملة، كل مرشح بما فيه ينضح، ولعل كورونا دفعت جلهم للقارة الزرقاء، بعد منع التجمهرات، وتشديد الرقابة الكورونية، وتشميع قاعات الولائم. حجيج آخرون تشي ملامح بطونهم أنهم من آل السياسة وتبدو عليهم أعراض الترشح، يعتقدون أن التزكية الحزبية أهم من استدعاء اجتياز الشهادة الابتدائية، من أقران الحاج مرشحين من عابري البرلمان وقاطني الجماعات والمؤلفة قلوبهم على صناديق الاقتراع، كلفوا فيلق من محترفي "السوشل ميديا"، لإقامة حملة فيسبوكية تحت شعار "زيد دردك عاود دردك"، تمت صناعة صور وفيديوهات وأشرطة بعد التعديل والإضاءة و"الفيلتر" يبدو فيها المرشح "غيفارا" زمانه و"ستالين" دائرته الانتخابية. أحدهم يعرف من أين تؤكل الفخذ، بعد حصوله على تزكية من حزبه هرول إلى دائرته الانتخابية ليبشرهم بوعود لم يسبقه إليها إنس ولا جان، تذكر أن ما نساه من وعود في استحقاقات 2011، بشرهم بها في انتخابات 2015، فلجئ للعبة "الجمع والطي وصعود الجبل" حين وعدهم بتحويل سيدي بنور إلى مدينة ذكية، يضاهي بها الدكاليون مدن الصين وكوريا، وآخر بشر موالوه الانتخابيون بتحويل سوس إلى قطب مالي يفوق قطب الدار البيضاء، وهلم خرى من الوعود.
في أحد الدوائر الانتخابية، مرشح يعد من الراسخين في طلاسم الانتخابات، أصبح من صنف الرخويات الأليفة يفرخ تحيات المجاملة هنا وهناك خلال أيام الحملة، يفرح مع المارحين ويحزنه حزن المقهورين. شوهد يوزع القبل ويحضن ويعانق، فسئل عن موقفه من شباب يدونون على الفيسبوك أنهم بعد تفكير عميق أعلنوا ترشهم، ومنهم من كتب على سطوري "لو جئت الزمان أواخره لآت ما لم تستطعه الأوائل"، حرك شفتيه يمنة ويسرة في إحالة منه لسخرية زرقاء، ثم قال إنهم أرانب سباق. اما عن الشفافية فأكد لهم أنها توجد في ملابس النساء.
في إحدى خطابات الملك، سبق ونبه المنتخبون إلى عدم تقديم الوعود الوردية البعيدة عن الواقع، وترويج الأكاذيب والاباطيل الصعبة المنال، حتى لا ينساق الناس وراء خيوط من دخان، ومن ثمة تقطع أوصال الثقة بين المواطن والمؤسسات. إلا أنه زمن الحملة الانتخابية يصبح المرشح في حالة تسلل، أو كمحجور مرفوع عنه القلم، فلا تثق في العريس عند الخطبة والمرشح عند الحملة.
قبَّحهم الله من مرشحين يختزلون السياسة في البحث عن الأصوات القوية، وإكمال الحصة بالأصوات المبحوحة، أما عن الانتخابات فكثير منهم أساؤوا فهم اللعبة السياسية حين ضنوا أن الجائع لا يساوى عندهم شيء إلا إذا كان صوتا، ولا يهمهم العاري إلا إذا كانت امرأة. وإذا تَلوا بيانا أو بلاغا حرفوا القاسم إلى قسمة.
المرشحون بشر يأكلون ويمشون في الأسواق، يتقاسمون الهواء مع عامة الناس على الأرض، وعلى هذه الأرض من حاز على جائزة نوبل للسلام، كما عليها من يستحق الديناميت الذي اخترعه نوبل.