يكشف أبو وائل الريفي، في بوحه الأسبوعي بموقع "شوف تيفي" الـ "عورات" المتعددة لنظام جنرالات الجزائر وتصرفاتهم التي تجاوزت حمقى ابن قيم الجوزية... وآخر هذه الحماقات قطع العلاقات مع المغرب، والذي يعتبر في حد ذاته ضررا لما يثيره من تشنج العلاقات وتشكيل حالة رهاب قد تستغل لتأزيم الوضع.. مشيرا إلى أنه، كيف لن يتضرر مواطنو البلدين من خطوة انفرادية يريد لعمامرة صناعة شكلها وحدودها.. هذا الأخير الذي صار شغله الشاغل هو المغرب، وكل هاجسه اتباع خطوات المغرب بممحاة تعجز حتى الآن عن محو أثر الدبلوماسية المغربية...
"أسبوعا بعد آخر يبين حكام الجزائر أن ليس للحمق عندهم حد. كل أسبوع يخبئ نظام الجنرالات تصرفا أحمقا من سابقيه. لقد كان واضحا أن الجزائر تتجه نحو قطيعة من جهة واحدة تجاه المغرب، ولذلك لم يكن مستغربا قرار قطع العلاقة الذي اتخذ منذ مدة على أعلى مستوى بين الجنرالات ويُبحث له فقط عن مسوغات وظرفية يمكن من خلالهما إقناع الجزائريين به. وجه الغرابة إذن لم يكن في القرار في حد ذاته فقد كان منتظرا، ولكن الغرابة تمثلت في المبررات التي تم على أساسها اتخاذ القرار والطريقة تم بها إعلانه. لقد كان لزاما لتبرير القرار النبش في التاريخ واستدعاء وقائع بقراءة مضللة ومتعسفة لتكون متناغمة مع قرار اتخذ بدون أسباب حقيقية ويلزم لعمامرة أن يجد له مسوغات ولو بتزوير التاريخ. لذلك لوحظ نوع من التكلف والعناء في تصريحه لأنه أجهد نفسه لتبرير ما لا يبرر، والمثير للسخرية أن لعمامرة ردد بشكل ببغاوي أن المغرب استعمل منظومة “بيڭاسوس” للتجسس على 6000 رقم جزائري، كأن القرار في الجزائر يصنعه آلاف الجزائريين وكان على لعمامرة أن ينور الرأي العام ويكشف أسماء 5999 من صناع القرار في الجزائر خارج شنڭريحة، فحتى لعمامرة ليس و لن يكون من صناع القرار في الجزائر لأن شنڭريحستان لا يصنع القرار فيها إلا واحد يمثل المؤسسة القابضة فعلا بزمام الأمور والباقي كومبارس وجزء من الديكور.
كان واضحا على محيا لعمامرة مشاعر متناقضة، فهو من جهة في حالة انتشاء لأنه حقق حلم الانتقام من عدو تاريخي ينغص عليه عمله في كل المنتديات الدبلوماسية التي يكون طرفا فيها رغم الجولات المكوكية التي يقوم بها وحشر أنفه في أكثر من ملف، ومن جهة أخرى بدا محرجا بسبب ضعف الحجج والمبررات والأسباب التي كان يقدمها أمام الصحافيين والتي لا تستدعي جميعها قرارا بهذا الحجم.
لعمامرة الذي فشل في تولي منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا بعد رفض الولايات المتحدة ترشحه بسبب عدم حياده يحاول اليوم أن يجد لنفسه موطئ قدم في الأزمة الليبية، خصوصا أن أهم المفاوضات التي تمت بين الفرقاء الليبيين تم تنظيمها في المغرب، ولذلك فهو يسابق الزمن لقيادة وساطة في الملف الليبي نهاية الشهر ضدا في وساطة المغرب التي سبقته بسنوات وحققت إنجاز اتفاق الصخيرات الذي كان له فضل في الحد من الكثير من التداعيات السلبية بين الليبيين والذي ما يزال مرجعا لكل المنتظم الدولي. لعمامرة هذا صار شغله الشاغل هو المغرب، وكل هاجسه اتباع خطوات المغرب بممحاة تعجز حتى الآن عن محو أثر الدبلوماسية المغربية. وكان الأولى به الانتباه لمطبخه الداخلي وهو يرى الهزائم المتوالية التي يمنى بها هو وجبهته الانفصالية في المنتظم الدولي بعد تزايد أعداد المعترفين بمغربية الصحراء وارتفاع عدد القنصليات في الصحراء المغربية وتراجع دول، كانت محسوبة على المحور الجزائري، عن الاعتراف بجمهورية الوهم. وليعوض عن خسارته كان يلزمه اتخاذ قرارات متطرفة مثل قطع العلاقة مع المغرب.
ولأن الحمق لا حد له، فلا يمكن تصور قرار آخر بعد قطع العلاقة إلا إعلان الحرب على المغرب، وبهذا ستتحقق نبوءة شنقريحة، كبيرهم الذي علمهم الحقد والتزوير، الذي أوصى في أكثر من مناسبة بالاستعداد لمواجهة “العدو الكلاسيكي” والتفاخر بأن الجزائر هي أقوى دولة في المنطقة. للأسف، فعسكر الجزائر لم يتخلص بعد من هذه العقيدة الفاسدة المفسدة للجوار.
كشف لعمامرة وجنرالاته أنهم رهائن للماضي الذي دونوه بمداد الحقد والتزوير ومن محبرة الكذب على المغرب الذي كان خير سند للمقاومة الجزائرية. إنه التحليل البئيس لنخبة حرب الرمال التي لا تتصور المغرب إلا عدوا وتعاني مركب نقص تجاهه ولا تتصور وجودا مريحا لها إلا بإضعاف المغرب. للأسف، يصدق على هؤلاء مَثَل الذي كذب الكذبة وصدقها ويريد من الجميع تصديقها، ربح رهان الاستقرار ومحاربة الجريمة والإرهاب والتنمية والشراكة مع الاتحاد الأوربي وغيره لن تنجح فيه دول جنوب المتوسط إلا مجتمعة، وهذا سر إصرار المغرب على تفعيل الاتحاد المغاربي.
وكشف لعمامرة وجنرالاته أنهم في حالة إنكار للواقع وجهل بمقتضيات المرحلة التي يمر منها العالم والتي تستدعي تكاثف جهود الجميع والتعاون لربح رهان الاستقرار والتنمية. تجاهل حكام الجزائر كل المعطيات الجيوسياسية التي تتهدد المنطقة مساهمين في إضعاف جهود التصدي للجريمة والإرهاب وغيرهما من التهديدات بقرارهم قطع العلاقات.
وكشف لعمامرة وجنرالاته جهلهم بالمستقبل والآفاق التي تنتظر المنطقة وينتظرها شركاؤها لأن أبسط مطلع على تحديات المستقبل لا يمكنه الإقدام على خطوة مجنونة مثل هذه
لم يعلم لعمامرة، ومن أمره بتلاوة قرار قطع العلاقة مع المغرب من الجنرالات، أن قرارهم ليس إلا رصاصة طائشة سترتد عليهم قبل أن تصيب غيرهم. إنه قرار بدون تبعات وجدوى. فليس هناك علاقات ذات بال أصلا حتى يتم قطعها. هي علاقات محدودة في حدها الأدنى، والمتضرر منها أساسا هم مواطنو البلدين الذين يعيشون في المغرب والجزائر. وإعلان القرار لم يكن يستحق تلك الهالة وتنظيم ندوة صحافية وانشغال كل الإعلام الجزائري بنقلها حيث بدا لعمامرة خلالها يمطط الإجابات على نفس الأسئلة بصيغ متعددة وكأنه حريص على إطالة زمن الندوة من أجل لا شيء. وهذا لا يصدر إلا عن من يعيش فراغا حقيقيا ويوهم نفسه أمام عدسات المصورين بانتصارات لا يستوعبها إلا خياله الواسع. لقد خانت العبارات لعمامرة واختلطت عليه الصفات حتى بدأ ينهل من القاموس الحربي رغم أنه دبلوماسي قبل كل شيء، ولذلك فالمبررات والمفردات التي تم بها الإعلان كان يلزم أن تصدر عن جنرال وليس عن دبلوماسي
ومرة أخرى، يقدم المغرب الدرس لحكام الجزائر في أخلاقيات وجماليات التعامل الدبلوماسي وسلوك رجال الدولة من خلال بيان وزارة الخارجية الذي تميز بالإيجاز والدقة والأناقة وحسن انتقاء العبارات. في مثل هذه المواطن “خير الكلام ما قل ودل” ولكن لعمامرة وريث مدرسة “الإسهال في الكلام” لن يستوعب هذا ولو عاش قرنا بعد ذلك.
قرار الجزائر متسرع ولو أنه اتخذ بعد طول تفكير وتشاور بين حكام الجزائر، ومبرراتها غير مقنعة لأن القرار اتخذ مسبقا وكان فقط يبحث له عن مبررات، وهو خطوة لتضليل الداخل وإلهاء الجزائريين وشغل أنظارهم عن الفشل الذريع في تدبير شؤون البلاد التي تغرق في المآسي. للأسف لم يتخلص جنرالات الجزائر من نظرية المؤامرة. هم لا يتصورون استقرارا للأوضاع داخل الجزائر إلا بصناعة عدو وهمي، وألفوا توحيد تناقضاتهم الداخلية باستعداء المغرب. ولكن هذه المرة خانتهم الأسباب ولن تنطلي مبرراتهم على الجزائريين وعلى المنتظم الدولي لأن الزمن غير الزمن ووسائل التواصل تتيح للرأي العام الاطلاع على الحقائق من خلال مصادر أخرى غير إعلام الدعاية الحربي الذي يمسك بزمامه الجنرالات.
بدا القرار متناقضا حين تحدث لعمامرة عن عدم تضرر مواطني البلدين من قطع العلاقة متناسيا أن قطع العلاقة في حد ذاته ضرر لما يثيره من تشنج العلاقات وتشكيل حالة رهاب قد تستغل لتأزيم الوضع وقد يذهب ضحية الشحن أشخاص لا ذنب لهم. كيف لن يتضرر مواطنو البلدين من خطوة انفرادية يريد لعمامرة صناعة شكلها وحدودها. الحقيقة أن ما لن يساهم في إلحاق ضرر بمواطني البلدين هو الرد المغربي وطريقة تعاطيه مع التهور الذي طبع قرار حكام الجزائر. وعلى هذا المستوى، لا يمكن للجزائريين والمنتظم الدولي إلا الاطمئنان لأنهم خبروا المغرب عبر التاريخ ويثقون في حكمة الملك محمد السادس وصدق سياسة اليد الممدودة للجزائر. هم واثقون جدا من عدم انجرار المغرب نحو أجندة الجنرالات الحربية.
لو كان المجلس الأعلى للأمن في الجزائر مقتنعا بالمبررات ومتأكدا من صدق الاتهامات التي أطلقها ضد المغرب لأعلن عن الأدلة. ويعجب المرء حين يرى هذه النبرة الوثوقية في كلام تبون ولعمامرة حول اتهام رشاد والماك بالتسبب في الحرائق في منطقة القبايل مع العلم أن لا اعتقالات جرت هناك ولا محاكمات نصبت ولا أحكام نهائية صدرت. غريب هذا المنطق الذي يطبع سلوك حكام الجزائر. ألا يجب على حكام الجزائر مواجهة المغرب بالأدلة على تورطه في تمويل ودعم الماك؟ لماذا لا يحرج حكامُ الجزائر المغربَ إذن أمام اتحاد المغرب العربي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكل المنتظم الدولي بتقديم هذه الأدلة؟ لماذا لم تتخذ الجزائر خطوات ضد قيادات الماك ورشاد الموجودة في أوربا طالما أن بحوزتها أدلة؟
يعلم الجميع أن قيادات من رشاد نشيطة في سويسرا وفرنسا وبريطانيا، ويعلم الكل أن الماك موجودة في باريس ومنها أعلنت سنة 2010 تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل يرأسها فرحات مهني. لماذا لا تطالب باعتقال هذه القيادات إذن؟ هل يظن عاقل أن الجزائر ستتأخر عن المطالبة بهؤلاء المتورطين من الدول التي يقيمون فيها لو كانت لديها أدلة قانونية؟
لو كانت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي حول الجزائر هي السبب، فلماذا لم تحتج الجزائر رسميا ضد حكومة تل أبيب؟ أليس منطق الأشياء يستدعي احتجاجا رسميا ضد ممثل إسرائيل عوض اتهام بوريطة بتوجيه تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ضد الجزائر؟ ألهذا الحد وصل الخوف من المغرب إلى حد تصويره كمتحكم في تصريحات وزير إسرائيلي؟
إن هذا الإقحام لموضوع إسرائيل في خطوة قطع العلاقة مع المغرب ليس إلا رد فعل خائب على الهزيمة المدوية التي تلقاها لعمامرة حين قاد حملة فاشلة ضد عضوية إسرائيل في الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب وهو الذي كان يظن أن باستطاعته النجاح وكأنه يملك مفاتيح الاتحاد الإفريقي. وإقحام إسرائيل في هذه الخطوة محاولة فقط لاستدرار التعاطف الشعبي ومساندة بعض الدول التي تعادي إسرائيل والظهور بمظهر المدافع عن الحق الفلسطيني. والملاحظ أن هذا الرهان فشل كذلك لأن الربط كان غير منطقي ولأنه كان يلزم الاحتجاج رسميا على إسرائيل بسبب تلك التصريحات التي تراها الجزائر متحاملة عليها. ولو كانت الجزائر جدية في عدائها لإسرائيل لكانت قراراتها وسلوكها واحدة تجاه كل المتعاملين مع إسرائيل. فلماذا تتوسط بين مصر وإثيوبيا والسودان في أزمة سد النهضة إذن وكلها دول مطبعة مع إسرائيل قبل المغرب؟ ولماذا لم تقم بنفس الخطوة تجاه الأردن والإمارات كذلك؟
يتضح الآن أن كل المبررات والأسباب المعلنة من قبل حكام الجزائر واهية، ولذلك ينبغي البحث عن الأسباب في غير المعلن عنه. ولن تخرج هذه الأسباب عن عدم قدرة لعمامرة وفريقه وأسياده عن مجاراة التفوق الدبلوماسي المغربي في كل القضايا، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية حيث تُمنى الدبلوماسية الجزائرية وصنيعتها البوليساريو بهزائم متتالية في كل الواجهات، وتتجلى كذلك تلك الأسباب في فشل الرهان الجزائري على تحول موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من مغربية الصحراء مما جعلها تفقد صوابها وتتسرع باتخاذ قرار قطع العلاقات لتهديد المنتظم الدولي بتداعيات تفكك المنطقة في ما يخص ملفات الإرهاب وانتشار الجريمة. أما الأسباب الداخلية فتتجلى في التغطية على حالة الفشل في تدبير شؤون البلاد والتجاوب مع انتظارات الجزائريين والوفاء بالوعود التي قطعها تبون للحراك الشعبي الذي سماه بعظمة لسانه مباركا قبل توليه الرئاسة، وتتجلى في حالة الانحباس التي يعيشها نظام العسكر وحالة العقم التي تصيبه منذ سنين حيث صار متخلفا عن طموحات الجزائريين لأنه متقوقع في الماضي ومصر على قراءة التاريخ بـ ”المقلوب” ولم يتخلص من الأحقاد ومرتاح لسياسة الهروب إلى الأمام عند كل مشكلة.
لقد ألف حكام الجزائر تصدير أزماتهم الداخلية إلى الخارج واصطناع عدو وهمي لتقوية جبهته الداخلية، ولكنهم تناسوا أن هذا حل لم يعد صالحا الآن لأن الشعب الجزائري صار يرى الواقع بعيون أخرى ويتلقى الحقائق من مصادر أخرى، وحتى إن نجح هذا الحل فمفعوله مؤقت وسرعان ما سيستفيق الرأي العام ليسائل حكام الجزائر عن الفشل المتراكم وهم المفتقدين لأبسط مقومات العيش الكريم.
الكرة الآن في ملعب النخب من البلدين للعب دورها الحقيقي لتجنيب المنطقة تداعيات التهور الجزائري الذي يفتت المفتت. وقد عبرتُ في بوح سابق، وكنت أتوقع هذه المآلات، عن دور المجتمع المدني في الإبقاء على رابطة الاتحاد المغاربي وتقليص كل التداعيات السلبية التي يمكن أن تترتب عن قرار جنرالات الجزائر الذي اتخذ من طرف واحد بمبررات واهية وفي ظرفية غير مناسبة وأعلن عنه بطريقة تفتقد للياقة وكانت أشبه بقرار إعلان حرب وليس مجرد قطع علاقات دبلوماسية"...
(عن موقع "شوف تيفي")